«عرب» منسيّون: جزر القمر نموذجاً

26-03-2009

«عرب» منسيّون: جزر القمر نموذجاً

لدى فئة اليائسين من جدوى وجود جامعة الدول العربية، الكثير من الحجج التي لا يفيد الاستخفاف بها؛ دعك من محاولات إثبات عقم الجامعة في إحراز أي إنجاز لقضايا العرب. دعك أيضاً من محاولة إقناع محاورك بعدم فائدتها في حل معضنساء قمريات يستقبلن الرئيس الإيراني في العاصمة موروني في شباط الماضيلات المواطنين العرب في التنمية وتوفير أدنى شروط العيش الكريم.
فلننسَ مؤقتاً فلسطين والعراق والسودان والصومال والخلافات العربية ومبادرة السلام والمصالحات وعدم تنسيق العرب حيال إسرائيل. فلننسَ الحروب العربية والتفاوت الثقافي بين مشرق العرب ومغربهم. أجّل التساؤل عن الديكتاتوريات العربية المموّهة بأنظمة اقتصادية ريعية. تواضع وأعِد قراءة شيء من ميثاق الجامعة، وابدأ باستعراض أسماء الدول الأعضاء. لا بد أن تستوقفك كلما أعدت تعداد الدول الـ 22، أسماء كجزر القمر، وجيبوتي والصومال. دول قد يكون السبب الوحيد لانضمامها إلى الجامعة، هو أن تتخلّص من الاستخفاف العالمي بوجودها كدول سيدة مستقلة بعد تحرّرها من الاستعمار الأوروبي. لكنها لم تجنِ من حملها الهوية العربية سوى الانتقال إلى حيّز الدولة المنسية من فضائها الجديد. أرادت الاستفادة من خيرات العرب، فلم تنل سوى انتساب بمستوى عاشر إلى ناديهم.
المعادلة بسيطة؛ من بين جميع سكان الدول العربية، ما هو عدد الذين يعرفون أن اللغة العربية لعضوين في الجامعة، الصومال وجيبوتي، ليست لغة رسمية؟ سؤال وجودي أثار لغطاً كبيراً ومعارضة أكبر عند قبول عضوية الدولتين (الصومال في 1974 وجيبوتي في عام 1977). ولأن العرب يعطون التاريخ قيمة لا يعطيه إياها سواهم، وجد مسؤولو الجامعة في حينها الجواب الشافي: «جذور هاتين الدولتين عربية». يستطيع الأمين العام للجامعة في تلك الحقبة، المصري محمود رياض، أن يسجّل الجواب في سجل براءات الاختراع.
سؤال آخر وأبسط: كم عربيٍّ يمكنه تحديد موقع جزر القمر على الخريطة؟ كم عربي يعرف اسم عاصمة جيبوتي (جيبوتي) أو جزر القمر مثلاً (موروني)؟
جزر القمر، دولة عبارة عن أرخبيل من 4 جزر، لا تتعدى مساحتها 2170 كيلومتراً مربعاً، يعيش فوقها 700 ألف نسمة، يتحدثون أربع لغات رسمية. وصحيح أنّ اللغة العربية هي لغة رسمية إلى جانب الشيكومور والملغية والفرنسية، لكن لا يجيدها سوى 35 في المئة من المواطنين.
دولة يحكمها منذ عام 2001، أحمد عبد الله سامبي، الذي ورث أنظمة صنّفتها التقارير الدولية بأنها «من بين الأكثر استبداداً». دولة تتألف من أربع جزر شبه مستقلة، ولا يجمعها سوى افتقارها شبه الدائم إلى كل شيء: الكهرباء، المواد الغذائية الأساسية، الماء الصالح للشرب... هل يصدّق مواطن قطري مثلاً، أنّ 84,07 في المئة من الأطفال في جزر القمر يموتون فور ولادتهم؟ هل يفهم لبناني أنّ 21 ألف قمري فقط يستخدمون الإنترنت من أصل 700 ألف مواطن؟ ورغم كل شيء، فقد انتسبت عام 1993 إلى الجامعة العربية، وباتت عضواً كاملاً شأنها شأن مصر مثلاً!
ومنذ ذلك التاريخ، لا يزال معدل الدخل الفردي السنوي للمواطن في جزر القمر نحو 600 دولار، بينما يتعدّى عند الكويتي الـ 31 ألف دولار. وماذا فعلت الجامعة العربية لجزر القمر منذ عام 1993؟ لا شيء إطلاقاً، لا في السياسية ولا في الاقتصاد والتنمية. لا بل من شبه المؤكد أن 16 عاماً في حضن العرب، أعطت المطالبين القمريين بالانضمام إلى فرنسا، حججاً كافية للتشدد في إصرارهم على الارتماء في الحضن الفرنسي الذي يرفضهم أصلاً.
9 قمم عقدها العرب منذ عام 1993، لم تتمكن القيادة القمرية من حضورها جميعها (شاركت في قمم دمشق والدوحة والكويت أخيراً)، ليس لسبب يتعلق بمعارضة جدول أعمال القمة، بل ببساطة لعجز في تأمين تكاليف سفر الوفد أو لعدم توافر وجود رئيس يجرؤ على مغادرة بلاده خوفاً من انقلاب محتمل.
وهنا قد يتذكر متابع الصحف العربية، أنه في أيار 2007، قرأ خبراً أعلنته الجامعة تبشر فيه بأنها نجحت، بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي، في إحباط «انقلاب عسكري كان وشيكاً في جزر القمر وحل الأزمة السياسية الطارئة بسبب تمرد رئيس جزيرة أنجوان العقيد محمد بكر، على قرار الرئيس سامبي، بإقالته من منصبه لانقضاء فترة ولايته».
وحينها، اقتصر دور الجامعة العربية على الاتكاء على الاتحاد الأفريقي، الذي تمكّن من إقناع بكر، بـ«الامتثال لقرار إقالته مقابل عدول سامبي عن ملاحقته قضائياً لأسباب سياسية».
وحتى في عام 2001، حين كادت جزيرة إنجوان تستقل عن جزر القمر، وقفت الجامعة العربية في موقع المتفرّج إلى حين أطلعها سفير جزر القمر في القاهرة، مندوبها الدائم لدى الجامعة، محمد علي، على تفاصيل الاتفاق الذي حال دون تقسيم الأرخبيل. اتفاق منح كل جزيرة المزيد من صلاحيات الحكم الذاتي في إطار الاتحاد الفدرالي لجزر القمر.
وحين تفاتح مسؤولاً عربياً بالسؤال عما فعلته الجامعة العربية لجزر القمر، يهمّ بتذكيرك كيف أنّها أرسلت وفداً في حزيران 2008، برئاسة السفير عبد الله العريمي، للمشاركة في مراقبة الانتخابات الرئاسية في جزيرة إنجوان «استكمالاً لجهود الجامعة من أجل فرض السلام والاستقرار في جزر القمر باعتبارها أحدث دولة عضو في الجامعة العربية». لكن لا يجد المسؤول جواباً عن مؤتمر الحوار الوطني القمري الذي كان من المفترض أن تنظمه بعد الانتخابات، ولا عن مصير «المؤتمر العربي بشأن الاستثمار والتنمية في جزر القمر» الموعود.
إنّ مراجعة ما أتت به البيانات الختامية وتوصيات القمم التسع بشأن الشأن القمري، تثبت أنّ هذه الدولة بالنسبة إلى العرب، مجرد رقم إضافي. أكثر ما تفضّل به الزعماء العرب، وخصّصوه لجزر القمر في قممهم، إضافةً إلى الإعراب عن أملهم باستمرار وحدة البلاد وعدم استقلال جزيرة إنجوان، هو إعطاء الكلمة لرئيسها. كلمة غالباً ما تغيب تغطيتها عن شاشات الفضائيات العربية، وتقتصر على شكر الدولة المنظمة، وعلى توسّل مساعدات لبلاده الغارقة في غياهب العالم العاشر تنموياً واقتصادياً وسياسياً.

آرنست خوري

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...