إيران ونهاية النظام الدولي

19-04-2006

إيران ونهاية النظام الدولي

الجمل : سيمور هيرش، وفي مقالته الأخيرة، في النيويوركر، ذكر بأن  العسكرية الأمريكية تحولت من مرحلة التخطيط العملياتي إلى التحضير لضربة ضد إيران.
وكشف المستخدم السابق في الاستخبارات الأمريكية وليام أركين، في الواشنطن بوست، أن إدارة بوش قد بدأت بالفعل التحضير لحرب ضد إيران، منذ مطلع العام 2002، في الوقت الذي تدعي فيه الإدارة رسمياً بأنها تبحث عن حل دبلوماسي للأزمة. وما يبعث على المخاوف أن قرار الدخول في الحرب، قد تم اتخاذه منذ وقت طويل، ولن تتم إعادة النظر فيه.
فما هي يا ترى الأسباب الحقيقية وراء هذا الموقف العدائي؟
وكالة الطاقة الذرية اعترفت رسمياً، ولأكثر من مرة، بأن إيران لم تنتهك أياً من التزاماتها كموقِّع على معاهدة عدم الانتشار النووي. وفي الحقيقة، فإن إيران سمحت بتفتيشات دولية متعددة ومفاجئة لمنشآتها النووية، وقدمت أكثر من المطلوب المذكور في معاهدة عدم الانتشار النووي. ومن ثم فقد أصبحت إيران البلد الوحيد الذي قام بذلك.
أعلنت إيران مراراً وتكراراً بأنها لا ترغب في تطوير أسلحة نووية، رغم أن العديد من المحللين الغربيين والإسرائيليين، ومن بينهم المؤرخ العسكري الإسرائيلي البارز مارتن فان كريفيلد، قد أقروا بوضوح أنه قد يكون من بين الاهتمامات الاستراتيجية لإيران، أن تمتلك هذه الأسلحة بهدف الردع. ومن ثم، فليس هناك ببساطة أي دليل من أي نوع على أن إيران قامت أو هدفت إلى القيام بتطوير أسلحة نووية.
أعلنت إيران وبشكل متكرر، وعلى الأقل منذ عام 2002، رغبتها في الاشتراك في مفاوضات ثنائية مع الولايات المتحدة، سعياً لتطبيع العلاقات بين البلدين. إضافة – كما أفادت التقارير – إلى أن إيران قد تعترف حتى بإسرائيل مقابل ضمانات أمنية من الولايات المتحدة. وكل هذه العروض من قبل إيران، ظلت حتى اليوم يتم تجاهلها من قبل إدارة بوش، رغم أن السيناتور الجمهوري الكبير ريتشارد لوقار قد نادى لاحقاً بمفاوضات أمريكية – إيرانية مباشرة. وخلال هذه الفترة، كانت إدارة بوش ووسائل الإعلام الداعمة والمؤيدة لموقفها العدواني، تقوم بجهد من أجل تشبيه إيران بالشيطان، وعلى وجه الخصوص الرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد. ويعتبر هذا النوع من التشبيه والتنميط الشيطاني، ظاهرة معتادة بالنسبة لكل أولئك الذين استخدموا العد التنازلي في غزو العراق.
واستناداً إلى هذا المنطق، فإن المرء لا يمكن أن يتفاوض مع "المجانين"، وفقط يمكن للمرء أن يصدر التماساً بعد الآخر، يوضح فيه أن "المجانين" سوف لن يساوموا، ولا بد من خلعهم.
طالما أن بعضاً ممن هم في إدارة بوش يعتقدون بلا شك أن برنامج الطاقة النووي الإيراني يمكن في نهاية الأمر أن يهدد إسرائيل، وربما حتى الولايات المتحدة، فإنه يبدو واضحاً أن ما هو في دائرة الشك والخطر هنا، يتمثل في الهيمنة الجيوبوليتيكية الأمريكية على احتياطات النفط والغاز الهائلة في الشرق الأوسط. وبغزو العراق وإزالة الديكتاتورية البعثية، فإن الولايات المتحدة قد ساعدت الأحزاب الشيعية الدينية الوثيقة التحالف مع إيران، على استلام السلطة في بغداد. وبكلمات أخرى، فقد تنامت المكانة الإقليمية لإيران، بقدر كبير كنتيجة لغزو العراق. وحالياً، فإن لإيران علاقات جيدة مع كل جيرانها، ويمكن اعتبارها البلد الأكثر قوة في الشرق الأوسط (عدا عن إسرائيل التي تمتلك أسلحة نووية).
والجدير بالملاحظة، أن لا أحد من جيران إيران قد نظر إلى برنامج الطاقة النووي لديها ورأى فيه تهديداً؛ فحتى المملكة العربية السعودية، ووفقاً لتقارير لاحقة، زار بعض مندوبيها موسكو وناشدوا الزعماء الروس بأن يفعلوا كل ما في وسعهم لوقف الهجمة الأمريكية على إيران.
وبالنتيجة، فإن الأزمة الشاملة، على الأرجح، هي بسبب ارتفاع سعر النفط، والولايات المتحدة تريد أن تستخدم تفوقها العسكري – وربما ترسانتها النووية – لتأكيد السيطرة على احتياطات النفط المتبقية في العالم. وإيران هي المشكلة الأكبر. فبينما رفضت الولايات المتحدة – لأسباب أيديولوجية – الدخول في عمل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن الصين واليابان وروسيا والهند، قد انخرطت في العمل معها بكثافة، وقامت بتأمين صفقات مربحة مع الإيرانيين. ويعتبر هذا مثيراً للقلق بشكل كبير، لأن أي هجوم على إيران يمكن أن ينظر إليه باعتباره هجوماً غير مباشر على الصين وروسيا، إضافة إلى دول أخرى. فالصين، من المحتمل أن تنتقم، على سبيل المثال، بجعل الدولار ينهار (فاحتياطاتها من الدولار، هي الأكبر من أي بلد آخر)، ويمكن أن يمثل ذلك تصعيداً خطيراً لأنه يسبب مضاعفات ويؤدي إلى نتائج كارثية. وعلى التوازي مع ذلك، فإن أي هجوم على منشآت نووي إيرانية، من المحتمل أن يؤدي إلى قتل العديد من المهندسين والفنيين الروس، الذين يعملون فيها. وسيكون رد الفعل الروسي يصعب التكهن به. كذلك، على المرء ألا ينسى أن الهجوم سوف يغضب ويهيج العالم الإسلامي كله، وبالذات الشيعة، الذين تربطهم الأخوة بالإيرانيين، في كل من العراق والعربية السعودية والبحرين وباكستان ولبنان وغيرها من الدول. وهذا يرفع من مستوى الإرهاب الإسلامي في سائر أنحاء العالم.
هل يجب على الولايات المتحدة أن تهاجم إيران بالأسلحة النووية؟
وقد أفادت التقارير بأنه قد تم التخطيط لهذا الأمر، وأن تابو الهجوم النووي الذي بلغ من العمر ستين عاماً، يمكن أن يزول حالياً، وأن كل القوى النووية سوف تكون جاهزة ومستعدة لاستخدام مثل هذه الأسلحة أيضاً. وسوف تقوم البلدان غير النووية بالإسراع لإنتاج ترسانات يوم القيامة الخاص بها، وبالتالي فإن ما يشبه حرب الجميع النووية الشاملة سوف يتنامى بقدر كبير.
ومما ينذر بالشؤم أن مجلة الشؤون الخارجية، شبه الرسمية، قامت مؤخراً بنشر مقال يستنتج أن بإمكان الولايات المتحدة أن تأخذ الترسانة النووية الروسية دون أن تكون روسيا قادرة على الرد والقصاص، وقد أفادت التقارير بأن المقالة قد تمت قراءتها بانتباه وحذر في موسكو.
لكي نتوصل إلى الاستدلال المعقول، فإنه إذا ما قامت الولايات المتحدة فعلاً بمهاجمة إيران، فإنها ستكون قد قطعت المسافة إلى حد لا يمكن الرجوع عنه، والنظام الدولي القائم سوف يذهب بلا رجعة، وكل الشرق الأوسط يمكن أن يشتعل بالحرائق، وسوف تبقى تلك المحاولة المتهورة، للسيطرة على نفط وغاز الشرق الأوسط، من قبل بلد على شفير الإفلاس، جديرة بالاهتمام من قبل قادة ذلك البلد.


الجمل : قسم الترجمة
المصدر : غلوبال ريسيرتش

 

إلى الندوة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...