الكتلة الصامتة هدفاً لتنظيمات الإسلام السياسي

12-07-2011

الكتلة الصامتة هدفاً لتنظيمات الإسلام السياسي

يلعب أصحاب الأيديولوجيات الدينية والسياسية في ساحة الكتلة الصامتة غير المسيسة أو المؤدلجة في المجتمع. ولما كانت المجتمعات العربية بطبيعتها متدينة يلعب الدين دوراً كبير في تشكيل عقليتها وطريقة تفكيرها، جاء مدخل الإسلام الراديكالي باللعب على هذه الطبيعة، فاستطاع في الكثير من الأحيان كسب هذه الكتلة الصامتة بانصياعها الى نخبتها الدينية مدشنة بذلك شكلاً من الاستبداد الديني الأكثر خطورة من الاستبداد السياسي في كون الأخير تُمكن الثورة عليه، أما الديني فيكون هناك خوف وتردد في العمل ضده لأنه مرتبط بالعقيدة الدينية. والسؤال هل يثور الشباب على السلطوية السياسية الدينية بنهج ثورته على الديكتاتورية السياسية، خصوصاً أن متغيرات تشكيل العقول خرجت عن نطاق النخب الدينية والحكومية بسبب الواقع الافتراضي بقدرته على خلق جيل جديد من الشباب غير المقيد بأطر واحدة للمعرفة.

من خلال المتغيرين الآتيين تُمكن الاجابة.

أولاً: كيف كسب الإسلاميون الكتلة الصامتة في الماضي؟

ما يلفت على مدار العقود الماضية أن الإسلاميين كانت لديهم قدرة كبيرة على ملء الكتلة الحرجة والفضاء المجتمعي بأشكال مختلفة، لأسباب متعلقة في الأساس بالاستبداد السياسي وضعف المجتمعات تجاه الدين، فالكتلة هنا قد تكون سبباً وفضاء في الوقت نفسه. بمعنى آخر قد يوجد حدث وليكن مثلاً الاعتداء على المقدسات الإسلامية في القدس، حدث مثل هذا لديه القدرة على تحريك الكتلة الصامتة المسلمة ودغدغة مشاعرها، لكن تحريكها لا يتوقف على الشعور فقط وإنما يحتاج إلى توجيه المشاعر وتوظيفها لتخرج في شكل احتجاجات أو تظاهرات، وهو ما نجحت فيه جماعة «الإخوان المسلمون» في قدرتهم على كسب وتحريك الكتلة الصامتة غير المحددة الاتجاه أو الانتماء لتصب في خدمة مصالحهم، خصوصاً في تظاهرات الجامعات التي كان يسيرها المنتمون الى الإخوان على مدار العقود الأربعة الماضية على خلفية أفعال تقوم بها إسرائيل أو أميركا في بلاد المسلمين، وندر أن تجد تظاهرات تتعلق بالأوضاع الداخلية في مصر.

ثانـــياً: الأجيال الجديـــــدة تزاحم الإخوان على الكتلــــة الصامتة: فمنــذ انتخابات 2005 في مصر وبداية ظهور حركة «كفاية» في السنة السابقة لها، بدأت تخلق لنفسها مجالاً حرجاً وتستقطب فئات من الشباب ومن القوى الاجتماعية الرافضة طول فترة الحكم وتوريثه، وخلقت ما يشبه الحراك في المجتمع بتحرك النقابات المهنية مثل «نادي القضاة» وأساتذة الجامعات لتكون لديهم الشجاعة في تبني المطالب نفسها وغيرها.

هذا الأمر بدا مفاجأة للإخوان المسلمين الذين كانوا يتسيدون هذا المجال كونهم الوحيدين الذين يمتلكون النقد ولديهم الجماهيرية في الشارع، فوجدوا أن البساط الإعلامي والمجتمعي أخذ ينسحب من تحت أقدامهم، فبدأوا يتعاملون مع هذه الحركات بمنطق متعال بحيث يحضر ممثلون للجماعة في هذه الحركات ولكن في إطار استقلالية الجماعة، بهدف أن يكون لها تمثيل وألا تكون هناك قوى مجتمعية موازية لها تمثل المعارضة الجماهيرية في الشارع، واستمرت الحال على هذا المنوال، فللإخوان ممثلون في جماعات التغيير كافة التي كانت تنشئها القوى السياسية، ليس بهدف الاندماج والتوحد معها، وإنما بهدف عدم تركها تستولي على الكتلة الصامتة في المجتمع. وشكل، في هذا السياق، ظهور الدكتور محمد البرادعي على الساحة السياسية مفاجأة ليس فقط للنظام الحاكم وإنما للإخوان، بقدرته على جذب هذه الكتلة الحرجة من المجتمع من المؤيدين له، ليكون هو البديل للحكم وليس الذي يخطط له النظام، فهو بات لحركات الشباب الجديدة بديلاً جيداً لانتقال السلطة، ونجح في أن يكسب حوله قوى ليبرالية علمانية ويسارية بعيدة عن التوجهات الدينية، وهو ما اعتبر ضرباً لشرعية «الاخوان» المبنية على الدين.

هذا السيناريو المدني للتغيير استطاع أن ينجح ثورة الشباب في 25 يناير بالقدرة على كسب الكتلة الصامتة وتحويلها ليس في تحقيق أهداف دينية وإنما هدف مدني متجسد في إسقاط النظام. وعندما التحق الإسلاميون بالثورة بعد أن نضجت لم يكونوا من صانعيها، فكل الهتافات والشعارات والأعلام توحدت حول هذا الهدف بعيداً من التوظيفات الأيديولوجية، وخصوصاً الدينية التي وجدت نفسها وسط الحدث ليس كزعيمة لهذه الثورة كما يريد لها أصحابها وإنما شأنها شأن الكثيرين من التيارات الأخرى الليبرالية والسياسية المتفقة على هدف إسقاط النظام. إلا أن الأمور على أرض الواقع بدأت تطرح التساؤل بعدما بات مغرياً: لمن تكون المكاسب التي فجّرتها هذه الثورة الشبابية؟

فعندما لاحت بشائر انتصار الثورة بدأت مظاهر الصراع الخفي لخطف الإسلاميين ثورة الأجيال الجديدة، فالإخوان بحكم وجودهم الطويل واضطهاد النظام لهم كانـــوا أكثر تنظيماً وقدرة على التوجيه، عكس الأجيال الجديدة من شباب الثورة الذين تبلوروا حول الروح الجماعيـــة ووحدة الهدف والجرأة والشجاعة في طرح المطالب والإصرار عليها حتى لو كلفهم الموت في سبيل تحقيقها. ويؤكد ذلك التحول ما حدث في 19 آذار (مارس) الماضي باستخدام «الإخوان المسلمين» والسلفيين الدين في عملية الاستفتاء على تغيير بعض مواد الدستور المصري، الذي يعتبر ساقطاً بحكم سقوط نظام الرئيس مبارك، وهدفهم توجيه تصويت الناخبيــــن ليصوتوا في شكل يخدم مصالحهم، وأنهم أصحـــاب الثورة، حتى لو استعانوا بما ليس شرعياً في العملية السياسية بتسخير خطب الجمعة لتتحدث عـــن حرمة التصويت بـ «لا»، في شكل بدا مضحكاً من عقلية الثقافة الدينية لهذه الجماعات وخطورتها في الـــوقت نفسه والتي تعامل الشعب وفقاً لمنطق القطيع.

والسؤال: هل تنجح ثورة الشباب في أن تجني ثمارها بعيداً من ثقافة القطيع لدى الإسلاميين والتي لا تختلف، حتى الآن، في رؤيتها السياسية والمدنية عن رؤية النظم الاستبدادية في قصر نظرها وفرضها الكبت المجتمعي والسياسي باسم الدين، أو بمعنى آخر، هل تكون لهذه الثورة فوائدها أيضاً في أن يغير الإسلاميون من أفكارهم ويتبنوا أفكاراً انفتاحية تتواكب مع التطورات، أم أنهم سيسيرون بأجندتهم الدينية نفسها التي ستصطدم بملفات كثيرة داخل المجتمع، خصوصاً تجاه المسيحيين الذين يشكلون 8 في المئة من نسيج المجتمع المصري. تساؤلات كثيرة باتت تطرحها ثورة الشباب المصري الذي استطاع أن يثور على الديكتاتورية السياسية ذات البعد الواحد؛ فهل بالمثل يستطيع أن يقوم بالعمل نفسه ضد الديكتاتورية الدينية المنغلقة والسلفية في أفكارها. هذه الأمور مطروحة على الواقع الذي يجيب عنها في الأيام المقبلة.

عزمي عاشور

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...