«كومبارس» مجموعة قصص اجتماعية لهيفاء بيطار

31-01-2007

«كومبارس» مجموعة قصص اجتماعية لهيفاء بيطار

تحمّل هيفاء بيطار مجموعتها «كومبارس» الصادرة عن دار الساقي، بيروت، رسالة اجتماعية مباشرة يخالطها انفعال ساخن وتعليق أخلاقي. الكاتبة السورية ضمير يراقب ويحاسب عالماً يراه اسود وأبيض الى درجة يبلغ معها حد الكاريكاتور احياناً. ماريا شعيب رسمت غلافاً جميلاً باللونين المذكورين في اشارة الى الثنائية لدى بيطار، فالعالم جلاد وضحية، سلطة ورعية، وقوي وضعيف.

لا يخاطب الالتزام سيكولوجية الفرد فحسب بل يبنيها او يدمرها. في «بين الألف والياء» امرأة تنتابها نوبات صراخ هستيري لا سبب واضحاً لها. هي صديقة لامرأتين متناقضتين: زوجة ضابط فاسد ثري في المخابرات وزوجة سجين سياسي ادى سجنه الى فقر أسرته وضياع ابنه. تقبل هدايا الأولى الفاخرة وتقدمها للثانية وتحس بأنها كلب ينتظر ان يلقي سيده الفتات. تتمزق روحها الى ان «يقفز قلم محتقن بنسغ الحقيقة (...) ويهتز ضاحكاً بصوت جريء: انا الحل» (الصفحة 23). يحضر القمع السياسي في قصص عدة وتمارسه بالبدل زوجات المسؤولين الذين يمنحون سلطتهم لكل افراد الأسرة. في «الحبيب» تموت والدة طالب الطب المتفوق بعد اعتقاله والجهل بمكانه، ويعجز الأب عن لفظ اسمه مكتفياً بقول «الحبيب». في «القسم» يعجز ابن الاخت اول الأمر عن التكيف مع كونه وريث سلطة خاله الطاغية ويصاب بنوبات ذعر. على ان المراهق يتحول الى تلميذ نجيب لخاله الديكتاتور ويرى ان حياة الآخرين وموتهم يتعلقان بقراره في «قطاعة الورق» تقع معلمة ضحية صراع بين ضميرها وخوفها على ابنتها. تصمم على الانتقام من المديرة المستبدة التي تسببت بانتحار زميلة لها، لكنها تتوقف في اللحظة الأخيرة عندما ترى قطاعة الورق وتتخيل عنق ابنتها يقطع بها. النساء ثلاث في وجه القمع السياسي في «الكومبارس». شريكات في ممارسته بحكم الزواج من مسؤولين «مهمين»، ضحايا له، و «متعاملات» أو شاهدات زور يعرفن ان عقاب المعارضة الفعلية لا يتوقف عند مرتكبتها بل يمتد بقسوة الى الأحباء ويردعهن.

يسود الألم والخيبة قصص هيفاء بيطار القاتمة التي كتبت بسر تسجيلي ونزعة تعليمية سادت بعض الأدب الغربي في القرن التاسع عشر. لا تصدق راويات القصص اننا لا نزال نعاني من الفقر والكبت والقمع، وتتكرر عبارة «رائحة الألبسة المستعملة» في اكثر من قصة. تبلغ النسوية ذروتها في «ليلة الدخلة والمصباح الكهربائي» التي تختار بطلتها دور الريادة عن كل بنات جنسها فتقع ضحية خيارها. نساء بيطار قويات يعترفن برغبتهن في الحبيب ونفاد صبرهن قبل اللقاء الحميم. العروس الجميلة تقول لعريسها جرّاح التجميل انها تشتاق إليه وتحس بالشهوة تخترقها كسهم من نار. لكن الطبيب يحمل المصباح ويطلب فحص عذريتها لأنه لا يريد ان يخدع. لا تحاسبه عروسه على سلوكه مع الفتيات في اميركا وغيرها لكنها ترفض محاسبته لها وتنتهي في ليلة زفافها عذراء مطلقة. فرصة أخرى للحب تضيع في «فخ الحب» عندما تتفق معلمة سورية ومعارض عراقي يعيش في لندن على اللقاء في باريس. لا تحضر العاصمة الفرنسية إلا في كليشيهات من نوع «كل ما حولها ساحر وباهر» و «باريس المرهقة من شدة جمالها». تعرفا على الإنترنت وجذبها بعبارة «أفكر في الموت تفكيراً عميقاً». كانت مطلقة على عتبة الخمسين ووعدت قلبها بربيع ثان، لكنها صدمت ببخله وسلبيته عندما التقيا. تسعى المدرّسة الى سعادتها وتقوّم الرجل وتأخذ قرارها بنفسها، لكن بطلة «حسنة» تتفانى في خدمة اخوتها، ولا ترد على سخريتهم وخجلهم منها إلا بوصيتها التي رفضت فيها مشاركتهم في جنازها.

تقود المرأة الرجل الى الانكشاف في «امرأة متخلفة» و «بلا عنوان» مستخدمة ضعفه نحوها، لكنه يبقى غافلاً عن معاييره المزدوجة ورغبته في امان الزواج وإثارة العشق على حساب امرأتين. تسخر الرواية من الكليشيهات التي يستعين بها: «هل تعرفين ان الحرمان الجنسي يجعلنا نتدهور روحياً وجسدياً؟»، وتتساءل عن رد فعله عند تفكير زوجته مثلاً بالخيانة. «القاتلة» عن رجل جاهل غريب يشوش عمداً صورة الأب المقدس لدى طفلته. يجلس امامها شبه عار ويشعر بمتعة هائلة وهو يتأمل اضطرابها من دون ان يفكر حقاً بالتحرش بها.

وفي «كومبارس» و «مقام الحب» نظرة حنونة الى الإعاقة التي تمنح صاحبها، ذكراً وأنثى، نبلاً يفسره الآخـــرون ضعفــــاً. يوسف الطيب تزوج الفتاة الجميلة التي تركها صديق ثري بعد ان حبلت منه. لكنه يموت «كومبارس» كما عاش لأن المستشفى لا يملك إلا جهازاً واحداً للصدمــة الكهربائيـــة.

مودي بيطار

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...