استيلاء الرجل على أشياء المنزل

26-10-2006

استيلاء الرجل على أشياء المنزل

يدخل الرجل منزله مساء. يجلس على أريكة. يتمدّد فوقها. ثم يهبط جسده تدريجاً على المساحات الأنسب لراحته. وما إن يكفّ الجسد عن الغوص في الأريكة ويستقرّ، حتى تشرع اليدان في البحث عن «ممتلكاتهما»: مهواة من القش، ريموت كونترول لمكيّف الهواء وآخر للتلفزيون، كوب عصير، كتاب، منشفة، سندويتش، صحيفة...

ويسبق عملية جلوس الرجل «فرار» جماعي، في كل الاتجاهات، لولد ولعبة وزوجة ومحفظة، أو فتاة ورفيقاتها، أو شاب وكتاب...

ومدى تسلّط الرجل على الآخرين يتوقّف على السرعة التي تعود فيها العناصر التي اختفت، إلى الظهور في المشهد المستجد.

هو مشهد مسرحي «يُلعب» كل يوم: يدخل الرجل من يمين الخشبة، على سبيل المثال، إلى غرفة الجلوس أو الطعام... فتفرّ «العناصر» نحو يسارها والخلف. وتكراره نفسه يطمئن إلى أن قاطني ذلك المنزل ينعمون بحياة يومية، قد لا تخلو من منغّصات أو حتى من أزمات.

فإذا انكسر الإيقاع اليومي أو تنازع أفراد الأسرة أو قاطنو المنزل الواحد على الأشياء والأمكنة، تزيد حدّة الخلافات فتصل إلى الفرقة ثم الانفصال، مثلما حصل لغالب.

أما الشاب الحر فيدخل مثلما يدخل الرجل، لكنّه لا يجد أحداً يمارس عليه أي نوع من السلطة، لكنّه يهوي على أريكته سريعاً ليقف من جديد ويقرّب أشياءه منه (منفضة لرماد السجائر على الأغلب). وتبقى أشياؤه الأخرى متناثرة كأن انفجاراً قوياً حصل في الغرفة وبعثر الأغراض فيها شرّ بعثرة: الجوارب، الموبايل، الكتاب الأول، الكتب الأخرى، الكومبيوتر، الغبار، الثوب الداخلي السفلي، القمصان، الجينز النظيف الوحيد، المنشفة، كومة الصحون في المجلى، الشوكة على الطاولة قرب المنفضة...

وهذا الشاب، إذا ذهب الى أهله، لا يمانع أبداً، كابراهيم، أن «تخدمه» أخواته البنات، على رغم أنه يشعر ببعض الندم لـ «استغلالهنّ».

فهل في ممارسة الرجل بحث عن معنى للحياة من خلال الكسل، على ما يرمي ابراهيم في نصّه، أم هي إثبات للوجود مثلما في وصف مكتب عبده وازن؟ أم هي حرّية يعيشها الرجل بالعادة وتسليم بقية الشركاء في السكن. وهو لا يعي تماماً نتائج عمله وممارسته، تماماً كالمدخّن الأخرق الذي يفجّر برميل بارود عن غير قصد. لذا، فهو لم يعمل أو لم يحقق عملاً (هادفاً)، على ما يشير جان – بول سارتر في كتاب «الوجود والعدم» (من فصل الوجود والعمل: الحرية). ذلك أن العمل هو متعمّد (أو هادف) بالمبدأ. وعلى العكس، العامل الموكل تفجير صخرة، تنفيذاً لأوامر معطاة له، يكون عمل عملاً هادفاً عندما نفّذ فعل التفجير. فهو يعرف ماذا يفعل، أو بالأحرى، يحقق عمداً مشروعاً يعيه ويدركه، ويتوقّع تأثيره ونتيجته.

وسلوك الرجل أو الشاب أو المثقّف (كعبده في مكتبه) لا يبدو متعمّداً، ففي حالة مشاهد الحياة اليومية، في مكان السكن أو العمل، لا يعي الأطراف (أو اللاعبون) تماماً، ما ستؤول إليه أحوالهم أو نتائج أعمالهم، سواء أكانت في الاسترخاء أم في احتلال حيز أو الاستيلاء على شيء، ولو موقّتاً، فهي تحصل بمعرفة الآخرين وقبولهم، وبتسليمهم للأمر الواقع. وبالتالي، فهي (أي أعمالهم) لن تفضي إلى شيء ذي تأثير بالغ يمكن أن يُحدث تغييراً، طالما لم يُتنازع على الأمكنة والأشياء.

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...