«كسر الحدود»، إصدار جديد

30-06-2018

«كسر الحدود»، إصدار جديد

منذ غزو العراق عام 2003، وما تبعه من تأثير وويلات اقتصادية وإنسانية على بلاد الرافدين ومعها سوريا ولبنان (وغيرهما)، لم يحرّك «صفائح» المنطقة حدث مثل إعلان «الدولة الإسلامية» أواخر شهر حزيران من عام 2014. هذا الإعلان، مدفوعاًَ باجتياح آلاف المقاتلين لمحافظات العراق وجزء يسير من سوريا، شكّل دليلاً تاريخياً وملموساً لمعنى العيش في أوطان ممزّقة. أبو محمد العدناني «كسر الحدود» أمام «الخليفة». من ديالى إلى حلب، كما قال، ومنهما إلى كل العالم. جرح الموصل المفتوح نزف في دمشق وعلى حدود الأردن وفي لبنان. حينها، ظهر النأي بالنفس لبنانياً كواحد من مفاعيل الخبل السياسي والجبن الوطني... كما الذيلية تجاه «الأكبر»، أي إلى جانب من أراد أن تعمل السكين في رقابنا ونحن ندفن سلاحنا ووعينا في التراب. المؤسف (والطبيعي) أن جزءاً من الأحزاب السياسية رأت في حريق سوريا طريقاً نحو بناء دولة السيادة. مآسي النزوح والفاقة الاقتصادية على البلدين غابت عن أعين هؤلاء. المضحك أيضاً وأيضاً، أن حال هذه «الفئة» تدهورت «أخلاقياً» من سردية ميشال شيحا وشارل مالك عن «الإشعاع المحلي» و«النموذج اللبناني» إلى ذيل ملتحق... بذيل في قاطرة أميركية. المأساة الإضافية أن هؤلاء أفلحوا خلال مرحلة طويلة في تكبيل الجيش اللبناني في مواجهة الإرهاب تحت عناوين الحياد وتضرر اللاجئين.


إن كان من مفيد في «كسر الحدود» على الطريقة «الداعشية» فهو إعادة تذكير شعوبنا بمصيرها الواحد وبحدودها الواهية. هذه ليست دعوة نحو «أمة واحدة» لكنها عن حق ــ وبتجربة الدم والنار ــ صورة عن همّنا ومصيرنا المشتركين. ماذا يعني اليوم البحث عن فتح المعابر بين دمشق وبغداد ودمشق وعمان، وتبعا لذلك بيروت/ بغداد وبيروت/ عمان؟ ماذا يعني ذلك لاقتصاد هذه البلدان وأهلها؟ لقد أكدت الأحداث أنّ ما أصاب العراق يصيب سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والعكس صحيح. «سايكس بيكو» ليس قدراً، واليوم بقيَ منه إطاره الجغرافي. عملياً، التوازن العسكري في جنوب لبنان سببه جبهة ممتدة من غزة إلى حدود إيران. و«الجبهة الشمالية» عند العدو الإسرائيلي تعني لبنان وسوريا مع ما تحمل من امتدادات أوسع إقليمياً.


في المعنى النفسي لدى عائلة شهيد في جبشيت مثلاً، لم يعد «الدمّ الهادف» في أرض جنوب لبنان فقط. هذا القتال إن كان في أقاصي البادية السورية أو في حاضرة عراقية لم يعد يختلف عن معركة على بعد هضبة خلف بيت هذه العائلة. لا بل أضحى من الملزم، أحياناً، أن تدافع عن نقطة على بعد مئات الكيلومترات لتُنجي أهلك وشعبك ووطنك.

أبو بكر البغدادي ليس مجنوناً أو مجرد حالم. لسنوات تحكّم بمنطقة أكبر من سوريا ولبنان مجتمعيْن. قتال «داعش» وهزيمته ليس ضد «أصل الفكرة» بل ضد المنفذين ودمويتهم وطريقتهم ومن استفاد منهم. «داعش» لم يُزل (أو كاد) لكي تحيا الكيانية المنعزلة. من مصائب المنطقة تظهر حيوية وضرورة الحياة معاً باقتصادات متعاونة لتنهض دولنا وتدمل بعض من جراح التفتيت. يوم أصبحت «مصر أولاً» غطّ أنور السادات في مطار بن غوريون. ويوم رفع شعار «لبنان أولاً» وقّع اتفاق 17 أيار... وكذا وصولاً إلى «أوسلو». «داعش» يُخبرنا من حيث لا يدري أن المقاومين (في جميع الأوطان) لمشاريع الخارج هم «الممثل الشرعي والوحيد» لبلدانهم، إن كانوا من حملة السلاح أو داعمين لهم في أيّ حقل. ولأن الذيل لا ينتصر (ولا يُخطط ومسلوب الإرادة والوعي)، المعركة المفتوحة اليوم ليست ضد فئة/ فئات من شعوب المنطقة بل هي ببساطة ووضوح ضد «الرأس» الذي يستفيد من نخر مذهبيّ وهشاشة الكيانات.

 

إيلي حنا -الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...