انعكاسات الأزمة الاقتصادية اليونانية وشروط المساعدة الأوروبية

28-02-2010

انعكاسات الأزمة الاقتصادية اليونانية وشروط المساعدة الأوروبية

الجمل: تزايدت الأخبار والتقارير والتحليلات التي تتحدث عن الأزمة الاقتصادية اليونانية الحالية, وما يمكن أن تؤدي إليه ضغوطها المتزايدة من عواقب وخيمة, تهدد بانتقال العدوى إلى بلدان الاتحاد الأوروبي وبلدان منطقة الشرق الأوسط, هذا, وبرغم اتفاق التحليلات والآراء حول أسباب الأزمة, فإن المزيد من الخلافات ما زال قائما حول كيفية علاج واحتواء هذه الأزمة.
الاقتصاد اليوناني: الملامح العامة
تقع اليونان ضمن منطقة جنوب شرق أوروبا, ويصنفها خبراء الجيوبوليتيك باعتبارها جزءا من منظومة منطقة البلقان, وتحديدا: البلقان الجنوبي, هذا, وقد ظلت اليونان لفترة طويلة تمثل أحد البلدان الأوروبية الأساسية, واستطاعت إحراز مكانة اقتصادية عالمية مرموقة, ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• تحمل اليونان المرتبة الأولى في تراتبية البلدان الأوروبية وفقا لساعات العمل اليومي, وقد ظل اليونانيون يتميزون عن سائر الأوروبيين بقضاء ساعات العمل الطويلة.باباندريو
• تحتل اليونان المرتبة ال(24) على أساس اعتبارات الانفتاح نحو العولمة.
• تحتل اليونان المرتبة ال(33) في الاقتصاد العالمي وفقا لمعدلات القدرة الشرائية.
• تحتل اليونان المرتبة ال(62) في الاقتصاد العالمي وفقا لمعدلات متوسط دخل الفرد.
• تحتل اليونان المرتبة ال(72) في الاقتصاد العالمي وفقا لمستوى الناتج المحلي الإجمالي.
• تحتل اليونان المرتبة ال(81) في الاقتصاد العالمي وفقا لاعتبارات الحرية الاقتصادية.
وإضافة لذلك, تمثل اليونان عضوا فاعلا في كبرى المنظمات الاقتصادية الإقليمية والدولية الرئيسية, فاليونان عضو في: منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية-منظمة التجارة العالمية-الاتحاد الأوروبي-منظمة اليورو-منظمة تعاون البحر الأسود.
تبلغ مساحة اليونان 131990كم, بعدد سكان يبلغ حوالي 11,4 مليون نسمة, وإضافة لذلك, يبلغ الناتج المحلي الإجمالي في حده الأعلى 343 مليار دولار, وفي حده الأدنى 339,2 مليار دولار, وذلك بمعدل دخل سنوي للفرد يبلغ متوسطه حوالي 30681 دولار, الأمر الذي جعل اقتصاد اليونان يصنف من بين الاقتصاديات العالمية المرتفعة الدخل مثل السويد وكندا وألمانيا وأميركا, وذلك برغم أن مستوى التطور الاقتصادي يصنف اقتصاد اليونان باعتباره من الاقتصاديات النامية, مثله مثل تركيا والبرازيل وغيرها.
مفاعيل الأزمة الاقتصادية اليونانية:
يقوم الاقتصاد اليوناني على ثلاث دعامات أساسية, هي: قطاع الخدمات ويساهم بحوالي 75,5% من الناتج المحلي الإجمالي, إضافة إلى أنه يستوعب 68% من قوة العمل, وقطاع الصناعة ويساهم بحوالي 20,6% من الناتج المحلي الإجمالي, إضافة إلى انه يستوعب حوالي 20% من قوة العمل, وقطاع الزراعة ويساهم بحوالي 3,7 من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي, إضافة إلى أنه يستوعب 12% من قوة العمل. هذا, وتبلغ نسبة البطالة حوالي 7,7%, وهي نسبة تمثل مؤشرا مرتفعا مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
تشير الأرقام والمعلومات إلى أن الصادرات اليونانية تبلغ جملتها 19,14 مليار دولار هي: الأغذية-المنتجات الصناعية-المنتجات النفطية-المواد المعدنية-الأشغال الحديدية-إضافة إلى النسيج, وتتوزع صادرات اليونان بحيث تذهب 47,8 منها إلى: 11% إلى إيطاليا-10,5% إلى ألمانيا-7% إلى بلغاريا-6,2% إلى قبرص-5% إلى أميركا-4,7% إلى بريطانيا-4,4% إلى رومانيا, أما الـ52,2% المتبقية من إجمالي الصادرات فتذهب إلى العديد من دول العالم الأخرى, وعلى وجه الخصوص دول البلقان والقوقاز وشرق أوروبا إضافة إلى البلدان العربية.
وبالنسبة للواردات والتي تبلغ جملتها 93,91 مليار دولار, فتتمثل في: الماكينات-الوقود-الكيماويات, وبعض أنواع المواد الخام الأخرى, وتستورد اليونان 37,9% من احتياجاتها بحيث: 13,3% من ألمانيا-12,8% من إيطاليا-6,2% من الصين-و5,6% من فرنسا, أما الـ62,1% المتبقية من الاحتياجات, فتحصل عليها اليونان من بقية بلدان العالم, وعلى وجه الخصوص من دول الشرق الأوسط, وشرق وجنوب شرق آسيا.
نلاحظ أن أبرز المؤشرات الكلية لمفاعيل الأزمة الاقتصادية, وتحديدا المفاعيل الهيكلية تتمثل في الاختلالات الهيكلية الآتية:
• عدم توازن القطاعات الاقتصادية, فالقطاع الخدمي يشكل وحده 75,7%  من حجم الناتج المحلي الإجمالي, (أي أكثر من ثلاثة أرباع), ويستوعب 68% من قوة العمل (أي أكثر من الثلثين) مقارنة بالقطاعين الصناعي والزراعي, وهذا معناه أن قطاع الخدمات أكثر حجما واتساعا من قطاع الإنتاج الحقيقي.اليونان
• إن نسبة البطالة تبلغ 7%, وهي نسبة عالية جدا مقارنة بمعدلات البطالة في الاقتصاديات الأوروبية, وبالتالي فهي مؤشر على عدم قدرة الاقتصاد اليوناني على خلق فرص العمل الجديدة, وهو مؤشر لضعف الاستثمارات, وتحديدا عدم قدرة الاقتصاد اليوناني على جذب تدفقات رأس المال الاستثماري المباشرة وغير المباشرة.
• على أساس اعتبارات مستوى التنمية يعتبر اقتصاد اليونان اقتصادا ناميا مثله مثل تركيا والبرازيل والأرجنتين, ولكن على أساس اعتبارات مستوى الدخل, فإنه يعتبر اقتصادا مرتفع الدخل, مثله مثل اقتصاد كندا وأميركا والسويد وألمانيا, وهنا تبدو المفارقة: كيف يمكن لاقتصاد نامي أن يتحمل دفع معدلات دخل تعادل تلك التي تدفعها اقتصاديات البلدان الأكثر تطورا؟
هذا, وتقول المعلومات, بأن اليونان تعاني من ثلاثة أنواع من الفساد, تتمثل في الآتي:
• الفساد الاقتصادي: وذلك بسبب تفشي عمليات الرشوة, والتهريب, والتهرب الضريبي, والعمولات غير المشروعة, إضافة إلى المناقصات الجائرة.
• الفساد السياسي: وذلك بسبب تفشي عمليات التمييز والمحسوبية, إضافة إلى تحالفات النخب السياسية واستحواذها على القرار السياسي.
• الفساد الاجتماعي: وذلك بسبب تفشي تهريب واستهلاك المخدرات و اتساع نطاق أنشطة الدعارة إضافة إلى الجرائم المتزايدة.
شكلت الاختلالات الاقتصادية الهيكلية, إضافة إلى مكونات الفساد, بؤرة الأزمة الاقتصادية اليونانية, وتشير المعطيات إلى أن هذه البؤرة ظلت تتطور بشكل خفي تحت السطح لفترة أكثر من عشرة سنوات, وكانت الحكومات اليونانية المتواترة قادرة على إخفاء تفاعلات وتداعيات بؤرة الأزمة الاقتصادية, وذلك وفقا لاستخدام الأساليب الآتية:
• اللجوء المتزايد للاستدانة بما أدى إلى ارتفاع معدلات الدين ضمن مستوى يعادل 113% من مستوى الادخار.
• اللجوء المتزايد لاستلام المعونات والمساعدات من الاتحاد الأوروبي, وكما هو معروف, فقد ظلت المفوضية الاقتصادية الأوروبية, تعتمد برنامجا وقائيا يقوم على تقديم الدعم والمساعدات لدول الاتحاد الأوروبي التي تعاني من مشاكل اقتصادية, وذلك بما يمنع تفاقم هذه المشاكل وتحولها إلى أزمات يمكن أن تلحق الأضرار الفادحة باستقرار اقتصاديات الاتحاد الأوروبي.
تزايدت ضغوط اللجوء للاستدانة, وترافقت في مطلع عام 2010م الحالي مع تزايد ضغوط الأزمة المالية العالمية, وبدأت المفوضية الاقتصادية الأوروبية أكثر تدقيقا وفحصا لاقتصاديات الاتحاد الأوروبي, ومن سوء الحظ, أن معدل النمو الاقتصادي اليوناني, قد هبط فجأة من 4% إلى 1,3% الأمر الذي اعتبره الأوروبيون مؤشرا سالبا جديدا ينذر بالخطر.
انفجرت ضغوط الأزمة الاقتصادية اليونانية, وتحولت من وضعيتها كضغوط هيكلية كامنة تحت السطح إلى ضغوط وظيفية تعمل في العلن وفوق السطح: فقد تزايد الغضب الشعبي والمظاهرات, إضافة إلى تزايد معاناة المنشآت في الحصول على القروض, والتي ترافقت بعدم قدرة البنوك لا في الحصول على المزيد من المدخرات, ولا حتى في الحصول على عائدات القروض التي سبقت أن منحتها للأفراد والمنشآت والشركات, والذين أصبحوا جميعهم في حالة التعثر وعدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات والسداد للديون, وإضافة لذلك, أصبحت الحكومة اليونانية غير قادرة على تمويل القطاع العام, فلا توجد ودائع أو مدخرات معرفية يمكن الاستدانة منها, ولا توجد إمكانية لفرض المزيد من الضرائب الجديدة على الشعب الذي أصبح على وشك الثورة والعصيان!.
سيناريو احتواء الأزمة اليونانية:
تنشغل الأوساط الاقتصادية والسياسية اليونانية في العمل هذه الأيام من أجل إيجاد المخرج المناسب الذي يتيح لليونان الإفلات من محرقة الأزمة, أما الأوساط الاقتصادية والسياسية الأوروبية, فتنشغل في العمل من أجل محاصرة ضغوط الأزمة الاقتصادية اليونانية, وعدم السماح بانتقال عدواها إلى اقتصاديات الاتحاد الأوروبي الأخرى, وعلى وجه الخصوص الاقتصاد الإيطالي والألماني والفرنسي.
تقول المعلومات, بان الحكومة اليونانية قد حصرت خيارات علاج الأزمة الاقتصادية في ضرورة الحصول على التمويل اللازم من أجل توفير الغطاء المالي لعجز الميزانية الذي بلغ رقما من غير الممكن تغطيته بالموارد المحلية, واقترحت الحكومة اليونانية, عددا من الحلول أبرزها:
• طرح سندات خزانة يونانية في الأسواق المالية والبورصات, وذلك ضمن أسعار فائدة معقولة, ولفترة عشرة سنوات, ولكن الأسئلة الحرجة في الآتي:
- من هو الذي سوف يقوم بشراء سندات الخزانة من دولة تعاني من الأزمة, ويدفع ثمن هذه السندات نقدا, وينتظر لفترة عشرة سنوات لكي يقبض أصل المبلغ والفوائد؟
- من الممكن أن تتم عملية شراء السندات, ولكن, وبحسب أنظمة الأسواق والبورصات المالية, فمن الممكن أن يتم عرض هذه السندات لعمليات البيع والشراء, فهل يوجد ما يضمن إمكانية ضمان تداول هذه السندات؟
• طرح سندات خزانة يونانية في الأسواق المالية والبورصات وذلك ضمن أسعار فائدة معقولة, ولفترة عشرة سنوات, وبوجود ضمانات من البنك المركزي الأوروبي لتغطية هذه السندات ودفع قيمتها فورا عند تقديمها للسداد, ولكن الأسئلة الحرجة تتمثل في الآتي:
- أن قيمة سندات الخزانة اليونانية تتضمن مبالغ طائلة تفوق قدرة البنك المركزي الأوروبي على السداد الفوري؟
- أن قيام البنك المركزي الأوروبي بتقديم الضمانات اللازمة لتغطية سندات الخزانة اليونانية, سوف يعرض أداء البنك المركزي الأوروبي النقدي والمالي للكثير من الاختلالات والمشاكل؟
تقول المعلومات والتسريبات, بأن دول الاتحاد الأوروبي, أصبحت أكثر ميلا لخيار تقديم الدعم والمساعدة لليونان, عن طريق قيام بعض الدول الأوروبية القوية اقتصاديا بشراء سندات الخزانة اليونانية, وتقول التسريبات بأن ألمانيا سوف تكون في مقدمة المشترين لهذه السندات بالإضافة إلى إيطاليا وفرنسا وهولندا وربما السويد, ولكن, كما تقول التسريبات, فإن قيام هذه الأطراف بعملية الشراء سوف يتم ربطه حصرا ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي سوف تقوم المفوضية الاقتصادية الأوروبية بوضع خطوطه الرئيسية, وذلك بحيث تقدم المفوضية الأوروبية برنامجا للحكومة اليونانية يتضمن التزامها بحزمة من الإصلاحات, وإذا لم تلتزم الحكومة اليونانية بتطبيق هذه الإصلاحات, فإنها ستكون مواجهة بفرض العقوبات الاقتصادية الأوروبية, والتي سوف يكون أقلها: حرمان اليونان من مساعدات الاتحاد الأوروبي, وربما فرض المزيد من الرسوم والضرائب على السلع والخدمات اليونانية في البلدان الأوروبية.
تشير آخر التسريبات إلى أن رئيس الوزراء اليوناني الحالي جورج باباندريو سوف يقوم بزيارة ألمانيا والتفاهم مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل, وسوف يزور أميركا ويلتقي بالرئيس باراك أوباما, من أجل الوصول إلى صيغة محددة لمخرج الأزمة, وما هو واضح من هذه التحركات أن رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو سوف يلجأ إلى تهديد أميركا بأن اليونان ظلت حليفة أميركا وتستضيف القواعد العسكرية الأميركية وقواعد حلف الناتو, وقد أصبحت معرضة لمخاطر الانهيار الاقتصادي, وذلك على أمل أن يقوم البيت الأبيض الأميركي بالضغط على حلفاءه الأوروبيين لجهة القيام بعدم التشدد وتقديم الدعم للاقتصاد اليوناني.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...