أزمة المنشآت المتوسطة ترجح كفة الفقراء وتهدد الصناعات الكبيرة

31-12-2012

أزمة المنشآت المتوسطة ترجح كفة الفقراء وتهدد الصناعات الكبيرة

تبدأ مشكلة المشاريع الصغيرة والمتوسطة من تعريفها، حيث يشير كبير مستشاري تطوير الأعمال في مركز الأعمال والمؤسسات السوري د. هشام خياط إلى عدم وضوح في مفهوم وتعريف هذه المشاريع، فهناك خلاف بين التعريف والواقع، فالمشاريع الصغيرة حسب التعريف المعتمد في سورية من قبل رئاسة مجلس الوزراء في سورية هي المشاريع التي تشغل 50 عاملاً فأكثر وتصل قيمة مبيعاتها وميزانيتها إلى 50 مليون ليرة فأكثر لكل منهما
 
أما المشاريع المتوسطة فهي التي تشغل أكثر من 250 عاملاً فأكثر وتصل مبيعاتها وميزانيتها إلى 250 مليون ليرة فأكثر لكل منهما، بينما لا تزيد مبيعات المشاريع المتناهية الصغر عن 3 ملايين ليرة وتشغل نحو 10 عمال لا أكثر. وهذا النوع الأخير يشكل حسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء القسم الأكبر من المشاريع الصغيرة والمتوسطة السورية، وتصل حسب الخياط إلى ما نسبته 80% من هذه المشاريع.
وهذا التعريف تسبب حسب مصدر مطلع في هيئة الاستثمار السورية بخروج هذه المشاريع الصغيرة المنتجة في سورية من مظلة هيئة الاستثمار السورية، حيث إن الحد الأدنى لرأس المال الاستثماري للمشاريع الاستثمارية هو 10 ملايين ليرة سورية، بينما تتراوح رؤوس أموال أغلب مشاريع السوريين بين مليون و3 ملايين ليرة، ومن هنا طرحت الهيئة إمكانية تخفيض الحد الأدنى لرأسمال المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالتعاون مع الجهات المعنية بالاستثمار بما يرفع نسبتها قياساً إلى إجمالي المشاريع المشملة إلى 95% ويسمح لها بالاستفادة من مزايا وإعفاءات الاستثمار.
وأفادنا مدير المدن والمناطق الصناعية د. أكرم الحسن بأن مشروع قانون الاستثمار المزمع صدوره قريباً لحظ هذه المشكلة، ولكن حالياً كل ما يطرح عن تخفيض الحد الأدنى للمشاريع الاستثمارية هو كلام نظري، مشيراً إلى انتشار صناعات صغيرة ضمن المخططات التنظيمية وليس ضمن العشوائيات فقط، لدرجة أن الصناعات المرخصة تشغل نحو 50% من المخططات، ورغم أن الصناعات الصغيرة والمتوسطة لا تنتشر في المدن الصناعية كثيراً لكنها تتوزع على جوانبها وتسمى منشآت حرفية تؤمن كل ما يلزم المصانع الكبيرة، مبيناً أن بقية الصناعات الصغيرة غير المنظمة تنتشر في 63 منطقة صناعية عشوائية وهناك مساع لتأهيلها وتنظيمها.

مرنة وهشة معاً
تجد أغلب المنشآت الصغيرة والمتوسطة من مناطق العشوائيات والمخالفات بيئة مناسبة لانطلاقتها لكون عملية التراخيص في سورية معقدة ومكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً- حسب كبير مستشاري تطوير الأعمال في مركز الأعمال والمؤسسات السوري د. هشام خياط- مبيناً أن موقعها الجغرافي غير الأمن كان له أثر سلبي كبير على إنتاجها في ظروف الأزمة السورية، لدرجة أن عدداً كبيراً منها خرج من الخدمة، ورغم مزايا عديدة تتمتع بها هذه المشاريع مثل المرونة العالية للتكيف مع المتغيرات والتحديات المرتبطة تعترضها غالباً مشاكل التمويل والاستقلالية في العمل، فإن وجود نقاط ضعف أخرى فيها شكل عائقاً حقيقياً أمام استمرارها، حيث تعطلت سلاسل التوزيع وبالتالي خرج قسم مهم منها من الخدمة. وتحول أصحابها من ذوي دخل محدود إلى فقراء يشكلون عبئاً وعالة على الحكومة بعد أن كانوا شركاء بالإنتاج.
ويعتبر الخياط أن مشكلة المنشآت المتوسطة والصغيرة لم تقتصر على الأحداث الراهنة فحسب، بل إن عدداً لا بأس به منها تضرر إلى حد كبير بسبب أزمات المازوت والغاز، ومشاكل في عملية النقل والانتقال، ما عرقل وصول العمال والبضائع إليها، مشيراً إلى أنه من الصعوبة بمكان الآن الحديث عن تخفيض رسوم الكهرباء على هذه المنشآت في حين أن الكهرباء في حال التقنين شديدة، أو الحديث عن تخفيض رسوم النقل والبضائع في حين يوجد أزمة في النقل، وإن لم يكن الإغلاق هو مصير جميع هذه المنشآت، فإن جزءاً مهماً ممن تبقى منها يعمل دون أرباح وبغرض إثبات الوجود لا أكثر.
ويشير عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق أبو الهدى اللحام في حديثه للوطن إلى أن تموضع الصناعات ضمن الأرياف سبب لها أضرار وجزء مهم من هذه المشاريع توقفت وهاجرت خبراتها إلى الخارج ما أثر سلباً على المشاريع الكبيرة أيضاً، لأن هذه المشاريع هي التي تغذي المشاريع الضخمة، فشركة تويوتا مثلاً تشغل 3000 ورشة صغيرة ومتوسطة في أعمالها، لأن الشركات الكبيرة غير قادرة على تصنيع الأجزاء جميعها، وقد زاد من تضرر هذه المنشآت نقص المحروقات عنها، فالمطعم صار مضطراً لشراء جرة الغاز بـ3000 ليرة.

تمويل غير مجد
يكمن التحدي الأكبر الذي تواجهه المشاريع الصغيرة والمتوسطة حسب وزارة الاقتصاد في الولوج إلى التمويل، ويرجع ذلك حسب ما أفادنا د. هشام الخياط إلى تعقيد البنية المصرفية وإجراءات تقديم الطلبات وارتفاع حجم الكفالات والضمانات المطلوبة التي تعادل ضعف مبلغ القرض وتقتصر تلك الضمانات على الأصول الثابتة فقط ولا تشمل الأصول المادية أو المنقولة. كما تتخوف المؤسسات المالية من ارتفاع درجة المخاطر المصرفية المرتبطة بالمشاريع المتوسطة، وعدم قدرتها على توفير الضمانات التقليدية اللازمة للحصول على التمويل، وتأثر حجم أرباح البنوك بفعل ارتفاع التكلفة الإدارية لإقراض هذه المشاريع، ولا توفر غرف التجارة والصناعة السورية- حسب الخياط- سوى قدر قليلاً من الدعم للمشاريع الصغيرة، لدرجة أن نسبة أقل من 10% من المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي التي تصل إلى شكل من أشكال الدعم نظراً للافتقار إلى خدمات الأعمال وعدم إدراك المشاريع للخدمات المتاحة.
ولم يبدِ الخياط تفاؤله إزاء مشروع القانون الذي تعده وزارة الاقتصاد بغرض إحداث صندوق لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة برأسمال 5 مليارات ليرة والذي سيقدم لها قروض بلا فوائد وضمانات بسيطة. حيث إن مشكلة التمويل ليست متعلقة بالمصارف فحسب، بل إن أصحاب المنشآت المتوسطة والصغيرة لا تغريهم خدمات المصارف ولا يتشجعون نحو قروضها لعدة أسباب أهمها ارتفاع تكلفة التمويل الذي يرغبون في الحصول عليه، وارتفاع نسبة المديونية مقارنة بأصول المشروع لأن أصول المشروع الصغير لا توفر أصول الضمان الكافي للحصول على تمويل جيد إذا ما احتاج إليه في فترة تشغيله، وتدخل مؤسسات التمويل وفرض الوصاية على المشروع الصغير ما يؤدي إلى ظهور مشكلات بين مؤسسات التمويل والمشروعات الصغيرة.
وكذلك ارتأى عضو مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق محمد البدوى في تصريح للوطن أن المبلغ الذي خصصته الحكومة مؤخراً لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة والذي يصل إلى 400 مليون ليرة غير كاف، وإن أي قرض يأخذه الصناعي غير كاف، كما أن المصرف حقيقة لا يستطيع تقديم قروض بغض النظر عن طريقة التمويل لأن التحصيلات ضعيفة جداً.

رغد البني

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...