النظام الأبوي برؤية أنثوية

30-11-2013

النظام الأبوي برؤية أنثوية

هذا الكتاب «نشأة النظام الأبوي»، الصادر حديثاً عن المنظمة العربية للترجمة، ترجمه أسامة إسبر، يُعد إنجازاً ضخماً في حقل دراسات المرأة. فهو إعادة بناء جذرية للمفاهيم في الحضارة الغربية، ويجعل من الجنس، من حيث الذكورة والأنوثة، أساساً لتحليله. يذهب إلى أنّ هيمنة الرجال على النساء ليست «طبيعية» أو بيولوجية، وإنما هي نتاج تطوّر تاريخي بدأ من الألفية الثانية قبل ميلاد المسيح في الشرق الأدنى القديم.
مؤلفة الكتاب «غيردا ليرنر» مؤرخة وأستاذة في جامعة وسكنسون - ماديسون وأستاذة زائرة في جامعة ديوك، في الولايات المتحدة الأميركية، وهي إحدى مؤسسات ميدان تاريخ النساء، ورئيــسة سابـقة لمنظمة المؤرخين الأميركيين. وقد درّســت أول مــنهج في العالم حول تاريخ النــساء في الكلية الجديدة للبحث الاجتماعي سنة 1963. ووضعت أوّل برنامج دراسات عليا حول النساء في الولايات المتحدة الأميركية.
تعود المؤلفة إلى ثقافات الحضارات الأقدم المعروفة في الشرق الأدنى لكي تكشف أصول استعارات الجنس الرئيسية للحضارة الغربية، وعبْر استخدام الدليل الأركيولوجي والتاريخي والأدبي، تتعقب تطور هذه الأفكار والرموز والاستعارات، وإدخالها في الحضارة الغربية على أساس العلاقات بين الجنسين التي اتخذت طابعاً أبوياً.
ترى غيردا ليرنر، أن الأفكار الرئيسية للنظام الأبوي، إذا ما بسّطناها قليلاً، هي أن الرجال والنساء خُلقوا على نحو مختلف، ولهدفين مختلفين، وأنّ الرجال يمتلكون ذهناً مفكراً وذكاء متفوقاً وقدرة على القيادة. بالتالي من المقدّر عليهم أن يمثلوا النظام والحكم، فيما النساء أدنى على المستوى الفكري، بالتالي يجب أن يخضعن ويصبحن متّكلات على الرجال. وهن غير قادرات على التفكير والتنظيم. وبسبب من هذا، لا تحتاج النساء إلى التعليم إلا كي يحضّرن أنفسهن لهذا الدور الداعم. وربما كان المظهر الأكثر تدميراً لهذه الخطة هو أن الله لا يتحدث مع النساء، ولا تستطيع النساء التحدث مع الله، ولا يستطعن الوصول إلى الله إلا عبر توسّط الرجال. وفي فترة ألفي سنة من التاريخ المسيحيّ، اعتُنقت هذه الأفكار كأنها أوامر من الله وصارت متضمنة في المنظومة التربوية الغربية على جميع المستويات.
إن كتاب غيردا ليرنر كتاب تفكيكيٌّ وتأسيسيُّ في آن، فهو يفكِّكك آليات السيطرة على النساء وإخضاعهن، التي صُنعتْ منذ بدايات الحضارات الأولى المعروفة في الشرق الأدنى القديم. وهو تأسيسيّ لأنه من الكتب الأولى في مجاله، التي تحلل بعمق واستبصار وإحاطة النظام الأبويّ وتأصّله في الأسطورة والدين والتاريخ المدوَّن، جاعلاً من نفسه كتاباً نسوياً رائداً بامتياز، يعكس تمكن المرأة وقدرتها على نقد وتفكيك الخطاب المتمركز ذكرياً. فالكتاب مؤلف من قبل امرأة، مما يلقي ضوءاً على دور النساء في العمل على تحرير أنفسهن من سيطرة النظام الأبويّ الذي دفع بهنْ إلى مرتبة متدنيّة وأخضعهنّ لسيطرة الرجل الذي صار الآمر الناهي في ما يتعلّق بحياتهنّ. هذا الرجل الذي تعلّم السيطرة على المرأة في البداية من تدجينه للحيوانات، كما تذهب المؤلفة.
إن هذا الكتاب الذي يُعدّ تأويلاً مثيراً ومتحدّياً للخضوع التاريخي للنساء، كما ذهب بعض النقاد، يمثل خطوة نحو الأمام في النقد النسوي للصرح المعرفي البطريركي والكتابة حول النساء من قِبَل الرجال.
غيردا ليرنر، تلقي الضوء على مسألة جوهرية تتعلّق بخضوع المرأة، ليس في الغرب فحسب، وإنما في الشرق أيضاً. فعبر تحليله لأصول وجذور هيمنة الرجال على النساء في النصوص الأسطورية والدينية القديمة، يكشف أيضاً جذور تصنيع خضوع المرأة العربية، بالتالي، فإنّ قراءة هذا الكتاب ستساعد المرأة العربية، في صراعها لتفكيك بنــية النظــام الأبويّ، الذي يهمّشها ويلغي دورها ويُخضعها، حارماً المجتمع من نصف قوّته الخلّاقة، ذلك أن المرأة العربيــة لا تزال تكافح ضد النظام الأبوي إلى الآن من دون أن تحقق انتصارات جذرية. ولعلّ هذا الكتاب يلقي ضوءاً على تعقيدات النـظام الأبويّ وهيــمنته على المستويات كلّها.

لينا هويان الحسن

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...