المأساة التي أدخلت الجزائر في دوامة من الرعب الدموي

30-04-2006

المأساة التي أدخلت الجزائر في دوامة من الرعب الدموي

السنوات العشر السوداء من عمر الجزائر, فتحت عيون الجزائريين على صدمة الفاجعة , وعنف " المسكوت " عنه في طبعات الوعي الخامد , والمسيج بأثقال المحظور " وأوهام " اليقينيات " المزيفة , حيث توالت الاحداث العنف في الجزائر كفيلم رعب سيئ لم يحسن المخرج السيطرة على على كل التباسات وتداخلات قصته  , فيحس المشاهد بالعجز لعدم تمكنه من تخمين ما خفي .
تهاوى الجدارالجدار الفاصل بين الضحية والجلاد  .. المضطهد أصبح قامعا , والقامع يعمل على توسيع رقعة القمع والاضطهاد ..
أصبح القتل مشاعا , وتحول الدم الى ممارسة وخطاب متسربلين بالمقدس الديني تارة , وبالمبجل الوطني تارة أخرى ..
والمبدع الجزائري في السينما والمسرح والرسم والكتابة عندما يقارب تجربة العشرية السوداء التي عاشتها البلاد يصطدم بتساؤلات : كيف نتجاوز اليأس لنبدع ؟! وكيف نبدع لنتجاوز اليأس ؟ هذه هي المعادلة التي تحكم هذه التجارب الابداعية , اليأس ومداراته . هي الاسئلة المحرجة التي تنطرح أمام الابداع داخل مجتمعات موجودة . وتعيد اللغة تركيبها من جديد . تتحطم بسرعة مذهلة لم يكن الناس مهيئين لها بالشكل الكافي , ومعها تتحطم ثوابت كثيرة داخل الذاكرة المرتبطة بين تاريخ كان يبدو الى وقت قريب مثلا مذهلا ومتعاليا عن التاريخ ذاته كتجربة بشرية متواضعة في سياق التراكم العام . وبين حاضر يتآكل في العمق , ويأكل في طريقه هذا التاريخ ذاته .
فيلم " المنارة" للمخرج الجزائري بلقاسم بلحاج ,عن سيناريو الطاهر بوكلة , يروي المأساة التي أدخلت الجزائر في دوامة من الرعب الدموي بأسلوب يجمع بين الطرح الجارح والقاسي للأحداث والنظرة الإنسانية للتطورات والغليان الذي أقحم فيه أفراد المجتمع مما جعل بعضهم يتحول الى دمى آلية تسيّرها عن بعد قوى مجهولة. ولقد مكّنت مهنية وخبرة المخرج بلحاج المعروف بأعمال سينمائية مميّزة مثل "السبيبة" و"ماشاهو" من تقديم فيلم يعالج قضية جزائرية حساسة وبأسلوب جريء كما نجح في معالجته للموضوع الذي يغطي فترة تبدأ قبيل أحداث اكتوبر1988 وتغطي كل الفترة التي استفحل فيها الإرهاب مع التوقف عند أهم المحطات السياسية الهامة عبر طرح موضوعي بعيد عن الأحكام المسبقة والمتطرفة. وهذا الطرح أضفى على الأحداث الدامية والدرامية التي يرويها الفيلم بعداً إنسانياً.. على الرغم من قساوة عدد من المشاهد. وتدور وقائع الفيلم حول قصة شباب كانت حياتهم قبل حدوث الزلزال الذي هزّ كيان مجتمع بأكمله وفكك وحدة نواته الأولى الممثلة في الأسرة تؤهلهم للإنجازات الجيدة وخدمة بلدهم كل في تخصصه ممثلون في الشخصيات المحورية الثلاث للفيلم "أسماء ورمضان وفوزي" ثلاثة أصدقاء قدموا من مدينة شرشال الى العاصمة للدراسة في الجامعة تجمعهم عشرة الجيرة وصداقة الطفولة وأيضاً زمالة الجامعة في العاصمة وتنسج أطراف هذا الفيلم حول علاقة صداقة وحب ونضال يومي لشباب كان يؤمن بالجزائر. بداية الفيلم كانت تعد بقصة جميلة تزدهر فيها مشاعر الصداقة والحب والمنافسة بين شابين للفوز بقلب أسماء التي كان قلبها يتأرجح بين الإثنين لكن عاصفة تشرين الاول "اكتوبر "  1988تخلط كل الأوراق وتدفع بشباب كان بالأمس يلهو غير مبال الى الشارع في هستيريا لتحطيم كل ما يرمز للدولة. تتعاقب على الشاشة صور مروعة تظهر أعمال الشغب والتخريب تارة وصور أكثر رعباً وبشاعة عن شباب محطم يدلي بشهادات مؤثرة عن الوضع. عند هذه النقطة تتداخل الأحداث حيث تتقهقر الصورة الجميلة لمتعة الحياة اليومية لتسيطر على الشاشة صورة تفوق قساوتها مشاهد قصص الرعب.
ووسط كل هذه الأحداث تتبخّر الصداقة وتتكسّر المبادئ والمواقف ويتحوّل الصديقان رمضان وفوزي الى أعداء وتبقى أسماء بينهما حائرة تحاول الحفاظ على التوازن. لكن في زخم هذه التناقضات تنهزم الصداقة وينتقل رمضان الشاب الوسيم , الذي اختار ممارسة مهنة الطب التي تهب الحياة , الى الضفة الأخرى التي تزرع الموت والدمار .ويترشح في الانتخابات ممثلا عن الجبهة الاسلامية للانقاذ " الفيس " ثم يصعد الى الجبل ملتحقا بأمراء الحرب والقتل بعد توقف المسار الانتخابي غداة فوز جبهة الانقاذ  .  ويتحول فوزي الصحافي الشاب الذي كان يسعى في كتاباته الى إظهار الحقيقة الى شخص آخر قاس في أحكامه ومواقفه. وفي لحظة عصيبة يجد نفسه يمارس التعذيب. هذا التناقض والصراع النفسي تجسده بقوة شخصية رمضان المركبة. ففي هذا الدور صب الفيلم جحيم الغليان الذي يعيشه المجتمع وضياع الشباب وسط دوامة من الأحداث التي تعصف به لتقذفه على إحدى الضفتين. وعقد هذه الشخصية جعلتها تحمل أكثر من دور. فهي ترمز في الوقت نفسه الى رمضان وفوزي وهذا ما جعل أسماء تصرح لصديقتها في إحدى المرات قائلة إنها لا تحب رمضان ولا فوزي إنما تحب "رمزي" والإسم مكوّن من جمع حروف من الإسمين. فهذا الفيلم يعطي فرصة لأكثر من قراءة ويحمل أكثر من رمز لكن يبقى الرمز الأكثر دلالة وبروزاً هو عنوانه "المنارة" عندها تنطلق أحداثه باحتفالات سكان شرشال بالمولد النبوي وعندها تنتهي بعد عودة أسماء وبنتها "بشرى" ذات الـ10 سنوات وتقول لها " لتظل المنارة تضيء طريقنا". ومن خلال هذه المنارة التي ترمز أيضاً الى الثقافة الشعبية والتقاليد العريقة لهذا الشعب يخلص الفيلم الى أن هذه المنارة التي كان البحارة يهتدون بضوئها الى سبيلهم يمكنها أن تجعل الشباب اليوم يهتدون بضوئها الى سبيل العيش في سلم وتقارب مهما اختلفت آراؤهم. ونجح الفيلم في استعادة الفترة التاريخية بكثير من الصدقية المشهدية ورسم ملامح بلد غرق في الأزمة وذلك بتقديمه قصة متماسكة وحواراً جيداً... و الى القصة اللافتة بحساسيتها وجرأتها، والأسلوب الفني والبصري المدهش وتمكن المخرج في التعبير ,  يضاف الاداء الرائع للممثلين. ويؤدي الأدوار الرئيسية في هذا الفيلم عدد من الوجوه الشابة الجديدة من بينهم سمية مزيان التي قامت بدور أسماء وطارق حاج عبد اللطيف في دور رمضان وخالد بن عيسى في دور خالد و صوفيا نواصر التي أدت دور بشرى.

           محمد عبيدو

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...