الموقف الروسي المتقدم يحرج الغرب ويؤسس الى خطوات لاحقة

31-08-2011

الموقف الروسي المتقدم يحرج الغرب ويؤسس الى خطوات لاحقة

مرة جديدة تؤكد موسكو على دعمها الكامل والمطلق لنظام الرئيس بشار الاسد من خلال زيارة رسمية قام بها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الى سوريا، ناقلا رسالة من الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الى الرئيس الاسد. وذلك على الرغم من الضغوط الدولية والاقليمية العربية التي تمارسها المجموعة الدولية على دمشق. ما يشير بوضوح الى ان المجتمع الدولي سيقف عاجزا عن تنفيذ اي عملية عسكرية ضد الحكومة السورية، التي اتخذت بدورها اكثر من قرار يكشف ان النظام مستمر بعملياته الامنية حتى النهاية من دون ان يعير المجتمع الدولي اية اهتمامات.
وفي هذا السياق يعتبر دبلوماسي مخضرم ان موقف موسكو هذا نابع من مصالح استراتيجية لا يمكن لاي مسؤول روسي التغاضي عنها، مهما بلغت المشاورات او الاتصالات ومحاولات الاقناع الغربية. فهي لا تتمتع باي نافذة على الشرق الاوسط وثرواته الطبيعية ومنابع النفط سوى من خلال البوابة السورية، وهذا واقع لا يمكن نكرانه، كما ان روسيا تعتبر ان مجالها الوحيد لسوق السلاح في المنطقة ينبع من سوريا، ما يعني ان نشاط هذا السوق التجاري يرتكز على سوريا التي قد تكون الوحيدة التي تتسلح من خلال روسيا. هذا فضلا عن ان موسكو تسعى منذ سنوات لاقناع النظام السوري بالسماح لها بانشاء قاعدة عسكرية روسية تطل على المتوسط، وفي طرطوس تحديدا. بما يسمح لها بالاشراف المباشر على مجريات الامور في المنطقة، اضافة الى ان مثل هذه الخطوة التي تعتبرها موسكو جبارة تسمح لها بان تتشارك مع الولايات المتحدة في البحث عن حلول مفترضة لازمات المنطقة المعقدة والمتصاعدة.
ويضيف الدبلوماسي ان روسيا ترى ان اللحظة السياسية الحرجة التي تمر بها سوريا هي وقت مناسب لتنفيذ مثل هذا المشروع الذي يمنح دمشق نوعا من الاستقرار الاقتصادي من جهة والكثير من الحماية الدولية، خصوصا ان روسيا تبقى في النهاية واحدة من الدول القادرة على تعطيل القرارات الدولية من خلال حق النقض (الفيتو) الذي يمنحها اياه مجلس الامن الدولي. وهي بالتالي تستفيد من الظرف لمقايضة دعمها السياسي والمعنوي لسوريا بموقف سوري مماثل يعيد موسكو الى ساحة الشرق الاوسط بقوة بعد خروج معظم المنظومة العربية والشرق اوسطية من الكنف الروسي والتحاقها بالركب الاميركي.
وفي موازاة الموقف الروسي برز رد تركي عبر ما صدر عن انقرة حول دعمها للشعب السوري، ورفضها المطلق الوقوف الى جانب النظام . وذلك في مقدمة واضحة تفيد بان تركيا غير راضية عن عودة روسيا الى المنطقة من خلال بوابة دمشق التي تحتاج الى اي خطوة تساعدها على فك عزلتها الدولية. ويعتبر الدبلوماسي ان اشارات عدة تواردت في الايام الاخيرة الماضية تؤكد بان الغرب بات مقتنعا بانه لن يتمكن من اسقاط النظام، خصوصا بعد ان ثبت لديه بان الوقت يعمل لمصلحة النظام الذي تمكن حتى الان من امتصاص الصدمات العنيفة والتعاطي الحاسم معها.
وفي مطلق الاحوال يرى البلوماسي المخضرم عينه ان الخطوة الروسية لم تأت من فراغ، بل انطلاقا من مصالح استراتيجية لابد من مراعاتها مهما كلف الامر، وذلك في ظل ازمات اقتصادية عاصفة تجتاح الولايات المتحدة واوروبا. وهي تمنع اي من هذه الدول من تنفيذ اعمال عسكرية غير مضمونة النتائج.

أنطوان الحايك

المصدر: النشرة

التعليقات

نشر سابقا تحت عنوان: مواقف وطنية تاريخية للبرجوازية السورية استقلت سوريا عن سيطرة المستعمر الفرنسي الغربي في ربيع 1946. كانت سوريا آنذاك بلدا صغيرا فعدد سكانه لا يصل إلى ثلاثة ملايين مواطن، بهياكل إدارية بسيطة، بل بدائية تتمثل بما أسسه الانتداب الفرنسي خلال ربع قرن من الزمن - وهي فترة قصيرة جدا نسبيا- من مؤسسات أمنية تتضمن الشرطة والدرك ومؤسسة الجيش الوطني وما طورته بعض الشيء لمؤسسات ورثتها سوريا من عهد السلطنة العثمانية من إدارات حكومية للتعليم والقضاء والعقارات والأوقاف وغير ذلك. مختصر القول لقد استلمت النخب السورية من الفرنسيين بلادا شبه بدائية مقارنة مع ما كان علية العالم المتمدن في تلك الأيام. العالم في تلك الآونة كان قد خرج لتوه من الحرب الكونية الثانية التي ولدت عالما مختلفا تماما فقواه العظمى الاستعمارية التقليدية بريطانيا وفرنسا وألمانيا قد أنهكت وخسرت مستعمراتها التي تحررت وأنشأت كيانات جديدة مستقلة أخذت تتلمس طريقها في عالم عاصف. في هذه الآونة كانت قد ظهرت قوتان عظيمتان جديدتان على الساحة الدولية هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي الذي نابه الدمار الأكبر وأشد المعاناة من ويلات تلك الحرب المرعبة. وبدأ الصراع بين معسكرين يتسابقان بشكل هائل في التسلح وفي البحث عن مناطق النفوذ. من الطبيعي أن تكون المستعمرات التي تحررت حديثا من الإنكليز والفرنسيين هي نطاق هذا البحث عن مناطق النفوذ. دول ضعيفة في كل النواحي وتحتاج لكل شيء كي تقف على أقدامها التي أصلا هي ضعيفة. وتأسست أحلاف عسكرية ضم الحلف الغربي منها تركيا الجارة الكبيرة لسوريا والمستعمر السابق التواق لاستعادة ملكه حيث لم يمض على خسارته لسوريا سوى أقل من ثلاثة عقود. إذن جاءت الفرصة المناسبة لاستعادة سوريا مع دعم من الحلف الغربي، خاصة أننا نعلم أن بريطانيا العظمى قد برت بوعدها للصهاينة بإعطائهم فلسطين لإقامة كيان لهم فيها ولتستخدمه كعامل من عوامل منع نشوء أي كيان يشكل خطرا إستراتيجيا على مصالح الغرب وسبق ونشأ وانهار كيانات بين مصر وبلاد الشام والعراق، وكان آخر مرة قد حصل عندما جاء إبراهيم باشا ابن محمد علي في منصف القرن التاسع عشر. استشعرت النخب البرجوازية الوطنية بحسها المرهف وحبها العظيم لوطنها الخطر المحدق بالكيان الوطني المستقل حديثا، والذي تجلى بتعدد مشاريع التحالف الغربي التي قدمت لسوريا حيث كانت تركيا محورا في جميع هذه المشاريع. لقد قرأت البرجوازية السورية قراءة إبداعية احتمالات تطور الأحداث فما كان منها وللحفاظ على الوطن إلا أن التمست العون من الدولة السوفييتية الشيوعية المعادية للتحالف الغربي. إنه موقف مشهود أن تخاطر البرجوازية الوطنية بالتحالف مع الدولة الشيوعية بالرغم مما قد يراه قصيرو النظر أنه تحالف خطير ووجودي على البرجوازية ذاتها. لقد فضلت البرجوازية السورية بقاء الوطن وحماية وجوده ككيان على الاحتراس من احتمالات الخسارة الاقتصادية. لقد كانت البرجوازية السورية في كل مواقفها منحازة للوطن وبرهنت على أن الوطن له الأولوية على كل شيء وأن ازدهارها هو بازدهار الوطن، وقد أعادت مرات ومرات البرهان على هذه المواقف الوطنية التي لم يحصل ولا يمكن لأحد من أعدائها الطبقيين والسياسيين أن يتهما بشيء من هذا القبيل، بل وأقول أن كل وطني سوري ينحني أمام تلك المواقف التاريخية المشهودة للبرجوازية الوطنية السورية في الدفاع عن الوطن وسيادة الوطن وبقائه. إن ما نراه من مواقف خيانية هو لبعض المجموعات التي اغتنت وأثرت بشكل غير مشروع على حساب الوطن والشعب وقد خانت الوطن والشعب والنظام الذي كانت جزءا منه وقد خرجت من عباءة نظام من المفترض أنه اشتراكي وأنها قد آمنت بتوزيع عادل للثروة لحماية الوطن والإنسان. وما تمر به سوريا الآن من أحداث وما نراه من تصرفات غاية في الحكمة والتعقل والوطنية للبرجوازية السورية يجعلنا نحن الوطنيون السوريون وبغض النظر عن مشاربنا وانتماءاتنا السياسية، يجعلنا نشعر ونثق أن مستقبل سوريا في أيد أمينة، وأسمح لنفسي أن أقول أن الشعب السوري يتفوق حكمة ودراية على من هم مسؤولون عن إدارة شؤونه اليومية. وللعلم فقط أعطي شهادة تعبر عن قناعتي بمواقف البرجوازية الوطنية السورية واعتقد بأهمية قيام نظام ديمقراطي تعددي يتبنى اقتصادا حرا تقيده قوانين تنحو بالوطن إلى عدالة اجتماعية تحفظ المبادرة الفردية وتحفظ كرامة الإنسان وحقه بحياة حرة كريمة. ستنصر سوريا بكل أبنائها المخلصين وكل طبقاتها الوطنية. عشتم وعاشت سوريا وطنا مزدهرا بكل أبنائها ولكل أبنائها.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...