الحلم السوري (1)

31-03-2010

الحلم السوري (1)

كيف كان الحلم السوري بعد الاستقلال؟ سؤال أبحث عن جوابه دائما في سيرة الآباء المؤسسين.. وقبل أيام أرسلت لي السيدة عواطف الحفار آخر إصدارات زوجها الراحل صدقي إسماعيل الذي ما يزال حاضرا في المشهد الثقافي السوري بعد 38 سنة على وفاته: رواية وقصة ومجموعة رسائل غير منشورة وجهها صدقي إلى أخيه الفنان أدهم إسماعيل وإلى حبيبته وإلى صديق وصديقة تحفظت السيدة عواطف على ذكر اسميهما!؟
في هذي الرسائل نتذوق طعم حلم خمسينات وستينات القرن الماضي, زمن البراءة والارتجال الوطني للأحزاب السورية التي أسسها وقادها المثقفون قبل أن ينقلها أكرم الحوراني إلى يد ضباط الجيش أواخر الخمسينات حتى بداية التسعينات حيث انتقل الحلم ليصبح برعاية الشركات والمؤسسات الاقتصادية.. ومن دون تشكيك, فقد جهد الجميع في أن يصنعوا الوطن الحلم: البعثيون والقوميون السوريون والشيوعيون والإسلاميون والمستقلون, حيث عمل كل طرف منهم آنذاك في إبعاد الطرف الآخر المناقض له, وهكذا انشغل الجميع عن الحلم في الطريق إليه, حيث صار فيهم وبالوطن مثلما حصل مع قيس بن الملوّح عندما ركض في الحي وصار يصيح: ليلى ليلى.. فقال القوم: لقد جُنَّ الفتى, إئتو له بليلى لعله يشفى.. ولما حضرت ليلى نظر قيس إليها وقال: اذهبي عني, فقد شغلني حبك عنك..
وبالعودة إلى زمن صدقي إسماعيل, الشاعر والروائي والمسرحي والناقد الساخر والرسام والسياسي والعاشق الذي لم يتجاوز الثامنة والأربعين من عمره نلاحظ أن المثقف السوري لم يكن أقل ذكاء ومعرفة من المثقف الغربي ولم يكن حلمه أدنى, غير أننا لم نصبح كأميركا أو فرنسا أو حتى اليابان فلماذا؟!
قد يكون لدي جواب مثلما لكل قارئ جوابه حول سؤال: لماذا تقدم الغرب ولماذا توقفنا, غير أن أجوبتنا جميعا ستبقى جزئية وناقصة, لأن كل واحد منا محبوس داخل فكرته الخاصة ليوتوبيا الوطن الذي يرغب فيه.. وما أريده أنا قد لا يوافق عليه والدي البعثي ولن يرضى به ابني الالكتروني, كما أن جمهورية الرجال الفاضلة لن تتفق مع تصور النساء عنها، والتجار لن يوافقوا على جمهورية العمال والفلاحين, والإسلاميون سيرفضون بالتأكيد جمهورية العلمانيين.. لهذا أقترح التوقف عن طرح أجوبتنا وفرضها على غيرنا لأن شكل الحلم السوري سيتغير بحسب تعداد سكان سوريا الحالمين, وأقترح أن يعمل واحدنا أولا على فتح أقفاله وأبوابه على الآخرين, ووقتها سيتحرر كل امرئ من حبسه الخاص وشرنقته المتمحورة حول فكرته عن الوطن وسيدلف إلى حجرات الآخرين: الأفراد والطوائف والقوميات والأحزاب والطبقات والمحافظين والحداثويين، ليبدأ الحوار الوطني بين مواطنين أحرار بلا أقفال..
في يوم 17/4/1946 (يوم الجلاء) كتب صدقي إسماعيل إلى صديقه يقول: إن الأمة العربية بدأت تتحرك, وأن حركتها ستكون كالسيل الجارف, وكالصاعقة.. ليس الآن.. ربما بعد مئة سنة, ولكنها ستتحرك وتسيطر.. تعلم ولا شك أن كثيرين يحاولون استغلال الجلاء, وأن بؤس هذا الشعب قد يزيد, ولكن الذي يجب أن يغمرنا بالفرح, هو أنه سيتحمل مسؤوليته بعد اليوم, وأن وجود الشباب المخلصين المتحمسين أصبح له قيمة في هذه البلاد, ليخلصوا أمتهم من عار الأجيال السابقة, إن كان هناك شباب مخلصون..

نبيل صالح

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...