أولويات السياسة الفرنسية في عهد إدارة أوباما

31-01-2009

أولويات السياسة الفرنسية في عهد إدارة أوباما

الجمل: برغم خلفيات ساركوزي الداعمة لمحور واشنطن – تل أبيب فقد وجد نفسه أمام حالة صراعية مع خلفيات قصر الإليزيه، التي ظلت طوال مرحلة الجمهورية الفرنسية الحالية أكثر تأثيراً لجهة الرهان على انفراد فرنسا بقيادة أوروبا المستقلة عن التبعية لأمريكا.
* ساركوزي والوقوف على صخرة سيزيف الفرنسية:
حاول ساركوزي في البداية التوفيق بين طموحات باريس وطموحات واشنطن بحيث تقبل فرنسا بمشروع الهيمنة الأمريكية مقابل قبول أمريكا بهيمنة فرنسا على القارة الأوروبية، وذلك ضمن معادلة تصبح بموجبها الهيمنة الفرنسية أحد المكونات الفرعية لمشروع الهيمنة الأمريكية على العالم.
برغم زيارات ساركوزي لواشنطن وجلساته الطويلة داخل البيت الأبيض فقد رفضت واشنطن إعطاء باريس حق القيام بدور "الوكيل الحصري" لأمريكا في القارة الأوروبية، وذلك لعدة أسباب كان من أبرزها:
• إرث العلاقات الخاصة البريطانية – الأمريكية، وعدم قدرة واشنطن على تجاوز لندن التي ظلت تقف إلى جانب واشنطن في كافة المراحل السابقة إضافة إلى تأثير "القوة الناعمة" البريطانية المتأصل داخل الولايات المتحدة.
• إرث الخلافات والتنافس الفرنسي – الأمريكي وعلى وجه الخصوص المواقف الفرنسية السابقة التي ظلت تحرض الأوروبيين على ضرورة الاستقلال عن أمريكا.
• خلفيات الحرب الباردة التاريخية على خط مثلث برلين – باريس – لندن وصدام القوميات الألمانية والفرنسية والبريطانية الأنجلو – ساكسونية، المصحوب بسعي كل طرف إلى الانفراد بممارسة النفوذ على القارة الأوروبية.
• براغماتية واشنطن لجهة عدم السماح بصعود طرف أوروبي طالما أن تعدد الأقطاب الأوروبية يتيح لواشنطن حرية الحركة في المناورة بما يؤدي إلى ابتزاز هذه الأطراف على حساب بعضها البعض.
لم ترحم الإدارة الأمريكية حليفها ساركوزي، وظل الرئيس بوش يحاول استغلال فرصة صعود ساركوزي إلى الإليزيه، بأقصى ما يمكن لدفعه من أجل الوقوف المطلق دون مقابل إلى جانب توجهات الإدارة الأمريكية الإقليمية والدولية.
اندفع ساركوزي في بدايات صعوده نحو البيت الأبيض وكان متفائلاً بأن تحالف باريس – واشنطن سيتيح لباريس زعامة الاتحاد الأوروبي ولساركوزي أن يصبح رجل أوروبا الذي يقف إلى جانب بوش باعتباره رجل العالم الأول. ولكن ساركوزي وجد نفسه في نهاية الأمر يسعى جاهداً من جهة وراء واشنطن التي امتنعت عن دعمه، ومن الجهة الأخرى يسعى جاهداً لتفادي انتقادات الفرنسيين المتزايدة. وهكذا وجد ساركوزي نفسه واقفاً على "صخرة سيزيف" الفرنسية حائراً بين الإقدام على الانتحار أو التراجع.
* ساركوزي ومحاولات النجاة عبر أبواب دمشق:
تعثرت علاقات ساركوزي مع بوش، ولكن ساركوزي لجأ بعد أن أدرك حقيقة نوايا البيت الأبيض إزاء الإليزيه إلى محاولة استخدام أسلوب إدارة بوش نفسه على طريقة "داوني بالتي كانت هي الداء". بكلمات أخرى يمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• أوكلت إدارة بوش لساركوزي مهمة التصدي لمعالجة الأزمة السياسية اللبنانية وفق الخطوط المحددة سلفاً من قبل واشنطن.
• برغم استخدام ساركوزي السند الدبلوماسي الأمريكي فإنه قام بحل الأزمة اللبنانية بالارتكاز على السند الدبلوماسي السوري.
على هذه الخلفية فقد أدى تفاهم باريس – دمشق إلى تعزيز ثقة الرئيس الفرنسي ساركوزي بمدى قدرة فرنسا على المضي قدماً في تحركاتها الدبلوماسية الشرق أوسطية بمعزل عن واشنطن. جاءت بعد ذلك المزيد من المبادرات والخطوات الفرنسية الجريئة ومنها:
• تعزيز العلاقات السورية – الفرنسية بدعوة الرئيس بشار الأسد إلى مؤتمر قمة الاتحاد من أجل المتوسط المنعقدة بباريس وتجاوز ذلك إلى توجيه دعوة خاصة للرئيس السوري بحضور العيد الوطني الفرنسي.
• تعزيز العلاقات الفرنسية – الليبية.
• تعزيز العلاقات الفرنسية – الروسية.
• طرح مبادرة فرنسية لحل أزمة القوقاز ضمن صيغة أوروبية تتجاهل المصالح الأمريكية.
هذا، وتشير معطيات خبرة دبلوماسية خط باريس – واشنطن إلى أن العلاقات الأمريكية – الفرنسية دخلت من جديد مرحلة الفتور البارد، إضافة إلى تدني مستويات التنسيق الفرنسي – الأمريكي في ملفات علاقات عبر الأطلنطي.
* إدارة أوباما الديمقراطية ودبلوماسية خط باريس – واشنطن:
تقول التسريبات الواردة من واشنطن بأن الرئيس الفرنسي قد اتصل هاتفياً بالرئيس الأمريكي باراك أوباما وتحدث معه حول جملة من المسائل التي من أبرزها:
• ملف الأزمة المالية العالمية.
• ملف إغلاق سجن غوانتانامو.
• ملف حرب أفغانستان.
وعلى خلفية هذه التسريبات ظهرت بعض التحليلات الأمريكية القائلة أن ساركوزي يقوم الآن ببذل الجهود الاستباقية لتحقيق الآتي:
• استباق لندن وبرلين في بناء وتعزيز الروابط مع الإدارة الأمريكية الديمقراطية.
• التفاهم مع إدارة أوباما بما يتيح لساركوزي بناء بعض الاتفاقيات الثنائية التي تعطي باريس المزيد من المزايا ووزناً أكبر من وزن لندن وبرلين في ملف علاقات عبر الأطلنطي.
• كسب الرأي العام الفرنسي المعادي لتوجهات إدارة بوش خاصة وأن معظم الرأي العام الفرنسي يطالب الإليزيه بالمزيد من التعاون مع إدارة أوباما.
• إقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بالمواقف الفرنسية التي سبق أن عارضتها إدارة بوش وهو اقتناع لو تحقق فإن التحالف الثنائي الفرنسي – الأمريكي سيكتسب قوة دفع أكبر خلال الفترة القادمة.
أشارت بعض التسريبات والتحليلات الأمريكية إلى أن ساركوزي سعى إلى استخدام الأسلوب المزدوج الأهداف في تفاهماته مع أوباما عن طريق استخدامه لمبدأ "هذه بتلك" وبكلمات أخرى:
• سيحصل الرئيس أوباما على تأييد ودعم فرنسا في ملف الأزمة المالية العالمية وملف أزمة أفغانستان وإغلاق سجن غوانتانامو.
• على أمريكا أن تقدم لفرنسا الدعم عندما تتولى باريس المسؤولية عن ملف السياسة الخارجية الأوروبية أو بالأحرى عندما تتولى فرنسا أمر المسؤولية عن مفوضية السياسة الخارجية الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي، وعلى وجه الخصوص فإن الدعم الأمريكي المطلوب فرنسياً هو وقوف الإدارة الأمريكية إلى جانب الدفع باتجاه جعل الاتحاد الأوروبي يتبنى المبادرة الفرنسية إزاء ملفات الصراع العربي – الإسرائيلي.
هذا، وتشير بعض التحليلات إلى أن موقف علاقات خط برلين – واشنطن وخط لندن – واشنطن سيكون أكثر ضعفاً خلال فترة إدارة أوباما، لأن كل من برلين ولندن ظلتا أكثر انسجاماً مع توجهات إدارة بوش التي ظل أوباما يعارضها بشدة خلال فترة حملته الانتخابية إضافة إلى الارتباط الشديد بين ميركل وغوردون براون والحزب الجمهوري الأمريكي وبعض الأجنحة الديمقراطية المعارضة لأوباما.
إضافة لذلك، تقول بعض التحليلات والتسريبات أن ساركوزي سيسعى للاستعانة بواشنطن للضغط على الرئيس التشيكي توبولانيك المعارض لتوجهات دبلوماسية ساركوزي ومن المعروف أن نفوذ الرئيس التشيكي في الاتحاد الأوروبي يجد الدعم من برلين ولندن، اللتان اختارتا أن تستخدماه كأداة مواجهة ضد باريس.
عموماً، خلال الفترة المقبلة ستشهد أروقة الاتحاد الأوروبي صراعاً بين قوى يمين الوسط الأوروبي خاصة وأن المؤشرات الحالية تقول أن الصراع الأوروبي – الأوروبي سيشهد نقلة نوعية جديدة لجهة انتقال الصراع إلى داخل قوى يمين الوسط الأوروبية والآن كما هو واضح فإن زعيمة يمين الوسط الألماني أنجيلا ميركل أصبحت على خلاف مع زعيم يمين الوسط الفرنسي ساركوزي، أما بالنسبة لغوردون براون زعيم يمين الوسط البريطاني فإنه يقف إلى جانب برلين حالياً، ولكن على ما يبدو فإن حساسية السياسة الأوروبية للتأثيرات وإن كانت حقيقية ستدفع إلى حدوث المزيد من التعديلات وتبني المواقف السياسية والدبلوماسية الجديدة التي منها على سبيل المثال لا الحصر انهيار مكانة إسرائيل في أوساط الرأي العام الأوروبي، فهل ستدفع ضغوط الرأي العام الأوروبي الحكومات الأوروبية للتحرك بإيجابية في الشرق الأوسط أم أن هذه الحكومات ستسعى لدعم إسرائيل بما يترتب عليه خوض الصراع مع الرأي العام الأوروبي؟

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...