ابتزاز على حساب الدم العربي: أنقرة تطلب تفويضاً من البرلمان للتدخل عسكرياً

30-09-2014

ابتزاز على حساب الدم العربي: أنقرة تطلب تفويضاً من البرلمان للتدخل عسكرياً

لا أعلام للأمم المتحدة فوق أي منطقة عازلة في سوريا، لتظليل اي عدوان بري تركي محتمل في الشمال السوري. الديبلوماسيون الأتراك، عادوا ببديهة يعرفونها مسبقا من الاتصالات التي أجروها مع عدد كبير من ممثلي الدول الإسلامية والعربية، خلال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، لإقناعهم بالمساعدة على إنشاء منطقة عازلة في الشمال السوري، أو منطقة آمنة يحميها بالضرورة حظر جوي وقرار دولي، وتشكل انتهاكا كبيراً في الحرب السورية، التي تتحول من حرب تخوضها الجماعات السورية «الجهادية» و«المعتدلة»، بالوكالة عن تمويلها الخليجي والتركي والأميركي، إلى حرب تخوضها القوى الإقليمية مباشرة، إذا ما عبرت الدبابات التركية، خط سكة الحديد عند عين العرب (كوباني)، كما تتقاطع مؤشرات عدة على احتمال وقوعها.دبابات تركية قرب عين العرب على الحدود السورية أمس (رويترز)
وبحسب مصادر ديبلوماسية، لم تلقَ الدعوة التركية آذاناً صاغية، بعد إعادة الاصطفاف الذي فرضه الخلاف السعودي التركي، والاحتواء المتبادل، بالإضافة طبعاً إلى النصائح الروسية برفض أي قرار دولي يحاول إنشاء أي منطقة عازلة في سوريا، تاركة الأتراك في شبه عزلة مع خياراتهم السورية، وإغراء المغامرة بقلب قواعد اللعبة في الشمال السوري، واستغلال نفوذ الاستخبارات التركية لدى «داعش»، لمقايضة ضربه في الشمال السوري، لقاء مجموعة من المكاسب الجيواستراتيجية، والقضاء على مشروع الإدارة الذاتية الكردي في كانتوناته الثلاثة، من عفرين غرباً، إلى عين العرب في الوسط، فالحسكة شرقاً.
ويبدو إعلان منطقة عازلة دولياً، أمراً معقداً ومستبعداً، لحاجته إلى وضع آليات تنفيذية شبيهة بعملية «بروفايد كومفورت» التي منعت تحليق الطائرات العراقية، بين خطَّي العرض 33 و36، لحماية الجنوب العراقي والمنطقة الكردية في شمال العراق، في التسعينيات من القرن الماضي.
وتبدو ورقة المنطقة العازلة في الشمال السوري، ورقة المقايضة الكبرى التي يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تسويقها، في مقابل الانضمام إلى التحالف الدولي ضد «داعش» و«النصرة»، ومنطقة عمل للمعارضة السورية.
وفي مقابلة مع صحيفة «حرييت» التركية، قَدَّمَ أردوغان شروطه للانضمام إلى التحالف، الذي «لا ينبغي أن يبقى مجرد تحالف في الجو وعليه أن ينزل إلى الأرض» كما يرى، كي تنضم إليه تركيا، «لأنه لا فائدة من الضربات الجوية، ولا بد من عمل عسكري بري».
ومن المنتظر خلال الأيام المقبلة، أن تتضح الخطة التركية للذهاب نحو احتمالات عملية برية في الشمال السوري، مع إصرار واشنطن على عدم إرسال قوات برية إلى العراق وسوريا، تساند الضربات الجوية التي تقوم طائراتها بتوجيهها، بالتنسيق غير المعلن مع دمشق، إلى أهداف في دير الزور والرقة وريف حلب الشمالي.
وستقدم الحكومة التركية اليوم إلى البرلمان مشروع قرار يجيز استخدام القوة في سوريا، ويتيح لتركيا الانضمام إلى «التحالف» الذي تَشَكَّلَ لمحاربة «داعش»، حيث تتم مناقشته والتصويت عليه بعد غد الخميس. فيمثل قائد الأركان التركي نجدت أوزال أمام البرلمان التركي للرد على طلب الرئاسة تحديد إمكانيات التدخل العسكري، والتصويت على تفويض يوسع صلاحيات الجيش التركي، للتدخل في سوريا بعد تفويضه العراقي.
وسيلعب الأتراك ورقة حماية تركيا من تدفق النازحين الأكراد، الذين عبر 120 ألفًا منهم الحدود السورية نحو القرى الكردية التركية على المقلب الآخر، والحاجة إلى منطقة عازلة آمنة لتثبيت هؤلاء في قراهم، والخوف من تزايد أعدادهم إلى نصف مليون كردي، وهو رقم كارثي لأنقرة، إذا ما واصل «داعش» هجومه على الحسكة.

في هذا الوقت واصل «حزب العمال الكردستاني»، تعبئة المئات من مؤيديه الأكراد في المنطقة لتعزيز المقاومة في عين العرب، التي تشكل هاجساً تركياً شديد الخصوصية بسبب تركيبتها السكانية، وشبكة التحالفات العشائرية الكردية على جانبَي الحدود، التي تدور حول عصبية البرازية الكردية، أقوى وأكبر العشائر الكردية، التي تجعل من أكراد سوريا «حلفاء» طبيعيين لأكراد تركيا يقتربون منهم أكثر من قرابتهم مع أكراد العراق، وهو ما يعكسه تراجع البارزانية في الشمال السوري، وغلبة «حزب الاتحاد الديموقراطي»، ومشروعه الأوجلاني وخطابه، على ما عداه، وهو بالضبط ما يثير الهواجس التركية.

ويشكل قيام كيان كردي في سوريا خطراً أكبر من خطر كردستان العراق على تركيا، باعتبارها تشكل حاضناً طبيعياً، بفعل القرابة، من مشروع مسعود البرزاني، وتوفيرها عمقاً معقولاً وظهيراً مهماً لـ«الكردستاني»، مع استمرار ضعف المركز الدمشقي، وتهافت المعارضة السورية.

وينبغي التأكيد على أن التدخل البري التركي، إذا ما حصل، فإنه يعني تسليم الأتراك بفشل «داعش»، بالوكالة عنهم، في القيام بتنفيذ مهمته بضرب «حزب الاتحاد الديموقراطي» وتدمير مشروع الإدارة الذاتية الكردية، العدو القاتل للمشروع القومي الإسلامي لـ«حزب العدالة والتنمية». ويفرض عليهم الاستنتاج: إرسال دباباتهم، عوضاً عن تسليم بعضها إلى جنود أبي بكر البغدادي، الذين أخفقوا بالوصول بالسرعة المطلوبة إلى عين العرب، والاستيلاء على قلب المنطقة الكردية.

وكان الأتراك قد أصيبوا بالذهول، مع تدفق الأسلحة الغربية إلى كردستان العراق، وتحرر البرزاني من الصفقة مع أنقرة ووصايتها على نفط أربيل، وطرق تسويقه عبر جيهان، وحجز عائداته وطرق صرفه في مصرف «خلق» التركي. وأكثر ما يقلق الأتراك، تحول أربيل إلى محور رهان أميركي غربي إيراني لمواجهة «داعش»، وتقوية محور كردي عسكرياً وسياسياً دونما حاجة للمرور بأنقرة.

واستعادت طهران موقعاً كردياً مهماً على حساب أنقرة وأخطائها، عبر دخول الحرس الثوري الإيراني إلى أربيل، ولعبه دوراً كبيرا في صد «داعش»، بحسب ما كشف قائد سلاح الجو في الحرس الثوري حاجي زادة الذي قال إن «قائد فيلق القدس قاسم سليماني صد مع سبعين مقاتلاً موجة الهجوم الأولى لداعش على أربيل».

كما أن تحرك الدبابات التركية نحو سوريا، بعد أي تفويض محتمل في البرلمان التركي، قد يواجه على الأرجح باعتراض أميركي، قبل أي اعتراض روسي أو إيراني، بسبب الخلافات مع السعودية ومصر، وخطر إحداث صدع كبير في تحالف هش أصلاً، وفي ضوء الاشتباك المصري السعودي المستمر مع تركيا، وتأييدها لـ«الإخوان المسلمين». إذ إن «التحالف» لا يملك تجانساً كاملاً بين أعضائه الذين يقصفون اليوم بطائراتهم، وغداً، جزءاً كبيراً من الجماعات التي قاموا بتمويلها وعولوا عليها في حربهم بالوكالة على الجيش السوري. كما أن الدخول في أي عملية برية يخرق الاتفاق مع الحكومة العراقية والبشمركة، وسيخل أصلاً بشروط العمليات مع العراق، الذي يرفض أي تدخل بري، بما فيه في سوريا، ويخل بشكل واضح بالخطوط الحمراء الإيرانية والروسية.

ولكن الأتراك يبدون وكأن ظهرهم إلى الحائط، برغم كل ما يثنيهم عن المغامرة في سوريا؛ فبعدما اكتسح «داعش» ريف عين العرب، ليحتل أكثر من 70 قرية في أريافها، متقدما إلى مسافة خمسة كيلومترات من المدينة، إلا أن تعزيزات «حزب العمال الكردستاني»، تؤخر إسقاطها، ولا تترك لهم خيارات أخرى، مع اليقين بأن الغارات الجوية لـ«التحالف» ضد الإرهاب، وللجيش السوري، ستزيد من احتمالات عودة المبادرة إلى المقاتلين الأكراد، الذين يقاتلون بشجاعة موجات الدبابات والمدرعات، التي تأتي من منبج وجرابلس وتركيا.

ويبدو فتح جبهة الحسكة من قبل «داعش» في الساعات الأخيرة، والهجوم على تل كوجر، معبر اليعربية، محاولة لتشتيت القوى الكردية، وضرب الجبهة الشرقية، وقطع طرق الإمداد مع العراق.

ويسابق الأتراك الزمن في ضرورة اتخاذ قرار بإسقاط عين العرب، ومعها المشروع الكردي في سوريا، قبل أن تتراجع قوة «داعش» تحت ضربات «التحالف»، أو قبل أن يضطر إلى الانكفاء حفاظاً على أرتاله، برغم أن العمليات الجوية لم تلحق به خسائر كبيرة حتى الآن. لكن من الواضح أنه من دون دعم تركي، ما كان بوسع جنود البغدادي الاستمرار في الهجوم في منطقة عين العرب، بينما تنكفئ قواتهم على جبهات كثيرة.

محمد بلوط

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...