«في أمل» على خشبة سعد الله ونوس: «نسخ ـ لصق»

26-10-2016

«في أمل» على خشبة سعد الله ونوس: «نسخ ـ لصق»

قبل أشهر قليلة فقط قدّم المخرج تامر العربيد عرضه «سوريون بعنوان» (10- 14 أيار الماضي)، بكونه مُشرفاً فنيّاً على طلاب التمثيل في «المعهد العالي للفنون المسرحية»؛ وقتذاك استعان العربيد، بالفنان زهير عبد الكريم في دور الراوي ليصل بين لوحات عرضه المشتقّ أصلاً من تمارين الطلبة.
يعود عميد المعهد المسرحي اليوم إلى تدوير هذه التمارين تحت عنوان جديد حمل اسم «في أمل»، تجربة لا تعكس سوى مشكلة في صميم المخيلة الإبداعية وضعف في الإدارة الحالية التي باتت تستقي عروضها من دروس الأنماط والإيقاع والإيماء والإلقاء التي وظّفها صاحب «السمرمر» من حصص درسية أشرف عليها كل من سامر عمران و وسيم قزق وكفاح الخوص ونورس عثمان.
فبركة تجربة
 ليست المشكلة في إعادة عرض، فهذا طبيعي في سياق عملية الإنتاج المسرحي، لكن المشكلة أن فبركة تجربة من دروس الطلبة ثم إعادتها تحت عنوان وختام مختلفين، أخذت هذه المرة منحىً جديداً في التعامل مع جمهور كان قد شاهد تمارين تمت «نسخ - لصق» من داخل استوديوهات المعهد، فلا إشارة لذلك على بروشور العرض الذي جاء ضمن «أول الحكاية 2» الفعالية التي ينظمها المعهد كبداية للعام الدراسي الجديد، مستعيناً بطلابه من أقسام التمثيل والنقد والرقص والسينوغرافيا لإقامة مثل هذه التظاهرة.
رقص هندي وتجسيد لروايات هجرة وذكريات الأيام الأولى من ورشة الممثل، وتقليد سمج من قبل الطلاب لأساتذتهم، حُشِرت بينها حياة المخيم الفلسطيني وزين الدين زيدان ومطارات دول اللجوء وقوارب الموت نحو أرض الميعاد «ألمانيا»، تشابكت هي الأُخرى مع قصائد محمود درويش «مسافر في الباص» و «الجدارية» و «تعاليم حورية» و «مديح الظل العالي». محاولة كان يمكن لها أن تصوغ عرضاً لولا أنها جاءت هنا كخاتمة مُقحمة عل لوحات أرادها العربيد متوازية مع الجحيم السوري الراهن، لتظل في صيغتها الجديدة غير قادرة على توليف عرض متكامل، بل بقيت على السطح فقيرة وناتئة ومعبّأة بالتهريج والسخرية والأكروبات والاستعراضات الفائضة.
لا نص ولا مخرج ولا ممثلون، فنحن في «في أمل» أمام مرثية جديدة لمؤسسة أكاديمية كانت منذ تأسيسها عام 1977 يباهي طلابها ومدرّسوها بتقديم أصعب تجارب المسرح العربي والعالمي على خشباتها، متصديةً عبر مخرجين وكتّاب من مثل فواز الساجر ومانويل جيجي ونائلة الأطرش وممدوح عدوان وغسان مسعود وفايز قزق وسامر عمران وسمير عثمان لتحقيق روائع سوفوكليس وشكسبير وتشيخوف وبريخت وأدوارد ألبي وهارولد بنتر وتينسي وليامز وصموئيل بيكيت ووليام سارويان وآخرين.
مزاج الهواة
 اليوم يسود الارتجال الحر لمنطق تدريس الطلبة الذين لم يمتثلوا جميعاً لإعادة «سوريون بعنوان» حيث تمرّد خمسة عشر طالباً وطالبة من السنة الرابعة - تمثيل على هذا السلوك، منسحبين من العرض في نسخته الراهنة. ردُّ فعلٍ يبدو طبيعياً في معهد ذي صبغة أكاديمية لم يبق أمامه سوى العمل بمزاج مسرح الهواة، والانجرار أكثر إلى محاكاة طلبته لأداء المسلسلات التلفزيونية وطبيعة شخصياتها الكرتونية المسطّحة.
هكذا غابت أصداء تلك العروض التي كانت تعدّ حدثاً ثقافياً على مسارح العاصمة، جمهور عريض يختفي الآن عن كراسيّ الفرجة السورية. ذواقة فن لطالما تعاطفوا مع فتيات لوركا في «بيت برناردا ألبا» وحفظوا عن ظهر قلب مونولوغات كاملة للدكتور أندريه افيمفيتش في «العنبر رقم ستة» وحزنوا لمصير أكاكي أكاكيفيتش في «معطف غوغول»، أو لمأزق بلانش في «عربة ترام تدعى الرغبة».
لا أوفيليا هنا تغرق في مياهها العميقة الميتة مكللةً بالبنفسج، ولا ألماسة في «طقوس الإشارات والتحولات» تواجه نقيب الأشراف وتفضح زيف المدينة المحجّبة وتقية رجالاتها المزوّرة. لا أثر يذكر في أكاديمية المسرح العليا لـ هاملت أو إياغو أو ديزدمونة ولا مخدوعهما عطيل، لقد تم تنظيف المعهد من هؤلاء، نحو أشباه وحطام شخصيات نمطية تقدم فرصة لهذا الطالب أو تلك الطالبة للانتساب إلى بورصة المواسم الرمضانية؛ دافعةً بالمعهد العالي للفنون المسرحية في ظل وراثة الأبناء لآبائهم وهجرة بعض الأساتذة و «تطفيش» البعض الآخر، ليصبح معهداً عالياً للفنون التلفزيونية، ومرآةً أخرى لضيق حال «المحكومين بالأمل» معلنةً نهاية الحكاية في لوحة لم تذر لعشاق أبي الفنون سوى تقنيات: «البكاء على الطريقة اليابانية»!

سامر محمد اسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...