الفرصة الأخيرة: إما الجولان .....وإما الجولان

30-04-2008

الفرصة الأخيرة: إما الجولان .....وإما الجولان

الجمل- محمد عجيب:  كثرت في الفترة الأخيرة الأحاديث و الأخبار و التحليلات من كل حدب وصوب حول رسالة سلام بعثت بها إسرائيل إلى سوريا  مضمونها الاستعداد لإعادة أراضي الجولان المحتلة كاملة إلى سوريا بما فيها الوصول إلى مياه بحيرة طبريا ، وقد نشرت أخبار هذه الرسالة لأول مرة في وسائل الإعلام السورية (تلفزيون الدنيا) و عنها نقلت وكالات الأنباء العالمية ثم انتشر الخبر بعدها ، وقد أكدت سوريا الخبر  وأكد السيد الرئيس بشار الأسد أن هذا العرض أبلغ به منذ فترة (أسبوع ) وقد أشار حينها إلى وجود وساطة من جهة صديقة (يقصد بها تركيا) بين سورية و إسرائيل لإحياء مباحثات السلام  .
أما من جهة إسرائيل فلم يصدر أي رد فعل رسمي و لم يصدر نفي أيضا ، بل تم التأكيد من قبل الناطق باسم الحكومة أن إسرائيل تسعى إلى السلام مع سوريا  فعلاً ، وهذا ماجعل  المراقبين  يؤكدون حقيقة الرسالة  .
و بالطبع كثرت التكهنات و التحليلات حول هذا العرض الإسرائيلي و ما الهدف منه و ما مغزى التوقيت  و ما مدى جديته ، وقد ظهرت آراء كثيرة ، والحقيقة أن ما أعطى  الموضوع احتمالا عاليا من  الجدية   هو الإعلان عنه في سوريا ثم ، تأكيده من قبل الرئيس الأسد فالكل يعرف أنه كان هناك كلام كثير سابقاُ بهذا الموضوع يظهر بين فترة وأخرى في تصريحات بعض المسؤولين الاسرائيلين لكن سوريا كانت ترى أنها مناورات و كلام إعلامي له أهداف إسرائيلية داخلية أو تتعلق بالمسار الفلسطيني  و ليس له جدية ، أما هذه المرة فكأن الحديث مختلف .
 ثم ظهرت  مؤشرات سورية هذه المرة  تتحدث عن  إمكانية العودة إلى المفاوضات مع اسرائيل إذا أعلن الإسرائيليون رغبتهم بالسلام بشكل واضح و علني و دون لبس مع تقديم ضمانات عن عودة الأرض بالكامل ، فلن تدخل سوريا مفاوضات من أجل المفاوضات (وهذا ما تحقق على ما يبدو في رسالة أولمرت ) ، وقد ورد في مقال للأستاذ عماد فوزي الشعيبي في صحيفة الحياة بعنوان  آن أوان انطلاقة المسار السوري – الإسرائيلي ما يلي :
 (وإذا لاحظنا تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت الأخيرة، سنرى أن هنالك ما يشبه الاستجابة الواضحة من حيث المبدأ إلى الشرط الأول الذي وضعه الرئيس الأسد أي الإعلان الواضح عن الرغبة في السلام خلافاً للطريقة السابقة (الإعلان عن عدم الرغبة أو رمي الكرة للملعب السوري وفي الوقت نفسه إرسال رسائل بالرغبة في السلام)، أضف إلى هذا أن تصريح أولمرت بأن سورية لا تشكل تهديداً نووياً لإسرائيل يمكن اعتباره تقويضاً للاتهامات السابقة واعتذاراً (من موقع العدو!) عن الخرق الذي حدث للأراضي السورية في أيلول (سبتمبر) 2007، كما أن الإشارات المتتالية بخصوص عودة الجولان تعطي انطباعاً بأن إسرائيل قد قدمت للطرف الثالث، على الأقل، وهو الذي أكد الرئيس الأسد ثقته به في إحدى خطبه، التعهدات - الضمانات التي طلبتها سورية لانطلاق العملية السلمية على المسار السوري الإسرائيلي. وبالتالي فإن أي مفاوضات مقبلة لن تنطلق من فراغ، بل ستأخذ في الاعتبار كل ما تم إنجازه سابقاً، فلا عودة إلى نقطة الصفر ولا نكران للتفاهمات التي أنجزت في المفاوضات السابقة والجهود التي تلتها..)
ومن هنا تلقفت مختلف الجهات هذا الموضوع واعتبرته جديا ومن هنا بدأ اتخاذ المواقف منه حسب مصلحة كل طرف ، فنشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية تعليقات مختلفة  و تحدث بعض رجال السياسة الإسرائيليين  مع أو ضد هذا الانسحاب المقترح .
الموضوع الأبرز و الأكثر مناقشة كان هل هذا العرض هو بالاتفاق مع الأمريكيين أم لا ؟ فالسياسة الأمريكية دأبت على استبعاد أي مفاوضات أو تنازلات مع سورية وحصرت سياستها مع سورية بالضغط و محاولة تضييق الخناق ، فهل وجدت أمريكا أن سياستها فشلت ؟ أو أنها رأت إتباع سياسة أخرى  لاحتوائها بعد فشل السياسة الأولى ؟ أم أن السياسة الإسرائيلية رأت أن مصلحتها تقتضي إجراء اتفاق مع سوريا تعيد بموجبه الجولان  مقابل تنازلات في مجالات أخرى مثل حماس و حزب الله بعد أن فشلت في احتواء الأخيرين عسكريا ؟ حتى لو كان ذلك خلافا لرأي أمريكا !

الملفت للنظر أن أمريكا أثارت بوجه سوريا بعد العرض الإسرائيلي عدد من الملفات بعضها خطير مثل التعاون النووي مع كوريا ، وشددت لهجتها في العراق وشدت أزر مناصريها في لبنان ، فهل هذا مؤشر لعدم رضاها عن هذا العرض  الإسرائيلي .
إذا كان ذلك صحيح فما هو دافع أمريكا للعرقلة طالما أن إسرائيل موافقة .
هل تخشى أمريكا من ثمن ما تقبضه سوريا ضمن التسوية يتعلق بمصالحها في لبنان ، أو في الحرب المزعومة على الإرهاب  ، أم تحسب حساب عودة سوريا للعب دور إقليمي  في المنطقة مما يهدد حلفها العربي مع قوى الاعتدال (؟) ، أم تخشى الأسوأ وهو تحول اهتمام  سوريا إلى  العراق مرة ثانية  وإعادة خلط الأوراق فيه  بعد تخلصها (سورية ) من كابوس التهديد الإسرائيلي .
إن تقارير مركز الأبحاث الأميركية بعد العرض الإسرائيلي تتحدث عن كل ذلك ،  مثل  مركز  ستراتفورد الأمريكي حيث أشار  في تقرير له  إلى أن مصلحة سوريا الجيوبوليتيكية الأولية تكمن إلى جهة الغرب، في لبنان، ولكن سوريا لها التزام رمزي إزاء الجولان، ولا تنظر إليه باعتبارها قضية حرجة. وستسعى سوريا إلى تفاهم أكثر أهمية مع إسرائيل حول لبنان، وسيكون الإسرائيليون راغبون في التعاون مع السوريين في لبنان بحيث يكون للسوريين دور في لبنان طوال ما كانوا ملتزمين بتعهداتهم التي يتفقون عليها مع إسرائيل.
السؤال المطروح هل تستطيع أمريكا عرقلة هذا الاتفاق ؟
الجواب الأكيد : نعم ، تستطيع .
بكل بساطة المتتبع للسياسة الأمريكية في السنوات الأخيرة يجد أن الإدارة الأمريكية الحالية مستعدة لإتباع أي أسلوب تراه مناسباً لمصالحها مهما كان الأسلوب متطرف و غير أخلاقي ..والشواهد كثيرة من احتلال العراق وأفغانستان  و أبو غريب واغتيال رفيق الحريري و غوانتانامو و السجون الطائرة  و التحريض ضد سوريا و التدخل في لبنان و الضغط على الحكام العرب و التخويف بالتهديد الإيراني و تغذية  المشاعر الطائفية و العنصرية ...وغيرها كثير .
إذا من سينتصر في لعبة المصالح هذه ؟
هل ستقبل إسرائيل بالتراجع عن عرضها أو تمييعه عبر تكبيله بشروط تجعل من المستحيل على سوريا قبوله  ، مراعاة لرأي الحليف الأمريكي ؟
أم هل  ستقبل أمريكا بهذا الاتفاق المقترح ،خاصة  إذا استعملت إسرائيل ضغوطها من الوزن الثقيل ،  وتسكت عن عودة سوريا للعب دورها الهام في المنطقة  رغما عن أنف أمريكا ؟
أياً كان الجواب ...هذا الاحتمال أم ذاك ...أم احتمال آخر .. فإن إسرائيل تدرك شيئاً واحداُ ،  و هو أنها لن تستطيع الاحتفاظ بالجولان أكثر من ذلك .
لأنها تدرك أن موازين القوى ليست في مصلحتها  .
 فهي على الصعيد العسكري لم تستطع أن تحسم حربا صغيرة مع حزب الله ، ولم تستطع هي و أمريكا معاً من انجاز شيء في لبنان لا تقبل به سوريا  ،  ولم تستطع أن تطفأ جذوة المقاومة المتقدة في غزة لا بالحرب و لا بالسياسة و لا بالتجويع ، و لم تستطع أن تجر أمريكا أو الأمم المتحدة إلى تبني خيار قاسي ضد برنامج إيران النووي .
وعلى الصعيد السياسي تنظر إسرائيل بخشية شديدة إلى نمو مشاعر العداء الشعبي العربي والإسلامي لها رغم المحاولات الحثيثة الفاشلة للتطبيع والذي بقي حكوميا و شكليا ً بأحسن الأحوال ، و إلى بروز جيل جديد يؤمن بالمقاومة مقتدياً بحزب الله و حماس و سوريا وغيرها من قوى المقاومة و الممانعة ، و لا تعرف متى تتحول هذه المشاعر إلى فعل ولا تعرف ماهو شكل هذا الفعل .
ليس من المستحيل ظهور حركة شعبية ما  تكون قاصمة لإسرائيل ...قد تستخدم هذه الحركة أي تكتيك معروف أو غير معروف ..قد تستخدم  التكنولوجيا ووسائل الاتصال وقد رأينا مثالاً عن ذلك في الدعوة إلى اضراب 6 ابريل في مصر عبر الفيس بوك وكيف انتشر انتشار النار في الهشيم  ..وقد تستخدم تكتيك المقاومة المسلحة بأسلحة صغيرة وفاعلة كما فعل حزب الله الذي  كبد اسرائيل خسائر عسكرية فادحة ....وقد تستخدم تكتيك الزحف الشعبي ...نعم ....فماذا ستفعل إسرائيل إذا تجمع  عدة مئات من الألوف إذا لم يكن ملايين ...عند الجولان ...وقرروا دخول الجولان بدون أسلحة ...وبدون حرب ....اجتياح بشري ..يكون على طليعته النازحين السوريين من الجولان الذين يريدون العودة لأرضهم بهذه الطريقة ...ويكون معهم مئات آلاف الفلسطينيين اللاجئين في سوريا و لبنان ...و من خلفهم مئات آلاف السوريين ..  ومئات آلاف العراقيين  ..وفي سوريا الملايين منهم ..ومواطنين عرب كثر جداً مستعدين للمشاركة في هذا الزحف ..من من مواطني الدول العربية ليس مستعداً للمشاركة ..السعوديين ..اليمنيين ..السودانيين ..الجزائريين .. الليبيين  ..هذا إذا لم نتحدث عن المسلمين من إيران ...و تركيا و الباكستان و اندونيسيا و غيرها .
ماذا ستفعل إسرائيل عندها ...هل ستقصفهم ..قد يكون هذا هو المطلوب ..كم سيموت منهم ..ألف ...ألفين ...عشرة آلاف .. عشرين ألف ..هل تستطيع إسرائيل  تحمل تبعات ذلك عند بقية العرب و المسلمين ...هل ستلجأ إلى الأمم المتحدة ..ماذا ستفعل الأمم المتحدة إزاء مهجرين قرروا العودة لأرضهم بالطريقة التي يرونها ملائمة ...هل ستلجأ إلى أمريكا ...أم إلى حكام عرب ..من من الحكام العرب سيجرؤ  أن يقول لهؤلاء الناس أنتم مخطئين ..أو إرهابيين ... أو لا  يحق لكم ذلك ...أو أي كلام مماثل .
ترى هل هذه الاحتمالات واقعية أم لا ...نحن لا نعرف  الآن ذلك ..لكن ماذا عن  المستقبل ..ماذا إذا قرر السوريون أن يقولوا لاسرائيل كلمتين لاثالث لهما : إما الجولان ........وإمــــــــــــا الجولان ...هل هذه آخر فرصة ؟.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...