السياسات الاقتصادية السورية في ظل الأزمة العالمية

31-03-2009

السياسات الاقتصادية السورية في ظل الأزمة العالمية

ضمن الوضع الاقتصادي العالمي الحالي هنالك إمكانية جديدة لتغير المعادلة الليبرالية والتوجه نحو تحقيق تنمية داخلية، معتمدة على إمكانات المجتمع المحلي، هذا ما أكده كل من الدكتور زياد زنبوعة والدكتور نبيل مرزوق في محاضرتهما الملقاة في ندوة الثلاثاء الاقتصادي الأخيرة، فهذه الأزمة كما يرى المحاضران مفتوحة على عدة احتمالات وهناك تناقض بين رؤيتين لأسباب الأزمة وطبيعتها وفي الذين دفعوا ترليونات الدولارات لإنقاذ النظام المالي والمصرفي من أزمته، وبالتالي إنقاذ النظام الصناعي من تعثره، الأمر الذي يؤكد ويحتم علينا إعادة النظر في النظام الرأسمالي ذاته، وإعادة النظر بنظام الليبرالية الاقتصادية الجديدة وعلى حكومتنا أيضاً إعادة النظر بتلك المسألتين قبل أن يحدث الأسوأ. 
لقد قادنا المحاضران إلى جولة واسعة حول العالم فيما يتعلق بالأزمة المالية الحالية وتداعياتها على المستوى العالمي سواءً الدول المتقدمة أو النامية وذلك من خلال تحليل جدي لتأثيراتها على سورية.

بدأ د.زنبوعة  محاضرته بالقول: إننا نعاني أزمتين وليس أزمة واحدة. فمن ناحية أولى هي ما تسرب إلى اقتصادنا جراء الأزمة العالمية؛ ومن ناحية ثانية لا نملك معلومات عن جوانب التأثر، ومدى التأثر جراء هذه الأزمة ولكن أزمتنا الثانية هي إننا نعلم أن هناك مرض ما ولكن أين هو وما مدى انتشاره فهذا ما لا نعلمه. وأنه من اللازم قبل التحدث عن السياسة الاقتصادية في سورية البدء بتحديد الاستراتيجية الاقتصادية في سورية، إلى أن المسؤولين الاقتصاديين يتحدثون عن استراتيجيات كثيرة خلال تنفيذهم للخطط الموضوعة مع العلم إن الإستراتيجية كلمة تفوق، وأوسع بكثير من الخطة الخمسية العاشرة التي تمتلئ باستراتيجيات لا حصر لها!! مايعني  إن ما يعرضونه هو في الحقيقة قيامهم بالخلط بين الخطط التنفيذية متوسطة الأمد وبين الاستراتيجيات، وأوضح الباحث عن اعتقاده بأن لدى سورية إستراتيجية اقتصادية واحدة هي، نقل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد السوق الاجتماعي بحسب ما أقرته القيادة السياسية، وانه لابد من التنويه إلى نقطة منهجية إذا اعتبرنا الانتقال إلى اقتصاد السوق هو الاستراتيجية الاقتصادية السورية، يتطلب تهيئة كل متطلبات ذلك إلى جانب التحضر لكل منعكساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الثقافية، وعلى اعتبار ذلك الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية فإنه لابد من توافقها مع الاستراتيجية العامة للدولة وأقصد هنا دستور الدولة الذي يحدد نظامها السياسي ـ الاقتصادي ـ الاجتماعي» و تساءل د. زنبوعة: فهل هناك مثل هذا التوافق؟ ليجيب «إذا تصفحنا الدستور الصادر بالمرسوم رقم 208 تاريخ 13/3/1973 فإننا سنقرأ العبارات التالية:
ـ لا تكاد صفحة من صفحات الدستور تخلو من تكرار كلمة الاشتراكية بحيث يمكن اعتبارها كلمةً مفتاحية بامتياز.
ـ ص5: تحقيق.. الاشتراكية..
ـ ص6: حزب البعث العربي الاشتراكي.
ـ ص7: إقامة النظام الاشتراكي.
ـ ص11: الجمهورية العربية السورية دولة.. اشتراكية.
ـ ص12: حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة.
ـ ص13: الاقتصاد في الدولة اقتصاد اشتراكي مخطط.
ـ ص13: أنواع الملكية هي: ملكية الشعب، الملكية الجماعية، الملكية الفردية.
ـ ص15: يهدف نظام التعليم والثقافة إلى إنشاء جيل عربي قومي اشتراكي».

-ص18 لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير.
وأكد المحاضر أن ذلك يبين مدى التعارض مابين إستراتيجيتنا العامة للدولة والإستراتيجية الاقتصادية متسائلاً: فمن يجب أن يتغير؟.
ليجيب مرة أخرى المحاضر انه لابد من اتخاذ قرار واضح وقطعي يزيل هذا التناقض ما بين الدستور والإستراتيجية ولا يجوز أن يكون أو يستمر إذا كنا نعي ماذا نريد، فإما المحافظة والتطبيق العملي لما نرفعه من شعارات، وإما استبدالها؟! أو إعادة صياغة الدستور لجهة المساواة بين مختلف القطاعات الاقتصادية.
وفي موضوع العالم في خضم الأزمة تعرض الباحث للأزمة العالمية شارحاً بعض أسبابها مع توضيح لبعض نقاطها ومؤشراتها، الأولى بيان وتأكيد عمق وشمول الأزمة وخطورتها؛ الثانية الشفافية لدى معظم الدول وضرورة نشر البيانات حرصاً على تشخيص الأزمة لتسهيل المعالجة الاقتصادية لها؛ والثالثة بيان تقصيرنا الكبير في موضوع المعلومات والبيانات، والذي يفسر بأحد أمرين لا ثالث لهما: إما انعدام البيانات الإحصائية وتقصير الإدارات في توفيرها بالوقت المناسب، وإما انعدام الشفافية والتعتيم على المشكلة وطمر الرأس في الرمل، ولذلك فان معالجتنا التي يمكن أن تنشأ تأتي متأخرة جداً، بعد أن يكون ضرب من ضرب وهرب من هرب.
وعن هيكلية الاقتصاد السوري في مواجهة الأزمة رأى د. زنبوعة أن الجزء الأكبر من النمو الاقتصادي المحقق خلال السنوات الأربع الماضية يعود إلى القطاع المالي وتحديداً في قطاع المصارف، فإذا أضفنا إلى ذلك ارتفاع أسعار النفط خلال العامين المنصرمين بشكل كبير، لعرفنا جوهر النمو الاقتصادي الذي نتغنى به، مؤكداً أن هذه الهيكلية هي عدد ونوعية الشركات التي أدرجت أو حصلت على الموافقة على الإدراج في السوق المالية، وفي تحليل الواقع الاقتصادي يستنتج المحاضر أن هيكلية اقتصادنا ليست على ما يرام، وما نتفاخر به بأن اقتصادنا لم يتأثر كثيراً بالأزمة المالية العالمية لأنه طبيعي، هو مجرد وهم، والأصح القول إن اقتصادنا بالفعل ليس "نقدياً" بالشكل المطلوب ولكنه أيضاً اقتصاد بدائي متخلف، والسبب يكمن في السياسات الاقتصادية غير المثالية والتي تقوم على مبدأ سد الثغرات، ولكن بعد أن تكون الهوة قد اتسعت، والخرقة قد بليت فلم يعد يصلح لها الترقيع ولابد من نفض السجادة بكاملها بدلاً من ترقيعها، متسائلاً في النهاية: ما فائدة الاعتمادات الهائلة المخصصة إذا كانت الأتاوات والرشاوى والسرقات من جهة أولى والهدر والتبذير والتسيب من جهة ثانية، وتخصيص جزءاً آخر للمصاريف الإدارية والولائم والاحتفالات من جهة ثالثة وغيرها الكثير من الجهات الأربعة وهكذا إلى ما لا نهاية.  
وفي عرض السياسات الاقتصادية السورية عبر تبويبها إلى مالية، نقدية، تجارية، وسعرية، ويمكن أن نضيف حسب زنبوعة سياسة الإسكان، وإن من أهم أهداف أية سياسة اقتصادية هو زيادة الاستثمار والتشغيل وبالتالي زيادة النمو الاقتصادي، ففي تطبيق مبدأ وحدة الموازنة يؤكد د. زنبوعة: أن الخطأ يجر الخطأ، فعدم تحقيق هذا المبدأ يعني بكل بساطة أن كل تحليلاتنا وسياساتنا الاقتصادية (مضللة) ولا تقوم على قاعدة معلومات حقيقية، والغريب أن القانون المالي الأساسي للدولة أقرَّ هذا المبدأ وألغاه في النص نفسه، وفي المقترحات بشأن السياسة المالية يشاع أن الحكومة قررت إتباع  سياسة توسعية في مواجهة الأزمة الحالية إذا ما علمنا أن الابتعاد عن مؤشرات الخطة حصل في الفترة السابقة للأزمة العالمية أي في ظروف رواج وانتعاش اقتصادي كان متوقعاً، لا بل مخطط له بسياسات توسعية ابتدأت منذ عدة سنوات، ويبقى السؤال المهم: ماذا عن سياساتنا الاقتصادية وقد داهمتنا هذه الأزمة من خارج الخطة، لذلك أعتقد أننا تأخرنا كثيراً في تحليل الأزمة ووضع سياسات المعالجة، فبعد مضي نصف سنة على استنفار العالم لمواجهة هذه الأزمة ونشر كل المعلومات التي تساعد المحللين في الدراسة وتقديم المقترحات، فإننا لا نزال لا نملك أية بيانات، وإذا ما توقعنا أن هذه الأزمة ستستمر لثلاثة سنوات فهذا يعني أننا تركنا المريض ثلث المدة أو نصفها دون علاج، ونصفها الآخر دون دواء، وإذا لم تكن هذه البيانات متوفرة لدينا فكيف سنوجه السياسات الاقتصادية للمعالجة دون أن ننسى فترة الإبطاء ما بين الانطلاق والوصول، والاستنتاج الذي نصل إليه هو إما إننا نائمون في العسل، أو أن أصحاب القرار لديهم هذه البيانات الضرورية للتخطيط والانطلاق، وقد يكونوا قد انطلقوا في السر لكي يريحوا المواطن أو المحلل الاقتصادي من عناء التفكير معهم بمخرج من الأزمة.
  وقدم الدكتور زنبوعة في الفصل الرابع من محاضرته اقتراحات إجمالية لتطوير السياسات الاقتصادية تتلخص في القضاء على الفساد الإداري المستشري كالسرطان في أجهزة القطاعين العام والخاص، والتركيز على أهمية التطوير الإداري ومحاربة البيروقراطية، وتعزيز الشفافية ووضوح القوانين والتعليمات الناظمة لعمل المؤسسات، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطن من صحية واجتماعية وثقافية..الخ، وإدخال مفاهيم الجودة في مؤسسات الدولة.

د. نبيل مرزوق قدَّم بحثه بمحاولة التعرف على إمكانية تجنب الاقتصاد والمجتمع السوريين النتائج المؤلمة التي تهدد بها تلك الأزمة، ويتطلب ذلك الترابط بين أسباب الأزمة والسياسات المطلوبة،  مشدداً على ضرورة التوافق حول فهم أسباب الأزمة العالمية الحقيقية وتحديد سبل معالجتها، مؤكداً على عدم وجود رأي واحد حول أسباب هذه الأزمة، والاتفاق على كيفية مواجهتها، ففي الاجتماع الأخير لدول الاتحاد الأوروبي في بروكسل، كان احد مقرراته ضرورة إعادة النظر بالنظام المالي العالمي، هذه النقطة التي تعتبر خطاً أحمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا مصدر خلاف وتباين في التفسيرات،  قبل الشروع في تبيان منعكساتها المتوقعة على البلدان النامية وعلى سورية، وتحديد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية للحد من الآثار السلبية المتوقعة. وأوضح د. مرزوق أن بعض الدول الأوروبية ترى أن سبب الأزمة الرئيسي يعود إلى نموذج "الليبرالية الاقتصادية" الأمريكي القائم على الحرية المطلقة للأسواق ورأس المال، السبب الرئيسي للأزمة،  إذ تطالب بإعادة فرض بعض الضوابط على حركة الرساميل والأسواق، وباستعادة دور فاعل للدولة في الرقابة والتدخل التصحيحي، فإنها توجه بشكل غير مباشر إدانةً للتوجه الليبرالي الذي ساد منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وفي الوقت نفسه تحاول الولايات المتحدة حصر الأسباب في سوء إدارة المؤسسات والأسواق وفساد بعضها وفي نقص السيولة نتيجة التباطؤ الدوري في النشاط الاقتصادي والإنتاجي..
وطرح الدكتور مرزوق عدة أسئلة: أين تكمن الأسباب الحقيقية للأزمة؟ وما هي النتائج التي سوف تترتب بالنسبة للبلدان النامية؟ وما هي المنعكسات المتوقعة بالنسبة لسورية؟ وما الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للحد من الآثار السلبية المتوقعة؟ وهل يمكن لسوريا أن يكون لها تنميتها المستقلة التي تحصنها من مثل هذه الأزمات؟ هذه الأسئلة وعديد غيرها تطرحها أطراف وشخصيات كثيرة في سوريا وخارجها، خاصةً بعد أن توضح أن الأزمة أعمق من كونها أزمة مالية، فكل التوقعات تؤكد أننا دخلنا الأزمة الاقتصادية الفعلية.
وفي مظاهر الأزمة وتداعياتها على الصعيد العالمي يقول د. مرزوق: مع تكشف جوانب الأزمة بدأت التوقعات بنهاية الأزمة تصبح أبعد مدى، والمتفائلة بينها ترى في عام 2011 تعافي النظام الاقتصادي العالمي، لقد بدأ يتضح أن الأزمة تشمل قطاعات الإنتاج، وان الركود وضعف النشاط فيها احد أسباب نقص السيولة، وهذا ما يؤكد اتساعها واتخاذها إبعاداً ضارة جداً لواقع ومستقبل الدول النامية، وسوف تحكم نموها خلال العقد القادم. أما في جذور الأزمة وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية التاريخية، يشير الدكتور مرزوق أن النظام الرأسمالي العالمي يمرُّ بمرحلة انتقالية في اتجاه تحقيق سيادة كاملة لنموذج الليبرالية الاقتصادية بنسختها الأمريكية. أما في الأسباب فيراها أكثر عمقاً من الصعوبات والعقبات، وهي أسباب بنيوية مرتبطة بطبيعة النظام الرأسمالي العالمي في مرحلته الجديدة القائمة على الحرية المطلقة للأسواق ورأس المال، وتحويل الدولة إلى دركي يحمي مصالح الرأسمال ويخوض الحروب للسيطرة على الأسواق والمصادر الطبيعية. 
وخلص د. مرزوق إلى أن الليبرالية الجديدة قد فشلت حتى الآن في تحقيق خرق على مستوى مسارات العولمة المختلفة الإنتاجية والتكنولوجية والاجتماعية، وقادت النظام الرأسمالي إلى مزيد من التمركز والتركز في الثروة ما أدى إلى تزايد الفقر والحرمان في مجتمعات عديدة بما فيها مجتمعات الدول الرأسمالية المتطورة، كما أدى إلى اندلاع النزاعات والحروب الأهلية في أكثر من بلد نام، واستمرار نزعاتها العسكرية والعدوانية يتهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويتضح من الأزمة الحالية أن الحرية المطلقة للأسواق ورأس المال قد جعلت النظام المالي العالمي كازينو للمضاربين وقناصي الفرص على حساب المجتمعات والدول، وهنا تساءل د. مرزوق من هم رابحو المليارات التي خسرها النظام المالي العالمي؟ وما هي الفوائد التي يمكن أن تنتظرها الدول النامية ومنها سورية من اعتناقها الأيديولوجية الليبرالية الاقتصادية الجديدة؟
وعن السياسات الاقتصادية المتبعة في سورية قدم د. مرزوق موجزاً تاريخياً للاقتصاد السوري منذ البدء بتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي المتدرج عام 1986 وبنموذج شبيه ومتناغم بناءً على توصيات صندوق النقد الدولي في حزمة ما يسمى سياسات التثبيت الهيكلي التي تمثلت بتقليص الإنفاق العام بشقيه الجاري والاستثماري، وتقليص الدعم الاستهلاكي، وتجميد الأجور، ووقف التعيين في الدولة والقطاع العام إلا على شاغر، ووقف التوسع في القطاع العام الإنتاجي وتقليص الدعم وعمليات الاستبداد والتجديد لمنشآت القطاع العام إلى حدها الأدنى، مقابل إعطاء القطاع الخاص فرصة الدخول والاستثمار في صناعات كانت حكراً على الدولة، وأوضح الباحث أن تطبيق هذه الحزمة من الإصلاحات قادت سوريا إلى أزمة في التسعينات بالإنتاج ومعدلات النمو غير منسجمة ومستقرة أوصلتها إلى الصفر في بعض الأحيان، وبيَّن أن الاستثمار الكلي قد تراجع بدرجة كبيرة لعدم إقبال القطاع الخاص على الاستثمار لتعوض غياب الاستثمارات العامة، الأمر الذي أدى إلى بروز مشكلة البطالة وتفاقمها واستمرار حالة الركود الاقتصادي، وبالنتيجة لم يحقق الاقتصاد الوطني نمواً مناسباً ومستقراً، ما انعكس على القدرة الكلية للاقتصاد السوري في إيجاد فرص عمل جديدة للداخلين الجدد إلى سوق العمل،  وفي تحسين المستوى المعاشي للفئات الأوسع من المجتمع، في حين بدأت تتفاقم التفاوتات في توزيع الدخل وانقسام المجتمع إلى فئتين: فقيرة واسعة وتضم غالبية المواطنين السوريين؛ وغنية ضيقة تقتصر على فئة صغيرة تستأثر بالحصة الأكبر من الناتج المحلي والثروة في البلاد بفعل الفساد الذي بدأ بنخر في مفاصل الدولة والقطاع العام. ومع بداية الألفية الجديدة طرحت من جديد أولوية الإصلاح الاقتصادي وضرورته لمواجهة التحديات الداخلية من زيادة سكانية وبطالة وفقر وتدني مستوى الإنتاجية.. والخارجية المتمثلة بفتح الأسواق والتطور الهائل في مستوى الإنتاج والتقانة وتعاظم القدرة التنافسية للشركاء التجاريين لسورية، وصولاً إلى التحديات المتعلقة بالأمن الوطني والسيادة المتمثلة بالضغوط والتهديدات الأمريكية والإسرائيلية.. ومع ذلك فإن الإصلاحات المطلوبة مازالت موضع نقاش وخلاف حول الأولويات، ورغم تصريحات بعض المسؤولين في الحكومة عن وجود برنامج إصلاح، إلا أن هذا البرنامج لم يعلن على المواطنين حتى الآن، وتم الإعلان فقط عن التحول إلى "اقتصاد السوق الاجتماعي" دون تحديد مضمونه وأبعاده، ودور القوى الاجتماعية الفاعلة في بناءه، ومنذ الإعلان عن إقامة هذا الاقتصاد لم يلمس المواطنون الجانب الاجتماعي منه، وتكرس السوق بمعناه الحر والمتحرر من الضوابط والقيود عبر العديد من القرارات والإجراءات التي من شأنها تكريس أزمات الاقتصاد الوطني وزيادة حدة تناقضاته.
وأكد د. مرزوق أن جملة القرارات والقوانين الصادرة تهدف إلى تنظيم السوق في إطار سوق مفتوح يتمتع فيه رأس المال بحرية الحركة والإعفاءات والتسهيلات ولم يصدر في المقابل أي تشريع يضمن حق المواطن بالعلاج والطبابة (ضمان صحي عام) ولم تصدر قوانين تمنح العاطلين عن العمل من الشباب مساعدة اجتماعية وفرصة للتدريب والتأهيل، كما لم تصدر قوانين لحماية الإنتاج الوطني والمال العام والتشريع للمحاسبة والمساءلة عن الفساد والتخريب في الاقتصاد الوطني، حتى المشروع الجديد لقانون العمل فيه بعض البنود أسوأ من كل المراحل السابقة، واستغرب المحاضر من واضع هذا القانون.
   وأنهى د. مرزوق بحثه بالإشارة إلى أن الأزمة الأخيرة في النظام الاقتصادي العالمي بينت أن مسار الليبرالية الاقتصادية وحيد الرؤية، قاد النظام بأكمله إلى مأزق سوف تدفع ثمنه المجتمعات من رفاهها واستقرارها، الكثير ولسنوات قادمة. وما تخبئه الأزمة للدول النامية- التي ستتحمل على حسابها وعلى حساب أمن مجتمعاتها جزءاً من استعادة الاستقرار واستئناف النشاط والنمو-، يتطلب سياسةً أخرى ورؤية وطنية لإمكانات النمو والتقدم التي تتيحها استراتيجية تنمية متجهة نحو الداخل معتمدةً على قوى المجتمع ومنتجيه، والتجارب الناجحة اليوم في دول أمريكا اللاتينية تبين أن ذلك ممكن كما أنه ممكن أن تتخذ العولمة مساراً آخر باتجاه مصلحة الشعوب ورقيها، وما سوف تسفر عنه الأزمة الحالية قد يكون في هذا الاتجاه. وإن ما تسير عليه سورية من سياسات من حيث التخفيضات الجمركية وإلغاء القيود عن التجارة الخارجية وفتح أسواق وإعطاء ضمانات والحرية الكاملة لرأس المال الأجنبي والعربي وطرح عمليات خصخصة غير مباشرة مع إثارة قضية تعويم العملة السورية في الفترة الأخيرة وتخفيض سعر الصرف، إن كل هذه السياسات تؤكد إصرار البعض السير نحو الليبرالية الاقتصادية الجديدة التي هي في الأصل السبب الرئيسي للأزمة الحالية وما حصل في العالم من أزمات سابقة.
لقد أكد كلا المحاضران على أن النموذج الليبرالي في الاقتصاد هو السبب في انفجار الأزمة، والمشكلة أن السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة والفريق الاقتصادي هي السياسات نفسها، وعندما تسير الحكومة في هذا الاتجاه فإنها بالتأكيد تسير باتجاه تعميق الأزمة وفي الوقت ذاته تعميق أزماتها التي تعاني منها أصلا.  

د. عبد القادر النيال :إن كلا المحاضرين لامسا الموضوع ملامسة خفيفة جداً لأن العنوان كان السياسات الاقتصادية في سورية على ضوء الأزمة الاقتصادية الراهنة ، فهل يتطلب تداعيات الأزمة الاقتصادية على الاقتصاد السوري إجراء مراجعة جدية وعميقة للسياسات الاقتصادية التي اتبعت حتى الآن ،وهل يستدعي ذلك مراجعة تحديد التجارة بوتائر سريعة وهل تستوجب قضية إطلاق العنان لانفلات السوق وما ينتج عنها من ارتفاع بالأسعار وهل يحتاج ذلك إلى إعادة النظر بدور الدولة الاقتصادي إن هذه الأسئلة كنا نتوقع الإجابة عليها من المحاضرين، خاصة وأن المحاضرات السابقة أكدت أن الأزمة أثرت وستؤثر على الاقتصاد السوري من خلال عدة جوانب « تحويلات المغتربين ،التصدير ، الصناعات الداخلية ،وضع القطع الأجنبي في المركزي » لكن يمكن للمداخلين أن يوضحوا شيئا من هذه الأسئلة .
د. أكرم حوراني : « كنا بحاجة إلى أن نسمع أشياء وقضايا أخرى من الدكتور نبيل مرزوق عن سورية لكن يبدو أنه فضّل عدم الكلام ، أما الدكتور زياد زنبوعة فلدي عليه توضيح واعتراض ومن ثم تساؤل، أما التوضيح ففي بداية عرضك وفي المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث عام 2005 أجاب عن كل التساؤلات ،أما الاعتراض فعندما تحدثت عن عدم مرونة تراجع الأسعار في سورية بالمقارنة مع الأسعار العالمية قد يكون المطب الذي وقعت به ، فمن أين ترى  الرواج الاقتصادي خلال السنوات السابقة  هل هو في معدل النمو المتواضع أم في معدل البطالة المتزايد أم في ارتفاع معدل الأسعار والتضخم أم أنك ربطت هذا الرواج ببعض السيارات الجديدة التي تجوب الشوارع أم أخذت به من خلال عودتك لمنزلك ورؤيتك لبعض الأسواق التجارية في كفر سوسة وهل هذه هي مظاهر الرواج في سورية ؟ فالمسح الاجتماعي الذي يجري حاليا في سورية من وزارة العمل وصل العدد إلى الملايين من الاستمارات عن الأسر السورية التي هي بالتأكيد خارج هذا الرواج فما هو عدد الأسر الباقية والتي تدخل ضمن الرواج الذي تحدثت عنه يجب أن نضع الأمور في نصابها ونضع النقاط على الحروف .إن من أهم أسباب تراجع الأسعار في سورية ليس تأثرها بتراجع الأسعار بالعالم وإنما بسبب تشوه السوق الذي أوجده احتكاريو السوق ، أما السؤال فهو الأرقام المخيفة التي ذكرتها بالأسعار الجارية أم الثابتة .
اللواء فجر عيسى رئيس لجنة في مجلس الشعب :
يمكن أن نتحدث عن منعكسات الأزمة الاقتصادية على سورية ، لقد تطرق المحاضرين إلى الكثير من القضايا التي تمارس هموم المواطن السوري ، فالاقتصاد وهو لكل الناس ويهم الجميع إن د.زنبوعة في بداية محاضرته لامس الإستراتيجية وربط ذلك بالدستور ، ثم قدم مقترحين وبعد لحظات عاد ليقول أنني لا أقدم مقترحات ، كنت أتمنى من هذه الندوات وأداريها بدعوة المخططين للاقتصاد السوري بالحضور لكي تتحول هذه المقترحات إلى حلول ليس مهماً أن تأتي وتشرح كل الأضرار والأنماط وأن نخرج من القاعة دون الوصول إلى أي شيء ، فالمرض الذي يشخصه الطبيب يجب أن يقدم له الدواء وقسم كبير من الفريق الاقتصادي موجود في هذه المعمعة ويناقش ما نتداوله، إن الميزانية التي تأتي إلى مجلس الشعب من الدولة تأتي مكتوبةً وتتم دراستها، وبناء على ذلك فأنني أقترح أن تشكل لجنة قبل دراسة هذه الميزانيات تضم أهم الاقتصاديين والباحثين السوريين ومن ثم يتم دراسة البنود المقررة بنداً بنداً حتى تتحقق للمواطن الأمنية المرادة من هذه الميزانية.
قصي الشيخ: إن القرار الأخير الذي تم اتخاذه من وزارة المالية بخصوص تخفيض العملة السورية جاء الخبر بالمانشيت العريض على صفحات الجرائد السورية تحت عنوان لا تخفيض لسعر العملة السورية لكن إذا كان هذا جوهر القضية فإن العرض والطلب بين العملة الوطنية والعملة الأجنبية وكيفية الحفاظ على قيمة العملة الوطنية من ناحية تخفيض الصادرات أو ناحية تخفيض الطاقة وأسعار المشتقات النفطية التي تم رفعها بشكل جنوني، فإن سوريا متأخرة في مسألة البنية التنافسية وهذا يتطلب تحسين البنية التحتية وتحسين القاعدة الأساسية للاقتصاد السوري من خلال البنية الهيكلية للاقتصاد الكلي.
سلام السعدي: في ظل الأزمة يجب أن ننطلق من الواقع المعاش وليس من كل الكلمات والأقوال فالواقع الحالي يسير من سيء إلى أسوأ فالبطالة أصبحت مرتفعة جداً في جميع أنحاء العالم، وأرقام الفقر بازدياد بشكل مخيف حيث الناس تموت جوعاً وهذه ينطبق على سورية أيضا، وهذا يؤكد على ضرورة إعادة دور الدولة الذي يجب أن يتعاظم بشكل يحقق الاشتراكية والعدالة الاجتماعية المفقودة تماماً إلا في كلمات الدستور التي ذكرها أحد المحاضرين. إن المطلوب اليوم ليس التعديل والتغيير في الكلمات بل تعديل الواقع المأزوم. 

متابعة علي نمر
بورصات وأسواق

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...