العام 2008 ودّع وجوهاً كبيرة

28-12-2008

العام 2008 ودّع وجوهاً كبيرة

العام 2008 ودّع وجوهاً كبيرة, أبرزها عربياً محمود درويش ويوسف شاهين, كما شهد جريمة هي الأبشع على المستوى الفني واللبناني معاً, هي جريمة اغتيال سوزان تميم. ومن الوجوه غير العربية التي غابت نتوقف عند ثلاثة: الكسندر سولجنتسين, ايف سان لوران, وبول نيومان.يوسف شاهين ـ بول نيومان ـ ايف سان لوران

محمود درويش: خيانة قلب
أجرى عمليتين في القلب في عامي 1993 و1998, وفي الثالثة هزمه قلبه.
قبل ان يخونه قلبه في مستشفى هيوستن الأميركي كتب قصيدة مطولة €جدارية€ قال فيها: هزمتك يا موت, الفنون الجميلة كلها هزمتك, يا موت الأغاني في بلاد الرافدين, مسلة المصري, مقبرة الفراعنة, النقوش على حجارة معبد... هزمتك, وأنت انتصرت».
كان يحب بيروت بقدر ما يحب حيفا, ولم يكن يحب الخنوع, بعد عودته الى حيفا كتب مرة يقول: الآخرون جميعاً, من الدول «المعتدلة» و«المتطرفة», يتوسلون اتفاق سلام ما, كامل التطبيع والأوصاف, مقابل كيان هزيل عليل يسمى دولة فلسطين, قد يلبي عطش الهوية الفلسطينية الى سراب في صحراء هذا العبث والخراب. لكن الجواب هو الجواب: تنازلوا اكثر الى ان تصبح صورة المعتدلين صورة خونة, ويصبح المتطرفون هم أبطال المحبطين القادرين على الحل, وهكذا ينتقل صراع الحضارات والاديان من فرضية الى واقع, لأن الفوضى هي بديل العدل. فوضى في كلّ مكان, وتعديل خرائط. ولماذا تعجبون­ يقولون­ فمن حقّ من رسم خرائطكم ان يجري عليها تعديلا ضروريا لمتطلبات العصر الجديد.

يوسف شاهين: العملاق الهادئ
يوسف شاهين الذي عولم السينما المصرية وغاب, كان واحداً من العمالقة الهادئين الذين لا يتكررون بسهولة.
لم يكن فقط أشهر المخرجين المصريين, بل واحداً من المصريين القلائل جداً, والعرب الأقل من قلائل, الذين يجيدون الانتماء والأصالة بقدر ما يجيدون المعارصة في حضورهم الفني والانساني معاً.
منذ مطلع الخمسينيات شكلت افلامه ظاهرة فريدة في العالم العربي وعلاقته مع الرقابة, وقد توجه قبل ان يغمض عينيه اخيرا مسيرته بفيلم «هي فوضى» الذي شارك في اخراجه المخرج المصري الشاب خالد يوسف, حيث ناقش قضية الفساد في السلطة, والعنف لدى اجهزة الشرطة في السيطرة على الشارع المصري, بالاضافة الى عدد آخر من الموضوعات الحساسة.
ويذكر ان المخرج المولود في الاسكندرية في العام 1926, لوالد لبناني ووالدة يونانية, بدأ باخراج الافلام في اوائل الخمسينيات من القرن الفائت, واشتهر بداية بالنوع الرومانسي والكوميدي الغنائي, مثل «آبا آمين» فيلمه الاول في العام 1950, و«انت حبيبي» و«ودعت حبك» في العام 1957, وهو من قدم الفنان العالمي عمر الشريف للمرة الاولى بشريط «صراع في الوادي» امام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة سنة 1954.
ثم كانت مسيرة متنوعة بين الافلام الوطنية «جميلة» و«الناصر صلاح الدين» والاجتماعية السياسية «باب الحديد» و«الاختيار» و«العصفور» وغيرها.
وكما كل العمالقة سوف يمضي وقت طويل قبل ان تعرض السينما العربية «شاهين» آخر في حجمه.

سوزان تميم: اللغز النازف
لأنها أحبت ذبحت.
لأول مرة بهذه البشاعة, ولأول مرة بهذه الوحشية, تقتل فنانة لبنانية على يد عاشق €أياً كان اسمه€ وبهذا الشكل.
سوف يمضي وقت طويل قبل أن ينسى اللبنانيون وينسى العالم, أن امرأة جميلة تحب الحياة, عاشت من دون أن تدري في غابة وحوش, وانتهى بها المطاف الى النزف حتى الموت.
قضية سوزان تميم امتحان جدي للعدالة المصرية, يمكن بعدها الحكم للقضاء المصري أو عليه, في زمن تختلط فيه أسماك القرش السياسية بأقواس العدالة وضمائر القضاة وأحكام القانون.
21 طعنة تلقاها جسد الفنانة الجميل, مع عبارة حفرت على ساقها بالسكين: لن أترك غيري ينعم بكل هذا الجمال وهذه الأنوثة.
6 طعنات في الوجه, 12 في الظهر, و3 في أماكن متفرقة من الجسد.
بعدها انفصل الرأس.
الطعنات استغرقت 15 دقيقة, وقطع الرأس 10 دقائق, وقد بقي الجاني الى جوار الجثة 25 دقيقة, ولم يتورع عن نقش حقده في جسدها.
والمهم أن لا تستغرق المحاكمة, التي تستأنف خلال الشهر الحالي عقداً من الزمن.

الكسندر سولجنتسين: نهاية مرحلة
كبر معارضاً €للنظام الشيوعي€ ومات موالياً €لفلاديمير بوتين€. انه الكسندر سولجنتسين كبير مفكري «العصر السوفياتي» الذي حرم من جنسيته في العام 1974 وطرد الى ألمانيا وسويسرا ثم نفى نفسه الى الولايات المتحدة.
في العام 2007, قبل وفاته بعام تقريباً, قلده بوتين جائزة الدولة الروسية الأرفع شأناً عن أعماله في مجال الانسانيات, وفي المناسبة قال: آمل أن تشكل المادة التاريخية التي جمعتها جزءاً من وعي الذاكرة الجماعية.
في أي حال لا يمكن التفكير في تاريخ القرن العشرين من دون التفكير بالرجل الذي ظل حتى اللحظة الأخيرة يربط مصيره بمصير روسيا, وهو القائل: روسيا هي نحن, نحن لحمها ودمها, نحن شعبها.
كان بالفعل جزءاً من قدر بلاده الكبير, فقد خاض أهوال الحرب العالمية الثانية, وواجه مرض السرطان وقهره, ثم واجه السلطة السوفياتية, وأنهى حياته كما بدأها صدامياً طبع الزمن الذي يعيش فيه رغم استخفافه به, وهو القائل: الكاتب لا يلهو بالورود بل يحاول أن يضع قدمين للزلزال... والأدب قوة ومقاومة.

ايف سان لوران: الرماد الأنيق
اقترن اسمه بالأناقة الفرنسية حتى اللحظة الأخيرة, وعندما مات أوصى بأن ينثر رماده... بأناقة في مكان جميل كي يظل وفياً لنفسه وقاموس حياته.
انه ايف سان لوران الذي ولد في وهران الجزائرية, ولمع اسمه في سماء الموضة طوال نصف قرن.
منذ عرضه الأول في العام 1958 تذوق الجزائري الشاب طعم النجاح في كل تصاميمه التي شكلت خروجاً على المألوف في تلك المرحلة, وحتى وفاته لم يتزحزح عن عرشه كأكثر مصممي العصر ابداعاً.
ولم يجد احباؤه لنثر رماد جثته مكاناً افضل من حديقة الواحة التي يملكها في مدينة مراكش المغربية. شريك سان لوران وصديقه بيار بيرجي الذي اقتنى معه هذه الواحة في العام 1980, والتي تبدو كأنها قطعة من الجنة في المدينة, استضاف الذين احتشدوا لوداع الفنان المتميز. بيرجي قال ان لوران »كان يستوحي اعماله من الألوان, خصوصا ألوان الطبيعة في مراكش».
وهكذا يكون لوران قد استقر في أجمل مكان أحبه.

بول نيومان: رسالة الى المتخمين
اعتزل التمثيل في أيار €مايو€ 2007, وأغمض عينيه في أيلول €سبتمبر€ 2008, وبين الاعتزال والغياب فاصل سرطاني.
انه بول نيومان الشهير جداً الذي عمل مع أشهر المخرجين في تاريخ هوليوود مثل الفرد هيتشكوك وروبرت التمان وجون هيستون, والأخوين كوين.
والذين عرفوه لا يعرفون عنه شهرته فقط, وانما حسه الانساني العميق. فقد تبرع بالجزء الأهم من ثروته للأعمال الخيرية, ولم يتخذ قراره بعد اصابته بالمرض بل قبل أن يعرف بهذا المرض.
المهم ان حياته حياة رجل ناجح, وأن نهايتها نهاية ناجحة, بخلاف الكثيرين من أصحاب الشهرة والملايين الذين يدفنون ثرواتهم معهم في المصارف من دون أن يفكروا بفقراء العالم المحرومين من الخبز ومن الكرامة.
إنها رسالة الى المتخمين أو الذين يموتون أحياناً, بل غالباً, من التخمة, في القارة العربية الواسعة.

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...