«الجزيرة» سقطت.. لم تسقط

24-07-2013

«الجزيرة» سقطت.. لم تسقط

تعتبر قناة «الجزيرة» واحدةً من أكثر وسائل الإعلام إثارةً للجدل منذ نشأتها العام 1996. وبعد موجة الاستقالات من مكتب «الجزيرة مباشر» في مصر، مطلع الشهر الحالي، عاد السؤال عن «سقوط الجزيرة» إلى الواجهة من جديد. وتلك لازمة تكرّرت خلال العامين الماضيين، وتصاعدت مع خروج الأمير حمد بن خليفة آل ثاني من الحكم. ويتذكّر كثيرون، أن تقديم منحة قدرها 150 مليون دولار لإنشاء القناة، كان من أوّل مشاريع حمد بعد أقلّ من عام على توليّه السلطة. جاء ذلك بالتزامن مع إغلاق القسم العربي لتلفزيون «بي بي سي» العربي، الذي تمّ إنشاؤه أصلاً بالتعاون مع المملكة العربية السعودية (أعادت هيئة الإذاعة البريطانيّة إطلاق تلفزيونها العربي العام 2008). وتحوّل عدد من العاملين في المحطة المُغلقة إلى جزء من الكادر المؤسس للقناة الوليدة. (أرشيف ـــ رويترز)
لا يمكن إنكار الدور الفاعل الذي لعبته «الجزيرة» في الكثير من الأحداث التي شهدتها المنطقة، مستفيدةً من ذلك لتشكل حالة احترافية متفردةً ساهم فيها خلو الساحة من المنافسين الفعليين. ومنذ بدء موجة الربيع العربي لعبت القناة ــ وما تزال ــ دوراً بارزاً لا في نقل الحدث فحسب، بل في صناعته أحياناً. وكما قسم «الربيع العربي» كلّ شيء في الشارع، انقسم المتلقّون حول القناة التي عاشت «أزمات» اعتبرها مناهضوها بداية لسقوطها. استقال كثيرٌ من العاملين فيها على خلفية الحدث السوري، وتكرّر ذلك على خلفية الحدث المصري. كما شهدت تغييرات إدارية أبرزها تعيين الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني مديراً عاماً بدلاً من وضاح خنفر.
غير أنَّ تلك «الأزمات» لم تغيّر شيئاً من استراتيجيات «الجزيرة»، بل مضت ثابتة في المسار ذاته. صحيح أنّها فقدت الإجماع شبه المطلق الذي كانت تحظى به، إلاّ أنّها ما زالت تُعتبر بنظر عدد غير قليل مصدراً أساسياً للخبر، وما وراءه. تسهم في ذلك أسباب كثيرة، منها توافق الأهواء السياسية، والانحياز العاطفي، ووقوع محطات أخرى في فخّ التناول الأحادي للأحداث الساخنة في المنطقة.
الباحث عن الموضوعية المطلقة في المشهد الإعلامي أشبه بالباحث عن إبرة في كومة قشّ، يحتاج العثور عليها صبراً أسطورياً، لكنه ممكن، بخلاف وسائل الإعلام الحكوميّة مثلاً. وقد عرفَ المشهد العربي عشرات الوسائل الإعلامية المموّلة ــ سراً أو علناً ـ من قبل أنظمة بعينها، من بينها وسائل تختفي بغياب مموّليها عن الساحة السياسية، وأخرى تحترف إعادة توجيه بوصلتها كلّ حين تبعاً لتغير مصادر التمويل، وثالثة يقرر ممولوها تحويلها إلى ورقة محروقة بانتهاء صلاحيتها، بعد أن تؤدي الدور المنوط بها... ويمكن لمقاربة المتغيرات التي مرّ بها الإعلام العربي من هذه الزاوية أن تنتج رؤىً معاكسةً للسائد والمتداول.
تأسيساً على ما سبق، يصبح التهليل لـ «سقوط الجزيرة» فعلاً في غير مكانه، ويمسي مصطلح السقوط بحد ذاته توصيفاً خاطئاً. والأدقّ هنا، أن القيّمين على المحطة قرّروا المضي في استثمارها حتى النهاية، ولا بأس إن تحولت لتصير قناة رأيٍ دونَ آخر ما دامت قادرة على التأثير. ثمة توقيت مناسبٌ لحرق الأوراق، يبدو أنه لم يحن بعد. تروي لنا مسرحية «رأس المملوك جابر» للراحل الكبير سعد الله ونوس حكاية تاريخية حقيقية، إذ يأمر الوزير بحلاقة شعر جابر، وكتابة رسالة على جلد رأسه يرسلها إلى «بلاد العجم» لإخبار ملكها بأن الوقت مناسب لغزو بغداد. وفي نهاية الرسالة يطلب الوزير من ملك العجم قطع رأس المملوك.. فقد أدى الدور المطلوب منه.. حكايةٌ ما زالت تتكرر في كلّ حين.

صهيب عنجريني 

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...