القصة كما ترويها أرملة عبد الرحمن منيف: صديق العمر سطا على مكتبة الروائي ومخطوطاته

31-03-2015

القصة كما ترويها أرملة عبد الرحمن منيف: صديق العمر سطا على مكتبة الروائي ومخطوطاته

حتى دليل الهاتف لم ينجُ من السرقة والتحريف حين أراد الجاني أن يسطو على إرث الروائي عبد الرحمن منيف. مئات الكتب والمخطوطات والحوليات النادرة التي تم تصويرها واقتلاع أغلفتها دونما رحمة من المكتبة التي تضم بين رفوفها قرابة عشرين ألف كتاب.
تراث صاحب «مدن الملح» خانه أصدقاء الأمس، وعبر سيناريو محكم - تقول زوجة الراحل سعاد قوادري وتضيف: «لقد حاكوا القصة جيداً؛ أقنعوني بأن بيتهم الكائن في حرستا (17 كلم شمال دمشق) تعرض للقصف، سامي حمزة البرقاوي وزوجته رندة وبطلب من الأب حمزة البرقاوي وزوجته ماجدة شاكر؛ تركتُ لهم البيت ليمكثوا فيه، ريثما يجدون بيتاً بدلاً عن الذي أخذته الحرب السورية في طريقها. غبتُ سنة في أميركا بزيارة لأولادي هناك، ومن ثم ذهبت إلى دبي ـ تتابع القوادري وتضيف: «هواتف عديدة كنتُ أتلقاها من البرقاوي الإبن بإلحاح أثناء إقامتي خارج البلاد يطلب مني مفتاح غرفة المكتبة، متذرّعاً بأن الأمن قد يأتي في أية لحظة، ماذا سنقول له حين يسألنا عن الغرفة المغلقة في البيت؟ وفعلاً دللته على مكان مفتاح غرفة المكتبة، ولم أتوقع أنهم بذلك وصلوا لمرادهم».
ترتجف يدا المرأة الستينية وهي تشير بها إلى جثث الكتب المرمية، والمنبوشة أحشاؤها. لقد أتى الغوغاء في غيابها وانهالوا تمزيقاً وتخريباً لمكتبة رفيق العمر؛ حتى أن «متعب الهذال» تم سرقته مع ناقته العمانية البيضاء، مشتعلاً فوق مائدة الملح ومن خانه.
لا تنفك السيدة قوادري عن تكرار مفردة «أصدقاء العمر يا حيف..» فأمين سر اتحاد الكتّاب الفلسطينيين حمزة برقاوي والذي كان أول من اختارته لإلقاء كلمة في حفل تأبين زوجها منيف العام 2004 هو الفاعل: «بعد عودتي في آذار الماضي لم أنتبه فوراً إلى حجم الكارثة، فقط لاحظتُ مِزق الكتب، وبعض البقع عليها، لكنني وبعد شهرين سرعان ما صرتُ أتفقد رسائل عبد الرحمن، مخطوطاته، لاسيما كتابه الذي أعدّهُ منيف عن مقاهي دمشق، رسائله مع جبرا إبراهيم جبرا، وحلمي بركات، وخاصباك؛ رسوماته التي خطها مع مروان قصاب باشي وجبر علوان، قواميسه الفرنسية والإنكليزية، موسوعات الجيوغرافيك وكتب مجلة المعرفة تم قصها هي الأخرى وتفكيك أغلفتها الفنية؛ هذا عمل دولة، وليس أفراد، إن نسخ هذه الكمية الهائلة من الكتب تحتاج إلى ميزانية تصل إلى ملايين من الليرات السورية، من دفع له ولصالح من يشتغل البرقاوي؟ أين ذهب بمكتبة عبد الرحمن؟ لمن باعها؟ انظر.. انظر هنا إلى تجليد هذا الكتاب كيف يبدو مزيفاً ومزوراً، لقد أخذوا الأصل وتركوا لي النسخة، وبعض الكتب والمخطوطات ودفاتر الذكريات لم يتركوا لي منها إلا ورقة أو اثنتين».
ماذا فعل صديق العمر
 كانت السيدة قوادري قد شرعت مؤخراً بإعداد كتاب من رسائل صاحب «شرق المتوسط» قبل أن تقع الواقعة، ويطيح صديق العمر ومن معه بأرشيف هو الأكثر ندرة من نوعه بين المكتبات الشخصية العربية. «أجل لقد نسخوا كل شيء، راجعتُ اتحاد الكتّاب العرب فتعاطفوا معي.! حسناً.. وبعد؟» تتساءل السيدة السورية وتعقّب: «لم الجأ إلى القضاء بعد، أفكر أن تقوم الشخصيات الفلسطينية التي لها وزنها وسمعتها بالتدخل وتعيد لي ما سُرق؛ هذه خطوة تتبعها خطوات بعد نشري للحادثة على صفحتي الشخصية على (الفايس بوك)، وأشكر من كل قلبي كل من كتب عن هذه الكارثة في الصحافة، لكنني قريباً سألجأ إلى منظمة اليونسكو لتلاحق أي أثر من آثار المكتبة المغدورة، وتضع الجناة أمام العدالة الدولية، والملاحقة القانونية فهذا عمل يندى له الجبين».
حمزة البرقاوي وفي اتصال قامت السفير بإجرائه معه على الهاتف قال معلقاً على اتهامات السيدة قوادري: «هذا كذب وافتراء، أنا لم أدخل البيت، محال أن أفعل ذلك، فلتهدأ السيدة قوادري وتتفقد مكتبتها جيداً». فيما أبدى الكاتب حسين العودات أسفه لما حدث معقباً: «لا يمكن أن أصدق، أشعر بحزن عميق ومضني، السيدة قوادري والبرقاوي ومنيف أصدقاء عمر».
صديق العائلة السيد حميد مرعي الذي يقطن وعائلته في البناء نفسه الذي يقع فيه بيت عبد الرحمن منيف بحي الفيلات الغربية بدمشق قال: «لاحظ أبنائي أن ضوء غرفة المكتبة كان يبقى دائماً مُناراً حتى ساعات الفجر أثناء سفر السيدة قوادري، لكنني لم ألاحظ حركة غريبة أو عملية نقل كتب أو ما شابه، ربما كان الفاعل يختار أوقات يكون فيها سكان البناء نياماً أو ربما في ساعات الصباح الأولى».
أعداد نادرة من مجلات عمل فيها عبد الرحمن من نحو.. (النفط والتنمية) ومجلة (قضايا وشهادات)، لم يترك برقاوي كتاباً إلا وقام بتصويره تقول السيدة قوادري: «يوميات منيف كلها تعرضت بدورها للنهب؛ مثلما اختفت معظم الرسومات والمتيفات التي كان (منيف) قد شارك فيها بمعرض برلين وفي الجامعة الأميركية ببيروت. ملاحظاتي على مئات المخطوطات المكتوبة بخط يد عبد الرحمن؛ جميعها تم استبدالها بملازم ورقية فارغة للتمويه على الجريمة».
واضح أن من قام بذلك خبير فني - تضيف قوادري: «لقد قاموا بفك أغلفة الكتب بطريقة الحرارة، ومن ثم وحين فشلوا في إعادتها إلى سابق عهدها قاموا بإلصاق الأغلفة بطريقة همجية..».
تاجر كتب
 تتابع السيدة قوادري سرد مأساتها: «كل كتاب له قصة، كتب عن تاريخ المملكة العربية السعودية كانت قد أرسلت لعبد الرحمن من جامعة الملك عبدالله؛ ونسخ نادرة من «الإمتاع والمؤانسة» لأبي حيان التوحيدي، طبعة بولاق من (ألف ليلة وليلة - غير مهذبة)، ديوان الجواهري، خمسون عاماً في جزيرة العرب، تاريخ الأمثال العامية في نجد والحجاز، طباخ ميتران، روايات كتبها منيف ولم تُنشر في بداية حياته الأدبية، الدرّة المضيئة في الدولة الظاهرية، بؤس العالم لبيير بورديو؛ حوليات المتحف السوري، تحالف الأغبياء، المعلقات العشر؛ البخلاء؛ ديوان ابن الفارض، ملحمة جلجامش، أرشيف جريدة السفير في أعدادها الأولى 1974؛ سيرة الظاهر بيبرس؛ عشتُ في بغداد؛ بغداد كما عرفتها؛ ديوان ابن الرومي، المثنوي، المواقع الأثرية في العراق، موسوعة حلب لخير الدين الأسدي وغيرها».
عشرات العناوين من الكتب التي تم انتهاكها، البرقاوي تاجر كتب صغير كان فيما مضى يسرق كتب أحلام مستغانمي ويطبعها لصالح دار النشر الوهمية الخاصة به ـ تعقب قوادري وتقول: «كتب عبد الرحمن منيف التي تم سرقتها وطباعتها من دون حقوق النشر، مستودعات البرقاوي مليئة بها، أحدها كان في منطقة (عين ترما) بريف دمشق، وهناك ثلاثة مستودعات أخرى فيها آلاف الكتب التي كان من المقرر أن تستعين بها وزارة الثقافة السورية للتوثيق لتاريخ فلسطين. مدير مكتبة الأسد الدكتور علي العائدي قال لي: (اشتكي عليه، وسيجدون كتب منيف في مستودعاته)».
بصماته واضحة على الكتب ـ تقول قوادري وتضيف: انظر توقيعه باسمه: (أبو طارق) على رأس الصفحة الأولى من الكتب التي كان يصورها تاركاً النسخة، وسارقاً الأصل، فمن الواضح توجيهاته للورشة التي استقدمها إلى المكان، الجيران قالوا لي: (لقد ارتبكوا ووقع الاستنفار عندما قرعنا جرس البيت لاسترداد قطعة ملابس وقعت على شرفة بيتي)، حتى أن حمزة برقاوي وبعيد رحيل عبد الرحمن أتذكر الآن أنه قال لي: (والمكتبة ماذا ستفعلين بها؟ في حالة مثل حالتكم يتم بيعها أو إهدائها لجهة رسمية)! الآن أتذكر كلامه، ونظراته المريبة لرفوف المكتبة بعد وفاة زوجي، هكذا هم الأصدقاء، أكاد لا أصدق، لقد خططوا كل هذه السنين كي يصلوا إلى غايتهم، وأنا بكل براءة وطيب خاطر تركتُ البيت لابنه وزوجته في ظل حرب يجب أن يقف الناس مع بعضهم البعض، لكن الذي حدث مرعب، أنا مصابة بالانهيار من هول الصدمة، فكل يوم أكتشف كارثة جديدة ونقصاً وتزويراً فادحاً..حزينة.. نعم.. لكني غاضبة أيضاً على الغول والعنقاء والخِل الوفي»..


سامر محمد إسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...