الصراع على إقليم دارفور (القصة الكاملة)

31-08-2006

الصراع على إقليم دارفور (القصة الكاملة)

الجمل:  في نهاية عام 2003م، برزت أزمة إقليم دارفور(غرب السودان) إلى سطح الأحداث في العالم.. بحيث فاجأت وكالات الأنباء والأخبار الرأي العام الدولي والعالمي بأخبار عمليات المجازر والقتل الجماعي التي تتم خارج النطاق القضائي.
• التعريف بأزمة دارفور:
تبلغ مساحة دارفور حوالي 650 ألف كيلو متراً مربعاً، وتجاوز دوله تشاد وافريقيا الوسطى، كذلك يبلغ عدد سكان دارفور حوالي 6 مليون نسمة.. وجميعهم ينتمون إلى أصول اثنية واحدة، ويعتنقون جميعهم أيضاً الدين الإسلامي.
سكان شمال دارفور يحترفون مهنة الرعي، بينما يكان جنوب دارفور يحترفون مهنة الزراعة.
• ديناميكيات الصراع في دارفور:
لقد بدأت المشاكل في منتصف حقبة ثمانينيات القرن الماضي بسبب الجفاف وشح الأمطار الذي أدى إلى نزوح معظم السكان الرعاة من الجزء الشمالي إلى الجزء الجنوبي طلباً للماء والكلأ.. وترتب على ذلك ظهور النزاعات بين أصحاب المواشي.. وأصحاب المزارع.. وحدثت بعض حالات القتل، والتي تصاعدت لتأخذ طابع العمليات الثأرية القبلية.
كذلك أدت السياسات وتداعيات الأحداث والوقائع في دول الجوار إلى انتشار السلاح بقدر كبير، فقد قامت الحكومة الليبية يتجنيد حوالي ثلاثة فرق عسكرية من سكان جنوب ليبيا وشمال تشاد وشمال دارفور وبعض دول غرب افريقيا، أطلقت عليها تسمية الفيلق العربي.. وبعد فترة من الصراع المسلح داخل تشاد انسحب أفراد هذا الفيلق بكامل أسلحتهم إلى دارفور، كذلك بعد انهيار نظام الرئيس باتاسييه في افريقيا  الوسطى، انسحب كل جيش افريقيا الوسطى (حوالي 4 فرق عسكرية) بكامل أسلحته ومعداته إلى داخل دارفور.. وأيضاً بعد انتهاء الحرب الأهلية التشادية، انسحبت كل الفصائل والميليشات المسلحة التشادية (حوالي 11 فصيلاً) بكامل أسلحتها إلى دارفور أيضاً.
العامل الخارجي لعب دوراً في تصعيد نزاعات دارفور ذات الطابع المحلي والقبلي، وبالذات أمريكا، والتي اتفقت مع فرنسا من أجل السيطرة على دارفور، واقتسام موارد دارفور والتي تتضمن 6 مليون طن من خام اليورانيوم العالي النقاء (ثالث أكبر مخزون يورانيوم في العالم)، وأيضاً ثالث أكبر مخزون في العالم بعد تشيلي وإقليم كاتنقا الكونغولي، كذلك توجد في إقليم دارفور مخزونات نفطية كبيرة تخطط فرنسا وبريطانيا وأمريكا من أجل استخراجها في المستقبل وربط إمداداتها بمشروع خط أنابيب غرب افريقيا الذي سوف تشرف عليه الشركات الأمريكية والفرنسية والبريطانية.
• الصراع الحالي:
تم تكوين ثلاثة فصائل مسلحة في دارفور، أصبحت تقاتل الجيش بالانطلاق من الأراضي التشادية، وذلك  بالتنسيق مع حركات التمرد في جنوب السودان (يبلغ عددها 40 فصيلاً مسلحاً)، وحركات التمرد في شرق السودان (يبلغ عددها 3 فصائل مسلحة)، وحركات التمرد في وسط السودان (يبلغ عددها 3 فصائل مسلحة)، إضافة إلى التنسيق مع المعارضة السياسية التي تقوم باستضافتها الحكومة المصرية.
بسبب ضعف ميليشيات دارفور المسلحة وعدم قدرتها في السيطرة على أي من مدن الإقليم، عمدت أمريكا وفرنسا إلى مساعدة المتمردين عندما جعلت مجلس الأمن الدولي يصدر قراراً ينص على ضرورة انسحاب الجيش السوداني من دارفور، وذلك لان قوات الجيش السوداني (تنتهك حقوق الإنسان).. كذلك لجأت أمريكا وفرنسا إلى تصعيد النزاع القبلي، عندما  أصبحت أجهزة الإعلام الغربية تتحدث عن صراع بين القبائل العربية والقبائل الافريقية في دارفور وبأن الحكومة تدعم القبائل العربية بالمال والسلاح ضد القبائل الافريقية..
ولكن منطق الحقائق يقول عكس ذلك تماماً، وذلك لأن الأصل الاثني لقبائل دارفور واحد، وكل ملامحهم وسحناتهم وألوان بشرتهم تتطابق بقدر كبير، والفرق الوحيد هو فرق ثقافي يتمثل في أن نصف سكان دارفور يتحدثون باللغة العربية كلغة أم، بينما نصفهم الثاني يتحدث بلهجاته المحلية كلغة أم، وبالعربية كلغة ثانية.
القبائل غير الناطقة بالعربية تنتشر بين الحدود السودانية والتشادية، وقد بدأت هذه القبائل حركة نهب مسلح ضد القبائل الناطقة بالعربية، وتحولت بعد ذلك إلى حركة عنصرية تطالب بطرد العرب من الإقليم، وذلك على النحو الذي أدى إلى اجتماع القبائل الناطقة بالعربية وشرعوا في مساعدة بعضهم البعض للدفاع عن مناطقها.. وبلغ عدد ميليشات القبائل الناطقة بالعربية حوالي 30 ميليشا، تتكون كل واحدة منها من حوالي 10 آلاف عنصر مسلح في الحد الأدنى.
أطلقت على هذه الميليشات تسمية الـ(جنجويد)، ومعناها الجن الذي يحمل بندقية، ويأتي خاطفاً وبسرعة، على صهوة جواد صغير، أي (جويِّد).. ومن هنا جاءت تسمية الـ(جن جويِّد).
واصل الإعلام الغربي حملة تشويه الحقائق، وأصبح يتحدث عن قيام ميليشيات الجنجويد بارتكاب الجرائم والمجازر.. وفي محاولة لإحداث الفتنة بين الحكومة والقبائل الناطقة بالعربية، أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً طالب فيه بمحاكمة الجنجويد باعتبارهم مجرمي حرب وطالب الحكومة بالتدخل ونزع سلاحهم.. (أي أن يكونوا عزّل من أي سلاح في مواجهة القبائل غير الناطقة بالعربية..).
فشلت كل محاولات التمرد السيطرة على دارفور، إضافة إلى أن النظام التشادي الموالي لأمريكا وفرنسا أصبح مهدداً بالسقوط، (عدد سكان تشاد 6 ملايين منهم 4 ملايين عربي و2 مليون أفريقي).. كانت محاولة أمريكا وفرنسا تركز في البداية إلى تدعيم حركات التمرد من أجل السيطرة على دارفور، ثم تحولت إلى مخطط يهدف لإدخال قوات الناتو.. ولكن الاتحاد الافريقي أصدر قراراً استباقياً.. عندما قرر على وجه السرعة إرسال 7 آلاف عنصر في الإقليم.. ولكن أمريكا وحلفائها الغربيين ماطلوا في تقديم الدعم المالي.. والآن بالتزامن مع انسحاب قوات الاتحاد الافريقي، تعمل أمريكا وفرنسا وبريطانيا من أجل دفع مجلس الأمن إلى إصدار قرار بإرسال القوات الدولية إلى الإقليم (حوالي 17 ألف عنصر حسب التقديرات الأولية)، ورفضت الحكومة السودانية بشدة، وقالت: إن قرار إرسال القوات الدولية مرفوض ولا داعي له لأن الحكومة السودانية قد وقعت في الفترة القريبة الماضية اتفاق سلام مع الفصيل الرئيس المتمرد في دارفور.
• أبرز التوقعات:
- الحكومة السودانية أكثر تشدداً في رفض القوات الدولية.
- قبائل دارفور الناطقة بالعربية والتي تمثل حوالي نصف السكان، قال زعماؤها وقادة ميليشياتها بوضوح بأنهم سوف يقاتلون القوات الدولية إذا دخلت الإقليم، وبأنهم سوف يقاتلون الحكومة السودانية إذا دعمت وأيدت القوات الدولية.
- مجلس الأمن، بات من المؤكد أنه سوف يصدر قراراً بشأن دخول القوات الدولية إلى دارفور، ولكن أمام رفض الحكومة السودانية والقبائل، من المتوقع أن يتم إصدار هذا القرار، وفقاً لصيغة معدلة تكون أكثر مرونة.
والجدير ذكره: أن إسرائيل ظلت تتابع باهتمام أزمة دارفور بشكل يفوق اهتمام جامعة الدول العربية.
والجدير ذكره أيضاً: ان مجلس الوزراء الإسرائيلي قد عقد جلسة خاصة بملف دارفور، وتأثيرها على أمن إسرائيل، وذلك على أساس اعتبارات أن إسرائيل يجب أن تضع يدها على مخزونات يورانيوم دارفور، حتى لا تقع بيد العرب، كذلك جعل صراع دارفور كنموذج يستخدم لتعميم موديل جديد للصراع بين العرب والأفارقة، بحيث تتم تفجيرات صراعات مشابهة لذلك بين جنوب وشمال ليبيا، وجنوب وشمال كل من المغرب والجزائر، وشمال نيجيريا (العربي) وجنوبها (الافريقي).. وهي ظاهرة موجودة في نصف الدول الأفريقية تقريباً.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...