باسل الخطيب: مهنة الإخراج أصبحت مستباحة...

30-11-2014

باسل الخطيب: مهنة الإخراج أصبحت مستباحة...

شاء القدر أن يغيب عن الدراما التي قدمته للجمهور كلما أنجز عملاً سينمائياً، لكنه هذا العام سيضرب عصفورين بحجر واحد، هكذا قارب على اختتام فيلم «أهل الشمس» في الساحل السوري ويتأهب للشروع في مشروع درامي يعيده إلى الشاشة الصغيرة بعد غيابه العام الماضي.

قدّم الكثير من المسلسلات اللافتة بدءاً من «أيام الغضب»، ومروراً بـ«نزار قباني»، و«رسائل الحب والحرب»، و«عائد إلى حيفا» وليس انتهاءً بـ«أنا القدس»، و«حدث في دمشق».

لم يخف يوماً تأثره بوالده الشاعر يوسف الخطيب وتعلقه بما ترك من ذكريات ونصائح، ويعترف دوماً أن زوجه ديانا جبور شريكة داخل عش الزوجية وخارجه، في حين يتطلع لأن يحقق ابنه الوحيد «مجيد» أحلامه في الإخراج السينمائي.

إنه المخرج المسكون بهاجس الملاحم، والشخصيات المؤثرة، والقضايا المصيرية ليلامس بأعماله حدود الأيقونات، أما لغة الصورة فتتميز بأنها شديدة الخصوصية، ومفعمة بالإحساس.

المخرج السوري الكبير باسل الخطيب حل ضيفاً عزيزاً في لقاء مطول هذه تفاصيله:

■ هل كانت الأزمة سبباً في إنجاز الأفلام الثلاثة في هذا التوقيت؟

أعتقد أننا أنجزناها في التوقيت المناسب، وربما لو تأخر المشروع قليلاً لما ظهرت الأفلام بالصورة التي ظهرت وستظهر بها، فأنا أؤمن بشيء قدري يحكم كل ما نقوم به وأظن أن توقيتاً قدرياً تدخل لأن تظهر الأفلام بهذا التوقيت بالذات.

 ■ على الرغم من قساوة بعض المشاهد نلحظ جمالية الصورة، كيف تستطيع خلق توازن بين الألم والجمال في الوقت ذاته؟

موضوع الجمال نسبي، فالشيء الذي أراه جميلاً لا يراه غيري كذلك، والعكس صحيح وبالتالي لا أعمل دائماً على مقاييسي الجمالية الخاصة بل على المقاييس المستوحاة من المشهد بحد ذاته، أي لا أستحضر جماليات من خارج متطلبات المشهد أو المناخ البصري للمشهد.

الشيء الذي استفدت منه في الأفلام الثلاثة، هي أنني بـ«مريم» كنت شريكاً في الكتابة وفي فيلمي «الأم» و«أهل الشمس» كتبتهما بنفسي، وبالتالي فإن الفيلم يبدأ بالتشكل معي وهو لا يزال على الورق، وخلال الكتابة أستطيع خلق هذه المناخات البصرية وأنسج لها الربط المباشر مع الأحداث والشخصيات والحالة الدرامية ما يخلق بالنتيجة النهائية الحالة البصرية الجمالية التي تظهر في العمل، ويتقبلها الجمهور لأنها غير دخيلة على الحدث بل آتية من روح الحدث والشخصيات.

■ خلال الأفلام الثلاثة، هناك ممثلون يتكررون معك، لماذا التركيز على وجوه معينة من دون إعطاء الفرصة لآخرين في ظل ندرة الإنتاج السينمائي؟

استعنت في «مريم» بوجوه جديدة كالفنانة لمى حكيم التي جسدت أحد أدوار البطولة، وفي فيلم «الأم» استعنت بممثلين يتعاونون معي لأول مرة سينمائياً مثل نورا رحال وعامر علي، وسوزان سكاف، ولينا حوارنة، وعلي صطوف، وكذلك في «أهل الشمس» تعاونت مع الفنان الكبير رفيق سبيعي، وأيضاً كاريس بشار، ومحمود نصر، ومحمد حداقي.

أنا حريص على التجديد، لكن تبقى هناك مجموعة أفضل أن تكون موجودة معي سواء كان الحديث عن سلاف فواخرجي أو صباح جزائري، ميسون أبو أسعد وديما قندلفت وغيرهن، فهؤلاء أصبح بيني وبينهن تجربة مشتركة وبالتأكيد لا أطلبهم لاعتبارات شخصية لأن المعيار الأول والأخير لاختيار ممثلة هو مدى ملاءمتها للدور، وحتى لو كانت الفنانة صديقة وعملها رائع لن أطلبها إذا لم تكن مناسبة للدور.

■ هل سرقتك السينما من الدراما وهل أنت قادر على التوازن بينهما؟

سيكون لي عمل درامي خلال رمضان القادم، وأدرس حالياً مشروعين لأختار واحداً منهما، والآن بعد ثلاث تجارب سينمائية لابد من إعادة التواصل مع الجمهور في التلفزيون لأن الانتشار الذي تحققه الدراما للمخرج لا تحققه السينما.

■ يقال إن الدراما السورية تعاني من الدخلاء، كيف يمكن ضبط الموضوع؟

المشكلة لا تتوقف على الممثلين فقط، بل تشمل الكتّاب والمخرجين أيضاً، والموضوع بسيط يحتاج إلى قرار واضح وصريح من نقابة الفنانين بفرض ضوابط لكل من يرغب العمل بالشأن الدرامي.

المخرج بحكم عمله وقراراته يتحكم بإنتاج تصل تكاليفه عشرات ملايين الليرات إضافة إلى السيناريو والممثلين، وبعض المنتجين يتعاملون باستخفاف بالبحث عن التوفير بالتعاقد مع مخرج بمليون ليرة عوضاً عن مخرج محترف بأضعاف هذا المبلغ، فهم يساهمون بشكل أو بآخر بالإساءة للدراما السورية وبهبوط مستواها، والنقابة تتحمل جزءاً من المسؤولية أيضاً.

■ إذاً هل أصبحت مهنة الإخراج مستباحة؟

نعم.. باتت مستباحة، والأمثلة موجودة وكثيرة.

■ كنت أكثر المخرجين لأعمال السيرة الذاتية، لكنك انقطعت عنها، هل سنراك في هذه الأعمال مجدداً؟

واحد من المشاريع الدرامية التي يمكن أن تبصر النور العام القادم يتمحور حول سيرة ذاتية لبعض الشخصيات السورية النسائية التي كان لها دور تنويري ومهم في تشكيل الوعي السوري بمطلع القرن العشرين.

هناك شخصيات لن أذكرها بالاسم حالياً ستكون محور العمل، لكن لن يكون عمل عن حياة هذه الشخصيات، لأنني لا أنظر لهذه الأعمال بأنها سرد لتفاصيل حياتها الخاصة بقدر ما هي سرد للزمن والمرحلة التي عاشت بها.

■ برأيك هل أعمال السير الذاتية أعطت الشخصيات حقها؟

هذا الموضوع يحكم عليه النقاد والجمهور، لكني أعتقد أنني في «نزار قباني» استطعت إلى حد كبير أن أقارب حياة هذا الشاعر الكبير وأستعيد حضوره الشعري والإنساني بعد سنوات من رحيله.

 ■ ما المعايير التي يتم من خلالها اختيار هذه الشخصيات؟

غالباً عند الحديث عن أعمال السير الذاتية يطرح تساؤل: هل من المبكر الحديث عنه أم لا؟ هناك شخصيات يحكى عنها بكل زمان وكل مكان، وواحدة من هذه الشخصيات نزار قباني وجمال عبد الناصر، فهي حاضرة في الدراما وفي الذاكرة. المعيار يرتبط بالشخصية ذاتها ومدى التأثير الذي أحدثته وأهمية استحضارها في الذاكرة مجدداً.

■ هل تابعت أعمالاً درامية سورية في الموسم الرمضاني الفائت؟

لا، وهناك سبب. أنا معني بالشأن العام وما يحدث به يؤثر بي كثيراً ويؤثر على طريقة تفكيري ومزاجي، كنت في حالة نفسية جعلتني غير قادر على متابعة أي مشهد من أي مسلسل تلفزيوني سواء أكان سوريا أم عربياً.

 ■ هل قام الفنانون السوريون بواجبهم خلال الأزمة؟

لا أعرف لماذا لم نفصل الفنان عن الناس، ما المطلوب من الفنان؟ هذا سؤال يطرح دائماً، الفنان بحكم أنه في دائرة الضوء وبالتالي أفعاله وردود أفعاله دائماً مثار جدل، لكنه بالنهاية شخص مثله مثل أي مواطن سوري آخر، يعيش حياته ولديه مشاكل، وما يحدث يؤثر فيه ويتفاعل معه، وبالتالي أرى أن المطلوب من الفنان السوري هو نفسه المطلوب من أي شخص آخر، أي أن يحافظ على ما يفعله وأن يقدم الأفضل، فبالنسبة لي مجموع هذه الأفعال اليومية بمختلف تخصصاتنا ومواقع عملنا هي التي تمنحنا القدرة على الثبات والاستمرار ومواجهة هذا الموت الرهيب الذي يحيط بسورية.

■  ما الذي تطلبه من نقابة الفنانين؟

أكرر مطلبي بوضع قوانين صارمة للمنتجين ولمن يعمل في الدراما، ولا بد من إيجاد صندوق دعم لمشاريع شبابية كما حصل في مؤسسة السينما ما دام للنقابة موارد جيدة.

أيضاً هناك جيل كبير من الفنانين الذين أسسوا لما نقطف ثماره اليوم، لا بد من مراعاة ظروفهم وأخذ وضعهم الحياتي والاقتصادي بعين الاعتبار بإنشاء صندوق دعم فعلي لهم.

■ السيدة ديانا جبور حالياً مديرة المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، هل من الممكن أن تستشيرها في أعمالك كزوج أم تفصل بين الأمرين؟

أنا وديانا شريكان إضافة إلى كوننا زوجين، وهذه الحالة موجودة بيننا منذ أكثر من 20 عاماً، فهي تستشيرني بأشياء كثيرة تتعلق بعملها.

هناك حالة حوار بيننا، وأنا أحب آراءها، رغم أننا بحالات كثيرة قد نختلف بوجهات النظر، لكنها بالنهاية إنسانة تعبت كثيراً على نفسها واجتهدت وكونت لنفسها شخصية مستقلة ومؤثرة، وآراؤها بكثير من الحالات تكون موحية وبناءة.

 ■ ابنك شق طريقه بدراسة الإخراج السينمائي في لوس أنجلوس، هل كان بناء على طلبك؟

على الإطلاق بل هو اختار هذا القرار، وأنا قبل أن يأخذ قراره النهائي تحدثت معه مطولاً ووضعته في الصورة الحقيقية لمستقبل هذه المهنة، وأخبرته بأن الطريق لن يكون مفروشاً بالورود.

ابني منذ جاء إلى الدنيا وهو يعرف بأن والده معروف كمخرج، لكني أفهمته بأن هذا الشيء لم يأت بين ليلة وضحاها، بل جاء بعد سنوات طويلة من التعب والجهد والصبر وهو مؤمن بهذا الشيء وبأن التحديات في المستقبل أمامه ستكون كبيرة وهو محب لهذا المجال ومتحمس له وأتمنى له التوفيق والنجاح وأن يعمل في ظروف غير تلك التي عملنا ونعمل بها.

 ■ بما تنصح ابنك؟

نصيحتي الأساسية التي أكررها له دائماً هي أن يعرف كيف يتعامل مع الزمن والوقت، فعندما أعملُ كشفاً سرياً للسنوات التي فاتت من حياتي أرى أن هناك الكثير من الوقت أضعته على أمور لم تكن في وقتها جوهرية.

نصيحتي أن يحاول التمييز بين الشيء الجوهري والعادي وأن يسخر جهده للشيء الجوهري الذي له في المستقبل فائدة فعلية وثمار يستطيع قطفها.

 ■ تستذكر دوماً والدك الشاعر الراحل يوسف الخطيب، هل حققت الحلم الذي كان يصبو إليه؟

والدي كان إنساناً زاهداً بكل معنى الكلمة ولم تكن هذه المغريات الموجودة في الحياة تعنيه من قريب ولا من بعيد، فقد أتته إغراءات كبيرة وبقي محافظاً على موقفه الوطني الفلسطيني الثابت، بالتالي لم يكن يرى الأمور من باب الشهرة أو سواها، ولو أنه بداخله كان يشعر بنوع من الغبطة بأن ابنه استطاع شق طريقه وإثبات نفسه، لكنه كان حريصاً على الخيارات التي أقدم عليها.

كل نصائحه التي قدمها كانت جوهرية وحاسمة بالنسبة لي، اليوم، وبعد رحيله بأكثر من ثلاث سنوات أفتقده وأفتقد وجوده وأشعر أن هناك جانباً مضيئاً في حياتي قد اختفى، لكنني أعرف ما الشيء الذي يسعده وما الشيء الذي يزعجه وأحاول أن أقوم بما يرضيه كما لو كان على قيد الحياة.

لا يكفي المحافظة على ذكرى من يرحل بزيارة قبره وقراءة الفاتحة على روحه، بل يجب فعل ما يحب والذهاب إلى الأماكن التي يحبها، هذا جانب موجود في حياتي ولا يمكنني بأي حال من الأحوال أن أغفل عنه.

 ■ كيف استطعت التأقلم مع الأزمة؟

لم أستطع التأقلم مع الأزمة ولن أستطيع، لأن حياتنا وحياة أولادنا ذهبت باتجاه مختلف تماماً ولمدى سنوات طويلة مقبلة، فهذا الشيء لا يمكن التأقلم معه، حالي كحال ملايين السوريين أصبح هناك شرخ كبير في حياتنا التي يجب أن تستمر مهما كان الثمن باهظاً.

■ هل فكرت بالسفر خارج سورية؟

إطلاقاً رغم العروض الكثيرة في مصر والخليج ولبنان ولكنني فعلاً وأقول هذا الكلام ليس من باب العاطفة المجردة، أنا مرتبط بهذا البلد من ناحية الوجود الروحي والنفسي وبحالة الانتماء ولا يمكن أن أتخيل حياتي خارج سورية، وبرأيي السوري من دون سورية إنسان غير مكتمل.

 ■ تعيش أزمتين فلسطينية وسوريّة، هل المسؤولية الإنسانية مضاعفة عندك؟

سورية وفلسطين بلد واحد ومصير وتاريخ واحد وشعب واحد، فأنا فلسطيني سوري وسوري فلسطيني، وسورية بلدي تماماً كما هي فلسطين، وأهلها هم أهلي كما في فلسطين، فليس لدي إزدواجية في حالة الانتماء.

وائل العدس

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...