«دكان شحادة» لخالد يوسف إفلاس فني أم كبوة عابرة

08-08-2009

«دكان شحادة» لخالد يوسف إفلاس فني أم كبوة عابرة

هيمنت في السنوات الأخيرة الماضية موجة من الأفلام الكوميدية التجارية على السينما المصرية، هذا ما تسبب بإفراغها من قيمتها الفنية حتى باتت الأفلام الروائية أو الدرامية الهادفة التي يحاول صناعها تقديم قيمة فنية أو فكرية عملة نادرة في هوليود الشرق، وضمن هذه الفوضى الكوميدية قدم بعض المخرجين عدداً من الأفلام الهادفة في محاولة منهم لإيجاد خط فكري موازي للتجارب الأخرى التجارية، ومن أهم هذه الأسماء المخرج خالد يوسف الذي عرف عنه أنه التلميذ الوفي لتجربة والأرث الفني للمخرج الراحل يوسف شاهين بعد أن عمل معه مساعد مخرج في أعماله السينمائية الأخيرة التي كان آخرها «هي فوضى» والذي أتم عملياته الفنية بعد رحيل شاهين المفاجئ، ومنذ أول أفلامه السينمائية حاول خالد يوسف أن يؤسس لنفسه خطاً فكرياً وأسلوباً إخراجياً متفرداً، يعتمد فيه بشكل أساسي التطرق وتسليط الضوء على مشاكل وأزمات المجتمع المصري القديمة منها والمعاصرة وربطها بسياقها التاريخي، والتي يمكن تعميمها على المجتمع العربي الذي يتقاسم الأزمات والمعاناة مع المجتمع المصري، ولعل فيلم «حين ميسرة» من أكثر أفلام يوسف نجاحاً وتأثيراً، بعكس فيلم «دكان شحادة» الذي أثيرت حوله موجة دعائية واسعة ووعد يوسف أن يحقق به نجاحاً استثنائياً.
يبدأ «دكان شحادة» بمشاهد وثائقية مسجلة ومختارة بعناية من بعض عناوين الصحف وعبر تقنية الفلاش باك «الخطف خلفاً» التي اختارها المخرج في عرضه للأحدث يدمج هذه الأحداث الوثائقية بجملة من المشاهد التمثيلية المخرجة بأسلوب أقرب إلى الوثائقي الذي يستهل بها يوسف مجمل أفلامه التسعة السابقة، من العنف السائد وسرقة قطارات القمح والمشاجرات على لقمة العيش بين الشعب والحكومة التي تحاول يائسة فرض النظام، ينقلنا يوسف عبر بانوراما أحداث خاصة بالمنطقة العربية المثقلة بالحروب والانكسارت المتلاحقة من حرب العراق الأولى والثانية والغزو الأمريكي وإعدام صدام حسين، إلى أحداث غزة الأخيرة وحرائق مسرح بني سويف وقطار الصعيد والكثير غيرها مهيئاً متابع الفيلم لجملة من الصدمات والمشاهد القاسية التي تأتي نتيجة حتمية لهذه الانتكاسات المتلاحقة وأثرها على المواطن العربي، نعود إلى عام 1981 والحدث الأبرز هو اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، وضمن حالة التخبط والفوضى ومنع التجول، يختار كاتب السيناريو ناصر عبد الرحمن أسرة مصرية صعيدية بسيطة تقيم في القاهرة لتكون الحامل الأساسي لأحداث الفيلم، تنطلق الحبكة من تناقضات مفاهيم الملكية والسياسية في المجتمع المصري، حيث يحاول الحاج حجاج «لعب الدور محمود حميدة» كسب ملكيته الخاصة والصغيرة وانتزاعها من رحم الإقطاع الجديد الذي ترعرع تحت ظل الفكر الاشتراكي العربي الهجين الذي يمثله الدكتور مؤنس «عبد العزيز مخيون»، يولد شحادة –الشخصية المركزية في الفيلم-  للحاج حجاج الذي يعيش يتيم الأم بين أخوته الثلاثة الذين ينظرون له طيلة الوقت على أنه هجين ودخيل على الأسرة، مع تقدم شحادة بالسن تبدأ الخلافات بالتصاعد مع أخوته بسبب محبة والده الاستثنائية له، يتنقل مخرج الفيلم بالزمن سريعاً مما تطلب من المشاهد متابعة خاصة، يتآمر أخوة شحادة عليه بعد موت والده طمعاً في المبلغ الضخم الذي عرضه عليهم ابن الدكتور مؤنس العائد من أمريكا ثمناً لدكان شحادة وبيتهم الصغير الذي منحهم إياه والده في زاوية حديقة منزله الكبير، يدخل  شحادة السجن ظلماً بتهمة التزوير ويترك بيسة «هيفا وهبي» وحدها في مواجهة ضغوطات وممارسات أخيها كرم غباوة «كرم عبد الجليل» بطل العشوائيات وسلسل الجهل والتخلف والذي يعتبرها سلعة تباع وتشترى، تجبر بيسة على الزواج  من الأخ غير الشقيق لشحادة لتعيش معه مقهورة رغماً عن إرادتها، تتصاعد الأحداث بعد خروج شحادة من السجن باحثاً عن أخوته وخطيبته السابقة، هنا نتعرف على مصر الجديدة في وقتنا الحاضر، عبر مشاهد أدخلها مخرج الفيلم بأسلوب لم يبتعد عن السذاجة الفنية، عندما اختار تقنية «الستوب كادر» في عرضه للعديد من أزمات المجتمع المصري، مثل الفقر والجوع وتفشي الجهل والعنف غير المبرر في الأزقة البعيدة عن عين العدالة، الوجه المغلوط والمبتذل للديمقراطية العربية المجسدة بالطريقة الكاريكاتورية التي تدار بها الانتخابات البرلمانية على يد كرم غباوة وزملائه من المنتفعين الذين يشترون أصوات الناخبين إما بالمال أو بالدجاج المجمد، ينتهي الفيلم بلقاء مغرق بالميلودراما يجمع شحادة مع أخوته وينتهي بمقتله بطريقة مبتذلة على يد أخيه الذي تزوج حبيبته.
 من الناحية الفنية أبتعد المخرج خالد يوسف عن الموضوعية في تقديم أحداث فيلمه وأغلب شخصياته، فالأحداث الدامية والصور المؤلمة لمعاناة المجتمع المصري والتي أغرق بها فيلمه، لن تكن منسجمة تماماً مع الخط الدرامي، وكان الدراما في الفيلم محشورة به لخدمة المشاهد آنفة الذكر، حيث من الممكن أن يتبدل الخط الدرامي بشكل كلي وتبقى مشاهد العنف والمعانة ذاتها دون أن يتغير شيء، بعكس «حين ميسرة» الذي اعتمد فيه بشكل أساسي على الجانب الدرامي الذي حاك ورسم عبره أوضاع المجتمع المصري فجاء الفيلم أكثر موضوعية ومصداقية، من أهم أسباب سقوط الفيلم فنياً هو طريقة تقديم شخصية شحادة على أنه شاب رومانسي بعيد كل البعد عن حركة المجتمع  أو متغيرات، حيث يخرج من سجنه وهو بغاية الشوق لرؤية أخوته على الرغم من معرفته المسبقة بأنهم من كان وراء سجنه ظلماً، ينحي شحادة مسألة الانتقام ببساطة لينته به الأمر مقتولاً بيد أخيه بمشهد صدم الكثيرين بسبب تدني مستواه الفني بعكس ما عودنا عليه يوسف في لحظات الذروة الدرامية في أفلامه السابقة، أيضاً الاختيار الخاطئ من قبل المخرج  لهيفا وهبي لتأدية دور بيسة، حيث لم تستطع رغم محاولاتها الجادة أن تبتعد عن شخصيتها الأساسية للتماهي مع شخصية بيسة، وهنا يكمن عجز المخرج خالد يوسف في تطويع أنوثة هيفا أو ترويضها لصالح الشخصية السينمائية لتبقى هيفا هي هيفا، حتى بتنا نتساءل هي أفلس تلميذ يوسف شاهين وصاحب الانقلاب الجديد في السينما المصري؟ أم أنها كبوة عابرة؟

أنس زرزر
نشرت في جريدة البناء السورية    

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...