تصنيع الثورات: من ربيع براغ إلى ربيع سورية: لماذا انتحر غازي كنعان

23-05-2013

تصنيع الثورات: من ربيع براغ إلى ربيع سورية: لماذا انتحر غازي كنعان

الجمل- بشار بشير: ربما لن يُعرَف تاريخ أول ثورة قام بها الإنسان ولن يُعرف من قام بها ربما يكون نوح (ع) والرسل من بعده هم أول من قام بثورات أو يمكن أن نقول أن سبارتكوس هو صاحب أول ثورة مؤرخة , المؤكد أن الإنسان عرف الثورات منذ أن عرف المجتمع .

أكثر الثورات التي ذكرها التاريخ هي ثورات على الظلم و على العبودية والتاريخ كان منصفاً ففرق بين الثورات الحقيقية و بين الحركات المرتبطة بغايات سلطوية و إرتباطات دولية .وظل هذا التفريق موجودا حتى ابتلانا الله بالإعلام الأميركي الذي أصبح يصنف على مزاجه ويكتب التاريخ كما يناسبه .

أميركا بدأت تعي إمكاناتها الإمبراطورية مع إنخراطها في الحرب العالمية الأولى ثم فرضت نفسها خلال الحرب العالمية الثانية لتبرز زعيمة للعالم الغربي أو ما كانوا يدعونه العالم الحر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية . لم ينغص زعامة أميركا إلا وجود خصمها اللدود الإتحاد السوفييتي لذلك لم تتردد أميركا لحظة واحدة في فتح المعركة معه وهي تكاد تكون بدأتها وهم لا زالوا حلفاء, فأثناء قتالهم متعاونين ضد النازية كادت المعارك تتفجر بينهما وهما يسعيان ليسبق أحدهما الآخر في إحتلال برلين ليقطف مجد الإنتصار ويقطف معه كنوز ألمانيا من الثروات والأدمغة . سريعاً ما أصبحت الحرب معلنة وانغمست أميركا في تشكيلة واسعة من المعارك ضد الإتحاد السوفييتي . بعضها كان موجهاً لقلب الإتحاد مباشرة والآخر كان يعمل على قضم أطرافه أي إخراج الدول المتحالفة معه والداعمة له من دائرته، وهنا تفتقت عبقرية المؤامرة الأمريكية عن فكرة الثورات الشعبية المخطط لها والمدعومة مادياً وإستخباراتياً و إعلامياً ودولياً . لم تكن الخطة لتوليد ثورة واحدة فقط كانت خطة ممنهجة وصالحة لإعادة الإستخدام وقابلة للتوالد كلما دعت الحاجة , وللحقيقة فهي خطة عبقرية إستغلت إمكانات أميركا وحلفائها المادية و استغلت الإعلام الغربي و إنتشاره غير المنافس وقدرته على إصطناع البروباغاندا كما استغلت معرفة عميقة ناتجة عن دراسات طويلة لقيادة الجموع الشعبية وتحريكها والتأثير على أفكارها ومزاجها. وما إن أصبحت النظرية والأدوات جاهزة حتى أنطلقت أميركا للعمل . هل كان ربيع براغ هو أولى تجارب تصنيع الثورات أم أن الصدفة وضعت هذه الثورة التشيكية في طريق أميركا فاستغلت الفرصة لتدرس عملياً ما وضعته من نظريات , لن نعرف ولكن ما نعرفه أن أميركا استغلت الثورة التشيكية ضد السوفييت لآخر قطرة، و جرياً على عادتها فقد سعت كي لايستفيد أصحاب الثورة منها فنتائج أي ثورة يجب أن تجير لصالح أميركا فقط . ولم يشفع لتشيكوسلوفاكيا أنها صاحبة أول ثورة على الإتحاد السوفييتي فقد كانت مكافأتها بالنهاية أن قسمتها أميركا إلى بلدين لا يبدوا أنهما سيعاودان الإتحاد .
نضوج الخطة الأميركية ونضوج ظروف تطبيقها حل في نهاية ثمانينات القرن الماضي , أحد الظروف الأهم التي توفرت لتطبيق الخطة الأمريكية للثورات هو التوسع الإعلامي والإنتشار الكوني لوسائل الإعلام التي تعتمد خطة الثورات عليها بشكل كبير . وهكذا رأينا في تلك السنوات سيلاً من الثورات المتلاحقة . لنعود قليلاً بالذاكرة ونراجع بعض تفاصيل هذه الثورات على ضوء خبراتنا التي تراكمت بعد أن شهدنا العديد من الثورات التي من المفترض أن تكون ثورات شعبية وطنية فهل هي كذلك ؟ نبدأ من ثورة التضامن ( سوليدارتي ) في بولندا. فجأة أصبح العمال البولنديون ومطالبهم مركز اهتمام العالم وأصبح أحد القادة النقابيون ( ليخ فاليسيا ) بشاربه الضخم أيقونة النضال ضد سيطرة الشيوعية ( من شروط الثورات الأميركية وجود شخصية أيقونية ) وأصبح خبر الثورة النقابية لهؤلاء العمال الخبز اليومي للعالم واتضح أن دولاً عديدة قد وضعت ثقلها وراء هذه الثورة عندما انصب دعم الكنيسة عبر البابا على الثوار؛ وللتذكرة فالبابا يوحنا بولس الثاني كان البابا البولندي الوحيد في تاريخ الكنيسة والبابا الغير إيطالي الأول منذ 420 سنة.. هل كان وجوده مع إندلاع ثورة بولندا ودعمه اللامحدود لها مصادفة ؟ نجحت " الثورة " في فصل بولندا عن الإتحاد السوفييتي وأصبح الرفيق ليخ رئيساً لبولندا ونال العمال الثوار فتات من مطالبهم ( هذا ما تمنحه الثورات الأميركية للثوار فهي معنية بمصالحها وليس بمطالبهم ) ولم يمض وقت طويل حتى نسي العالم الثوار ورئيسهم الذي شاهدناه يعود حاملاً زوادته للإلتحاق بعمله في حوض السفن الذي انطلق منه .لا تنسوا أن موضة تسمية الثورات بدأت هنا فقد سمت وسائل الإعلام الأميركية ومعها جوقة حلفائها الثورة البولندية بالثورة المخملية وهو اسم لا علاقة لأصحاب الثورة الحقيقين به فبالنسبة لهم كان اسم ثورتهم ( حركة التضامن ) .
في نفس سنة الثورة البولندية اندلعت الثورة في رومانيا ( لمحاسن الصدف لا لترتيبات مخابراتية خارجية ) ولعلها كانت الثورة الأولى التي تسير وفق المخطط الأميركي الموضوع للثورات بشكل كامل فهي بدأت بإحتجاجات صغيرة مبرمجة للمطالبة بحقوق مدنية ( مثل المظاهرات الأولى بسورية في الحريقة ثم في درعا ) سرعان ما تلقفها الإعلام ولعب لعبته بتسويقها لتتحول بسرعة إلى مظاهرات سلمية حاشدة ( هذه نقطة اختلاف سورية عن بقية الثورات المخطط لها خارجياً , الشعب لم يحتشد وراء الثورة ضد دولته ) تحولت إلى ما يشبه العصيان المدني وظهر أبطال حملوا العلم الذي قص جزء منه في وسطه كتعبير عن إسقاط رمز الدولة وجزء من هيبتها ( مثل استعمال العلم الأخضر بدل الأحمر عندنا ) وبدأ هؤلاء المدنيون بإقتحام مباني ومؤسسات الدولة في العاصمة تحديداً, لأنها رأس الدولة, والسيطرة عليها ورفع علمهم فوقها ( نقطة إختلاف أخرى حيث لم تعلن العاصمة ولا المدن الكبرى العصيان في سورية ) ترافق ذلك مع غياب تام لأجهزة الأمن الرومانية والتي كان ضمنها أحد أهم أجهزة المخابرات في العالم ( كان يدعى ستاسي) و إستنكاف الجيش عن التدخل وهذا يقودنا للتفكير بالإنشقاقات التي يُحضَّر لها لدعم هذه الثورات سواء كانت إنشقاقات علنية أوسرية يبقى أصحابها على رأس عملهم ( حاولوا جاهدين إحداث إنشقاقات مؤثرة في سورية ولم ينجحوا ) . وهكذا وجد الرئيس الروماني ( تشاوشيسكو) نفسه وحيداً، لم يتدخل لحمايته حتى جهاز أمنه الخاص ( الدولار كان يفعل العجائب في تلك الأيام ولا يزال ) فقرر الهرب لكن الجيش منع طائرته من التحليق وسرعان ما اعتُقل ليحاكم هو وزوجته ويعدم خلال ربع ساعة. قُضم طرف آخر من أطراف الإتحاد السوفييتي ورمي للنسيان , لتواجه رومانيا أوضاعاً أصعب مما كانت عليه قبل ثورتها المخملية التي أدى نزق أحد الثوار الذي تسرع بإطلاق النار على تشاوشيسكو لتخضيب مخملها بالدم . أظن أن قتل بعض الرؤساء أثناء الثورة مخطط له خاصة إذا كان ذو شعبية ( بغض النظر عما يقوله عنه الإعلام ) وذلك لأن إبقائه حياً يعتبر خطراً على الثورة حتى في حال نجاحها , هذا ما حصل مع القذافي أيضاً .
بعد النجاح العملي لخطة الثورات الأميركية (أكثر من مرة) أنتقلت إدارة الخطط من واضعيها الأصليين أي المخططين الإستراتيجيين الكبار في الإدارة الأميركية ليد موظفي النسق الثاني والثالث و مقاولي القطاع الخاص ( لا تستغربوا فهكذا تجري الأمور في الولايات المتحدة , وهكذا مثلاً انتقلت السيطرة على الإعلام المرافق للثورات من يد وكالة المخابرات ليد شركة ساتشي و ساتشي للإعلان ) ولذلك أصبح المتابع الحصيف للإعلام المطبل للثورات يرى فيه خفة تليق بالإعلانات التجارية ولا تتناسب مع سياسات دول وعمل أجهزة محترفة ( وقد خبرنا نحن السوريين هذا النوع من الخفة والإستسهال الإعلامي عبر الكثير من الأخبار المفضوح كذبها و تسويق الشخصيات المحروقة شعبيتها ) هذا لا يعني أن الخطط الأمريكية والبروباغندا الإعلامية لم تنطلِ على الكثيرين , ولكن بعض الدول الممسوكة بحزم وبعض الشعوب الواعية كانت ذات مناعة طبيعية تجاه الخطط الأميركية وهذا ما سيرد لاحقاً .

منتشية بإنتصاراتها تنطحت أميركا لمهمة كبيرة هي تصدير ثورتها المخملية إلى الصين متبعة ( الكتالوج ) الذي وضعته لصنع الثورات , تصنيع نشطاء مدنيين ينضم إليهم بعض المحتجين السلميين (في الصين تم تجييش طلاب الجامعات ) وسرعان ما أحتشد هؤلاء في ميدان بكين الرئيسي ( تيان من ) والذي أصبحت "الثورة" تعرف بأسمه , وكانت طلبات المتظاهرين السلميين تتمحور حول الحريات والحقوق المدنية وبالتأكيد كان هناك مشاهد البروباغاندا المعتادة مثل كسر رموز وهيبة الدولة عبر تلطيخ صورة الزعيم ماو تسي تونج (المقدسة ) بالحبر ومثل محاولة تصنيع أيقونة للثورة عبر الطالب الذي وقف بكل شجاعة أمام رتل الدبابات الذي كان يتجه للساحة المذكورة والذي لم يمل الإعلام من تكرار بث هذه الصورة ولكن لسوء حظ " الثورة الأميركية " كان قائد الدبابة حصيفاً فتوقف أما المتظاهر الثائر ولم يدهسه مفوتاً الفرصة على الإعلام لصنع بطل شهيد يصبح أيقونة للثورة ( مثلما فاتت على نفس الإعلام فرصة تحويل أطفال درعا إلى أيقونات لسبب بسيط هو أن أظافرهم لم تُقتلع ). الدولة المتمكنة في الصين وأجهزة الأمن مع الجيش غيرالمخترقَين وعدم وجود مدد شعبي حقيقي والحكمة في التعامل أدوا لوأد الثورة الأميركية في بلد الألف وخمسمائة مليون نسمة .
في خضم هذه الثورات تحقق أجمل أحلام أميركا ... إنهار الإتحاد السوفييتي في عام 1991 لكن إنهياره لم يوقف برنامج الثورات الأميركية بل سرعه لأن دول كثيرة يجب أن يعاد تشكيلها بما يتوافق مع عصر القطب الواحد , تغيير صغير حصل تغير الأسم من الثورات المخملية إلى الثورات الملونة وهكذا شاهدنا الثورة البرتقالية في أوكرانيا وثورة الأرز في لبنان وكلتاهما مصممتان حسب الكتالوج إياه نشطاء مدنيين يقودون تجمعات سلمية صغيرة , ضخ إعلامي ( مع تشجيع دولاري ) يحول التجمعات الصغيرة لمظاهرات حاشدة تصرفات مدروسة لإزالة هيبة الدولة , خلق أيقونة للثورة , تحييد الجيش والأمن وسرعان ما تسقط الدولة كالثمرة اليانعة . نتذكر أيقونة "الثورة" في أوكرانيا وهو مرشح الرئاسة الذي سممته روسيا والذي نجا بآخر لحظة لحسن حظ الأوكرانيين ( طريقة الإعلام الدراماتيكية في خلق البطل ). وفي لبنان كان الشهيد الأفخم رفيق الحريري هو أيقونة " الثورة " و مولد طاقتها أيضاً. نتائج الثورة في أوكرانيا لم تصب في مصلحة شعبها كما نعرف والبلد دخل في عقد من الفوضى . و في لبنان تم تحقيق هدفين إسقاط الحكومة وإخراج الجيش السوري من لبنان (وهو أمر كان مقدراً له أن يحصل بدون ثورة لكن جرى تسريعه ليس بفعل الثورة فقط ولكن لإن الإصرار على بقائه كان سيعطي ذريعة لهجوم دولي على سورية كما حصل للعراق عندما رفض صدام سحب الجيش العراقي من الكويت ) ولكن على الصعيد الشعبي كانت نتائج "الثورة" مزيداً من تراجع الدولة والفوضى والفساد . ليتكرر سيناريو الثورات الأميركية " الثورة " تخدم الأهداف والمصالح الأميركية وليذهب أصحابها الحقيقيون للجحيم .
يبدوا أن كتالوج الثورات الأميركية يقول : أنه بعد إستمداد الشجاعة من نجاح أوعدة نجاحات في دول صغيرة يجب التصويب على دولة كبيرة (كبيرة بالأهمية وليس بالضرورة حجماً ) وهكذا جرى التصويب هذه المرة على إيران وبنفس الطريقة المعهودة نشطاء مدنيون سلميون و حركات مدروسة لإسقاط هيبة الدولة (في إيران كان التصويب على موضوع ولاية الفقيه) ومحاولة خلق أيقونة ثورية وهنا دخل تجديد على الخطط الأميركية فبدل ترك الأمر للإعلام تمت مساعدته عبر دس مسلحين يطلقون النار على المتظاهرين " السلميين " وهكذا تُتهم الدولة بالوحشية والقمع ويتم إختيار أحد القتلى ليصبح شهيد الثورة وأيقونتها وقد حاول الإعلام جاهداً التركيز على الفتاة الجامعية ( المسكينة ) التي أرداها قناص وهي بين زملائها في إحدى المظاهرات في طهران في محاولة لخلق شهيدة أيقونية . لكن الأمور في إيران كما في الصين قبلها لم تجري حسب الكتالوج الأمريكي فإيران دولة متمكنة أجهزتها متماسكة والإختراقات المخابراتية فيها محدودة و الكتلة الشعبية الأكبر لم تنخرط في " الثورة " وهكذا سُجل الفشل الثاني للثورات الأميركية .
تعود الثورات الأميركية هذه المرة تحت أسم الربيع العربي لتحقق نجاحات سهلة في تونس ,مصر,ليبيا واليمن أدخِلت بعض التعديلات على الخطط مثل دس قناصين يقومون بقتل أفراد من المتظاهرين وأفراد من الأمن الذي يواجه المظاهرات مما يؤدي إلى تأجيج المشاعر ويسوق الأمور إلى العنف وإستبعاد الحلول الوسط ويعطي الإعلام مادة مناسبة للتأجيج والتحشيد , ومن التعديلات أيضاً التحول السريع في بعض الدول من المظاهرات السلمية إلى الإشتباك المسلح وهذا يحصل في الدول التي تقرر أجهزتها الأمنية وجيشها الدفاع عنها كما حصل في ليبيا مثلاً ولا مانع طبعاً من دعم عسكري مباشر للمسلحين الذين يقاتلون الجيش الوطني خاصة إذا لم يكونوا قادرين على هزمه بمفردهم .

وكالعادة النجاحات السهلة والسريعة تغري أميركا بالتصويب على هدف كبير ... سورية . لسورية خصوصية جغرافية وتاريخية واستراتيجية و التركيز الغربي على سورية بدأ منذ قرون لذلك لا يجوز القول أن المؤامرة على سورية بدأت مع الربيع العربي , يمكن القول أن الهجمة الأخيرة على سورية بدأت قبل الربيع العربي فتعديل شكل سورية كان من ضمن الخطة الأميركية لتعديل شكل الكثير من البلدان بما يتوافق ومصالحها والخطة في سورية كانت تقتضي إستعمال الطريقة المجربة في سورية سابقاً أي الإنقلابات والتاريخ المحدد للإنقلاب كان سنة 2005 على أن يتم على يد عبد الحليم خدام و غازي كنعان و ضابط كبير متقاعد من الجيش ( توفي منذ فترة ) و شخص آخر يظنون أنه هام على أكثر من صعيد (رغم إقامته خارج سورية ) الشخصية المحورية في كل هذا هو غازي كنعان والذي كان عالقاً ما بين ضغوطات وإبتزاز خدام وبين ولائه للرئيس الأسد فوجد أن الحل الأفضل هو إنهاء حياته لينهي معها الفصل الأول من المؤامرة الجديدة على سورية

لم يبق لأميركا إلا أن تعود لخطة الثورات وهذه المرة يجب الإستفادة من دروس الفشل في الصين وإيران كما يجب الإستفادة من الخبرات المتراكمة في خلق و تحريك " الثورات " وبناءً عليه يجب دراسة الحالة السورية بدقة ويجب حشد كل الدول والإمكانات الدولية ويجب تحديث الخطط و تكثيف المتابعة لتكون خطوات الخطة متقدمة دائماً على أفعال وردود أفعال الدولة السورية , ولنتابع ما حدث : البروفا الأولى كانت ناجحة شاب يشتبك مع شرطي مرور في وسط دمشق (حي الحريقة ) وسرعان مايجد حوله مجموعة تهتف (الشعب السوري ما بينذل) ويتحول الأمر إلى مظاهرة صغيرة لا يتدخل أحد لفضها على العكس يظهر بعد قليل وزير الداخلية شخصياً ليعتذر و يعد بمعاقبة الشرطي , بروفا تبشر بنجاح كبير لكن عند التطبيق الحقيقي ماذا حصل يبدوا أن الراغبين بالإنخراط في مظاهرات في المدن السورية لم يتعدى عددهم عدد الذين شاركوا في البروفا الأولى , قد يكون الأمر أفضل في الضواحي والأرياف (حيث أستطاع الضخ الإعلامي والدولاري أن يؤثر) لكن هذا لايفيد فالزخم يجب أن يتركز في المدن و في العاصمة خصوصاً وهو ما لم يحصل . محاولة خلق أيقونة ثورية أيضاً تعثرت مابين كذبة أطفال درعا المقتلعة أظافرهم و بين محاولة إيجاد شهيد كاريزمي من بين الذين أسقطهم القناصون المجهولون ثم محاولة التركيز على أطفال الحليب وأخيراً استقر الرأي على إيجاد شخصية قيادية تكون أيقونة " للثورة " لكن حتى هذه المحاولة فشلت نتيجة التناحر الكبير بين شخصيات " الثورة " ولعدم وجود أي شخصية ترتقي ولو بالحد الأدنى لمقارعة رأس الدولة المتمتع بشخصية كاريزمية وبشعبية كبيرة , ولأن حتى أهم الشخصيات التي أشتُغِلَ عليها أثبتت سطحية وسخفاً كبيرين ( مثل زعيم المعارضة الذي أتهم النظام بإخفاء المعارضين في صواريخ سكود التي يطلقها على " الثوار" أو الزعماء الذين ظهروا بطريقة فضائحية كمراهقين همهم ممارسة الجنس قبل ممارسة النضال ). محاولة إسقاط رموز الدولة لم تنجح وأتت بنتائج عكسية خاصة بموضوع إستبدال العلم الوطني بعلم الإنتداب , أما التركيز من المعارضين على ذكر أسماء الشخصيات الرمزية والقيادية بسورية مجردة من الألقاب ومتبوعة في بعض الأحيان بصفات وكلمات سيئة كمحاولة لإسقاط هيبة هذه الشخصيات فنتيجتها كانت البرهنة على سوقية هؤلاء المعارضين وعلى سخف المحاولة . الضخ الإعلامي رغم كونه غير مسبوق لا كماً ولا نوعاً إلا أنه سرعان ما أنكشف للغالبية العظمى من الشعب السوري الذي أثبت وعياً وذكاءً تفوق به على الشعوب الأخرى التي وقعت ضحية اللعبة الإعلامية . هناك جزئية خاصة بالخطط التي حُضرت دولياً لسورية وهي الكثرة غير المسبوقة للدول المنغمسة في المؤامرة ( الحرب ) و الحقد الواضح الذي يحرك هذه الدول , هذا الحقد الذي أدى لإستعجال نقل الإحتجاجات من مظاهرات إلى إشتباك مسلح على أمل تحقيق هدفين : الإنجاح السريع "للثورة " والتسبب بأكبر ضرر وفوضى ممكنان للدولة السورية وقد أثببت الأيام والوقائع خيالية الهدف الأول بينمالايزال تحقيق الهدف الثاني جارياً . لإنجاح التظاهرات ومن بعدها الإشتباكات المسلحة لا بد من تحييد الأمن والجيش أو توريطهم بطرقة سيئة بما يحصل وهنا أيضاً لم يحالف المؤامرة النجاح فالأمن لم يتورط في قتل المتظاهرين والجيش لم يستنكف عن القيام بمهامة الوطنية في مجابهة المسلحين . المحاولات المخابراتية لإحداث إنشقاقات لم تثمر إلا عن إنشقاقات تصلح كخبر إعلامي يبث مرة واحدة دون أن يكون لهذه الإنشقاقات أي تأثير حقيقي على الأرض (رغم أن بعضها كان يؤمل أن يكون له تأثير قنبلة نووية كإنشقاق رئيس الوزراء لكن اتضح أن هذه الشخصيات يَصنع لها قيمتها الدولة والشعب السوريان وهي خارجهما لاتعني شيئاً ) . بقي سهم أخير وهو التدخل العسكري المباشر لدعم المسلحين وتحطيم الدولة وقيل الكثير وفُعِل الكثير للدفع في هذا المجال لكن حتى هذا السهم أنكسر على صخرة صلبة مكونة من دولة سورية لديها كل إمكانات الصمود ومن أصدقاء مخلصين لم يساوموا على دعمهم لها . يُقال أن الشدائد تختبر الشعوب , وهذه الحرب الشعواء على سورية أظهرت بالدليل العملي الواضح : دولة متمكنة ,شعب واعي , مؤسسات حقيقية متماسكة , جيش عقائدي قادرعلى حماية وطنه , قيادة حكيمة وشجاعة .

هل ستكون الأمور بعد المؤامرة ( الحرب ) على سورية كما كانت قبلها ؟ مستحيل , فبرنامج الثورات الأميركية المعَد والمٌستعمَل منذ عقود للتحكم بمصائر دول وشعوب قد مات ودفن في سورية وهذا أحد اصغر نتائج إنتصار سورية فالحرب على سورية قد تدفن مع هذا البرنامج دول و رؤساء وإحدى نتائجها الكبيرة قد تكون أفول الإمبراطورية الأميركية أو على الأقل كسوف شمسها لصالح شموس الدول المنتصرة في هذه الحرب .

هامش من التساؤلات لابد منه : هل من قبيل المصادفة هذا التشابه في الشكل والمضمون والمتابعة والدعم الدوليين لهذه الثورات على إختلاف أزمنتها وأمكنتها ؟ هل من قبيل المصادفة أن كل الدول التي قامت بها هذه الثورات هي دول مناوئة لأميركا أو دول حليفة لأعداء أميركا ؟

هل من قبيل المصادفة أن الدول المطيعة لأميركا والتي تدور في فلكها لم تتعرض لأي ثورة لا مخملية ولا ملونة ولا ربيعية ( مع إستثناءات نادرة تتعلق بتغيير الديكور الأميركي ) رغم أن أكثر الدول المذكورة تحكمها أنظمة هي مثال لما يجب أن تقوم الثورات ضده ؟

هل الذين يقولون بوجود مؤامرة على سورية مصابون بعصاب أوبرهاب نظرية المؤامرة أم أنها فعلاً مؤامرة ؟

التعليقات

نعم هي حرب المؤامرة على سوريا والمنتصر فيها هو الحق الإلهي المتمثل بسوريا المقاومة .

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...