أبيّ حسن يرد على خدام وينقض على حركتي التشيع والتسنن في سوريا

23-12-2006

أبيّ حسن يرد على خدام وينقض على حركتي التشيع والتسنن في سوريا

الجمل ـ أُبيّ حسن:   قطعاً لم يكن يليق بالسيد عبد الحليم خدام "البعثي" أن يتحدث عن الرئيس الراحل حافظ الأسد من وجهة نظر دينية, إذ قال كما جاء في خدمة قدس برس الصادرة 31/10/2006: "كان الرئيس الراحل حافظ الأسد مسلماً, ولم يعلن تشيعه (هل نفهم من هذا التصنيف إن الشيعة ليسوا إسلاماً من وجهة نظر الحاج عبد الحليم خدام؟), ولم يكن طائفياً...".
و يضيف السيد خدام, في ذات المصدر: "حركة التشيع هي ظاهرة سياسية يقوم بها السفير الإيراني في دمشق بهدف إيجاد حالة سياسية مرتبطة بإيران", و يقول بـ"ثقة" منقطعة النظير إن السفير الإيراني يصول ويجول في سورية بحرية أكثر من رئيس الوزراء(!؟).
ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها السيد خدام في مثل هذا الموضوع, إذ عاد اليه في حوار مع إحدى وكالات الأنباء (الأخبار 22/11/2006). مايعني أنه يصرّ على خوض معركته السياسية ضد النظام مستغلاً تأجج وتنامي المشاعر الدينية لدى بعض أوساط الشارع السوري بفعل مايجري على الساحة العراقية من اقتتال مذهبي من جهة, وبعد صمود حزب الله في وجه إسرائيل ومانجم عنه من قلق لدى بعض الأطراف الدولية الإقليمية والمحلية السورية من جهة أخرى, لاسيما أن أياً من أحلامه فيما يخصّ سقوط النظام السوري ورؤيته الرئيس بشار الأسد خلف القضبان لم يتحقق.
وقد سبق السيد خدام إلى مثل هذا الغمز واللمز جماعة الإخوان المسلمين في البيان الصادر عن مجلس شورتهم بتاريخ 1/9/2006, وقد تبعه بيان آخر يتحدث عن الصراع الفارسي -الأمريكي على المنطقة غافلاً الصراع السعودي(؟!), لكن بطريقة حضارية لاتخلو من احترام للآخر, وان كانوا قد تجاهلوا (سهواً أو عمداً) انتشار الوهابية في سورية, تحديداً في مدينة سلمية ودمشق التي تقوم بها جماعات وهابية مستغلة حاجة الناس المادية ومرغبة النساء بارتداء الحجاب قبالة تزويجهن من عرب الخليج (سعوديين بالدرجة الأولى) واقتناء شقق وسيارات للمحظيات منهن.
بدأ الحديث يأخذ أبعاده بعد أن وضعت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان أوزارها, وكان أول من نفخ في هذا الوعاء البغيض الداعية السعودي الشيخ سليمان عودة المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم, وما لبث أن لاقى صداه في نفوس بعض مشايخ دمشق الذين تبنوا وجهة نظر السعودية إلى حد كبير, لابل إن بعض مواقع الانترنت لم تعف الشيخ احمد حسون مفتي سورية من "تهمة" التشيع الذي سارع إلى نفيه (العربية نت 28/11/2006)! ويحق لأحدنا أن يسأل ببراءة (أو بخبث) وهو يرى مايرى من ذلك التجاوب السريع للخطاب السعودي: أين ذهب تبجحهم بأن الإسلام دين المحبة والتسامح, ولا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى؟
على الضفة الأخرى لم يَطل رد مشايخ الشيعة بالإضافة إلى الشيخ العلوي ذو الفقار غزال, خارجين عن صمتهم (العربية 7/11/2006), لابل إن أحدهم قال بما معناه: "ظهرتُ في شهر رمضان في الجامع الأموي لمدة سبع دقائق على التلفاز في برنامج ديني, ولم يتحملوا هذا!".
لن أدخل في سجال مع هؤلاء المشايخ, وأقول مشايخ نافياً عنهم صفة العلماء أياً كانوا عمداً حتى لايتبادر إلى الذهن أنهم زملاء لمن اكتشف الذرة ووضع أسس الفيزياء والكيمياء الحديثة وماشابه, لكن أجد من المفيد, لابل من الضروري, الرد على السيد خدام, فحقاً إن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما الذي دفع به للجوء إلى خطاب نبغضه كعلمانيين؟ هل هو اليأس الذي أصابه من "تحرير" سوريا من بقية رفاقه, كما سبق أن وعد أكثر من مرة, واضعاً مهلة لتحقيق ذلك الوعد "الميمون" لاتتعدى الستة أشهر أو بكلام أكثر دقة قبل انتهاء صلاحية جواز سفره؟ من ثم ماذا يعنيني أنا, كمواطن, أياً كان انحداري أو انتمائي الديني, من دين أي مسؤول في بلدي؟ وهل يليق ببعثي "عتيد" كالسيد خدام أن يتحدث بمثل هذا المنطق؟ كنت أتوقع أن يقيّم رفيق دربه الراحل حافظ الأسد من وجهة نظر المواطنة, وليس من وجهة نظر دينية اطلاقاً. لا أنكر للسيد عبد الحليم خدام (وسواه) حقه في التدين من عدمه رغم بعثيته المفترض أن تجعل من أمر الدين والتدين لديه سؤالاً ذاتياً محضاً, فمن حقه أن يكون بوذياً أو يهودياً أو نصرانيا أو مسلما (شيعيا أو سنيا) أو ملحداً, غير أني كمواطن لن أسأله عن عدد صلواته وحجه وزكاته, بل سأسأله عن التركة الثقيلة من الفساد التي ساهم في صوغها ونشوئها طوال عقود.
لاشك أن يأسَ السيد خدام في تحقق أو تحقيق وعوده, جعله ينحى بخطابه منحى طائفياً, موارباً غالب الأحيان, بعد أن كان فرز مراراً بين النظام والطائفة العلوية لغايات أشك في صدقها ونوايا ناطقها وان كانت صادقة في مجملها على أرض الواقع.
لكن وبافتراض أنه صار يجد نفسه حاجاً "تقياً نقياً ورعاً" أكثر من كونه بعثياً ثورياً انقلابياً, لاضير من طمأنته إن سوريا باتت إسلامية (سنية) أكثر من ذي قبل, وليطمئن أكثر أفيده علماً أن مؤسسات الدولة ودوائرها تحولت إلى دور عبادة, إذ يكفي أن يدخل أحدنا إلى أية مؤسسة حكومية وقت صلاة الظهر لإجراء معاملة ليتأكد من هذه الحقيقة التي سيدفع ثمناً لمعرفتها ساعة انتظار وهي المدة التي يقضيها الموظف (أو الموظفة) ريثما ينتهي من صلاته و"خشوعه" (تقبل الله منا ومنهم صالح الأعمال), من نافل القول أننا لن ننتظر من السلطة في سورية أن تقدم على خطوة شبيهة بالخطوة التي أقدمت عليها الخطوط الجوية الملكية المغربية المتمثلة بمنع الصلاة أثناء الدوام (موقع الجمل 7/11/2006). وكي أبالغ في بث الطمأنينة في نفس خدام أبشره بأن السلطة أحدثت كلية جديدة للشريعة في حلب بموجب المرسوم 125 للعام الجاري (البعث 3/10/2006), وبالتأكيد فإن المذهب الجعفري لن يكون ضمن المذاهب التي تلقن لطلبة العلم "الإلهي", قبالة إلغائها أسبوع الفلسفة الثقافي الذي كانت تقيمه جامعة دمشق.
ولابأس من الهمس في أذنه: إن قصر العدل الجديد المكوّن من ست طبقات في مزة اتوستراد فيه 12 مسجدا (لكن لايوجد فيه حضانة للأطفال مع الأسف). نحمد الله أن الحُسينيات لم تغزُ مؤسسات الدولة هي الأخرى بعد.
ولا أدري إن كان يهنأ السيد خدام في حال بحتُ له, إن الوهابية امتدت إلى الساحل السوري الذي كان معروفاً بنزوعه العلماني كون أغلبيته (كانت سابقاً) من الطائفة العلوية مع خليط من الطائفة السنية والإسماعيلية والمرشدية والدين المسيحي, و من المفجع أن محافظة كطرطوس التي أنشئت فيها أول كلية علمانية في ثلاثينات القرن الماضي كان يشرف عليها المدرّس التنويري رشيد سنو ويعوّل على تدريس الفلسفة والآداب, صار فيها (115) مسجداً, وحتى الآن لاتوجد فيها جامعة أو كلية تدرّس العلوم الإنسانية! (سمعت مؤخراً أنهم أنشأوا فيها كلية لتدريس اللغة الانكليزية), ومن غير المستغرب أن نسمع بعد مضي سنتين في سرافيس الساحل السوري ووسائل نقله العامة أدعية ومواعظ ("العلامة"عمرو خالد) بدلاً من أغاني فيروز ووديع الصافي ونجاح سلام, وليس بالمستبعد أن تصل قريباً إلى ذات الساحل صلاة القبر وهي صلاة مستحدثة في السعودية (العربية نت 18/11/2006), وان يحرّم على النساء المعروفات بتحررهن وانتصار استقلالية الأنا لمعظمهن فضلاً عن ارتفاع نسبة التعليم (والبطالة) في أوساطهن الاختلاط بالرجال اقتداء بالسعودية التي منعت فيها هيئة الأمر بـ"المعروف والنهي عن المنكر" أمسية شعرية نسائية في الرياض (11/7/2006 القدس العربي). وأن تنتشر حلقات "الرفيقات" القبيسيات عوضاً عن حلقات الفرح والرقص والدبكة وقراءة الشعر وروايات نجيب محفوظ, وهذا ليس بالأمر الصعب على "المجاهدات" القبيسيات خاصة أنهن قرعن أبواب فيينا تمهيداً لـ"هداية" أوربا وإنقاذها من نار "الضلال والكفر"!.
أكثر من ذلك, بماذا يفسر لي السيد خدام, حركة شراء العقارات والأراضي الواسعة في الساحل السوري بمبالغ خيالية بمال سعودي تحت غطاء ذي طابع اقتصادي؟
من جانب آخر, كان حرياً بالسادة المشايخ أن ينوهوا بدورهم إلى الحركة الوهابية الناشطة في مدينة سلمية السورية التي ترعاها مؤسسات سعودية تشتري الناس بالطريقة التي ينتقدون فيها النظام الإيراني. وهي في الحالات كافة لايمكن مقارنتها ببعثات التبشير المسيحية التي طافت بلادنا طوال القرنين الثامن والتاسع عشر وكان من ثمارها الجامعة الأمريكية التي بها نفخر الآن والجامعة اليسوعية.
نعم لقد انتشرت في ثمانينات القرن الماضي حركة ملاقحة ثقافية في الساحل السوري, كما لمح إلى ذلك الشيخ ذو الفقار غزال, كان قوامها نشر الأدبيات الشيعية, خاصة أولئك الذين كانوا سنة ثم تشيعوا (ككتب محمد التيجاني السماوي التونسي"ثم اهتديت, ولأكون مع الصادقين..." ومحمد مرعي الأنطاكي السوري صاحب كتاب "لماذا اخترت مذهب أهل البيت؟" وإدريس الحسيني المغربي الخ..) لكنها بقيت محصورة في كتب علنية تباع في المكتبات شأنها شأن أي كتاب, وأتذكر في تلك الفترة أن طبيباً (من مدينتي طرطوس) قُتل في ظروف غامضة اتهم انه كان يسعى لنشر التشيع من خلال شراء ضمائر الناس, وبالتأكيد لو كانت السلطات هي من يرعى حركة التشيع التي تثير الهلع لدى السيد خدام وسواه لكان عُرف من قاتل الطبيب على الأقل! ولو كانت راهناً معنيةً أو لها يد في هذه الحركة التي أثارت قلق بعض المشايخ لكانت سعت إلى تصدير الكاتب الشيخ هشام قطيط, المتشيع حالياً بملء إرادته وهو من قضاء حلب.
خلاصة القول: لانحتاج إلى كثير عناء كي ندرك أن دولاً كالسعودية وإيران (بما تمثلان في المنطقة من نفوذ) يعنيهما الدين, بكلمة أدق الإسلام, بالقدر الذي يخدم فيه مصالحهما السياسية, ومن المؤكد أن سعي كلا منهما إلى نشر (الوهابية والتشيع) يهدف للحفاظ على مصالحهما الاستراتيجية في المنطقة, لكن يبقى السؤال: ماذنب بعض المجتمع السوري الذي قطع شوطاً كبيراً على طريق العلمانية وتحرر المرأة كي يكون ضحية صراع المصالح السعودية الإيرانية في المنطقة؟ هذا السؤال لا أضعه برسم السلطات السورية فحسب بل أضعه برسم النخبة الثقافية السورية التي تدّعي المنافحة عن المكتسبات العلمانية في سورية السائرة (ياخجلة التعب) بخطى حثيثة نحو هاوية الظلامية التي قد يراها البعض مع الأسف "صحوة" إسلامية, لكنها بالرغم من ذلك لم تحل دون دق مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك جرس الخطر نتيجة الهجرة المسيحية المتزايدة من الشرق (النهار 6/11/2006), وهو ماعبر عنه أكثر من كاتب مسيحي سوري (مقال سليمان يوسف يوسف 23/10/2006 نشرة كلنا شركاء الالكترونية). هل ثمة حاجة للتذكير بالدور النهضوي والتنويري الذي لعبته المسيحية في شرقنا المثقل بالتخلّف؟.


الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...