الخطف من رأس الماعون

27-02-2012

الخطف من رأس الماعون

الجمل- همليقارت: كما نعلم يستخدم عادة التعبير (الخطف من رأس الماعون) للدلالة على التسرع في الحكم على أمر ما بعيدا ً عن العمق أو التعمق فيه، سواء عن قصد أو عن غير قصد , وللدلالة على من يقوم بالحكم على فكرتك أو حديثك ويباشر بالرد عليك قبل أن تكمل الفكرة. وعلى أخذك بالموضوع من أول كلمتين فتتكلم فيه وكأنك ضليع ...ولكن الملفت هو أن ثقافتنا أصبحت ثقافة الخطف من راس الماعون . فمثلا ً:
-    حصل سابقا ً أن أشخاصا ً لم يقرؤوا في أحسن الأحوال غير كتاب واحد في حياتهم ولكن عندما ظهرت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي على الشاشة الصغيرة هرع الكثيرون إلى شراء كتابها الأول ( ذاكرة الجسد) , ومن وقتها , إذا دخلت إلى بقالية لشراء كم فحل بصل لطبخة مجدرة يفاجؤك البقال بحديثه عن مستغانمي , وعندما يقذفك الزمن لركوب سرفيس جانب السائق , يقوم بخفض صوت المطربة الدلوعة من مسجله ليفتح لك حديث ثقافي عن أحلام مستغانمي أما إذا التقيت بمراهق لم ينبت بعد ريش شاربيه  فإنه يلف ليكاد أن يدور على نفسه كي يفتح معك حديث ثقافي كي يخبرك عن أحلام مستغانمي وإعجابه الشديد بها وبروايتها لتكاد تظن أنه يحدثك عن صاحبته هو لا عن صاحبة ذاكرة الجسد, ثم يطرح عليك أفكارا ً وآراءً طرحها معد البرنامج وكأنها من بنات أفكاره هو، وكأن الوطن العربي البائس ورغم بؤسه ليس لديه من كتاب غير ذاكرة الجسد للسيدة مستغانمي - عذرا ً سيدتي أحلام-فالكل هنا يخطف من رأس ماعون الثقافة .
-    ولكن يدخل الموضوع باب الخطر الشديد عندما يتعلق الأمر بالمعتقدات الدينية:  فمن باب الخطف من راس الماعون , ترى المواطن، بمن فيهم المتعلم وليس المثقف، يأخذ أمور دينه من رأس ماعون اسمه فم رجل الدين أي من فم الشيخ, وخاصة مشايخ الفضائيات لأنهم مطهَّمون كخيل العرب قديما ً لكن دون فتوحات ومبهرجون أي متعوب عليهم إعلاميا ً , فكلما وُضعت سكين الذبح والتقسيم على عنق هذه الأمة  من المحيط إلى الخليج زاد النهيق الإعلامي والإسلامي عن الخلاف السني الشيعي وكأن معركة الجمل سوف تقع غدا ً ومعركة صفين سوف تبدأ بعد غد , وعلى الكل أن يتحضر لإنجاز كربلاء ديجيتال.
ويسود جو عام يخال كل مواطن نفسه بأنه مطالب بموقف طازج ومعلن وساخن جدا ً من الخلاف بين علي ومعاوية ومن  الخلاف بين عائشة وضراتها الأخريات المختلفات معها , ولا يسعني إلا أن أتذكر ذاك المصري الجنسية الذي قال منذ فترة وجيزة بإرضاع الكبير , فظن البعض أنه  أبله أو معتوه وهو أذكى من ذلك بكثير لأنه أثار موضوعا ً موجود في التاريخ الإسلامي فيخطفه خطفا ً من راس الماعون من باب الخطف خلفا ،ً فقال بما سكت عنه الآخرون , لسنا بصدد التحقيق فيما إذا كان له مآرب من إثارة هذا الموضوع لكنه ليس معتوه كما قال البعض . وحدهم رجال الدين الذين لاذوا بالصمت يعرفون ذلك فآثروا أن لا يثيروا الموضوع , ذلك المصري الذي نسيت اسمه خطف من راس الماعون لأنه يعلم أن لا أحد يجرؤ على التعمق في الماعون  فقام بالتلويح والتلميح لأنه يعرف أن لا أحدا ً مستعد للتصريح , هذا العمل غير بناء فأنا لست مع إثارة قضايا لا تهم العصر أو المستقبل بشيء ولكن أقدمه كمثال على قضايانا المتحطبة في عصر التبرعم اليومي.
-    أنا كمواطن أنتمي إلى وطن اسمه  بلاد الشام لكثرة توزع القرى والضيع في أنحائه كالشامات وكثرة ألوان طيفه الديني المتنوعة كالشامات , وكي لا تتحول هذه إلى شامات مسرطنة فإنني وبحس ٍ إنساني محض – إذا لا سمح الله- أعلن مواطن مسيحي ينتمي للطائفة (س) تكفير مواطن مسيحي آخر ينتمي للطائفة (ع) فإنني استنفر كياني وقلمي وتلاميذي وصحفي وإعلامي ضد المواطن س لأنه يروج لثقافة الإلغاء واللون الواحد مع أنني مسلم لا يعنيني في الدين هذا أو ذاك ولكن يعنيني الإثنين في المواطنة والوطن.
-    إيجاد غطاء محكم للماعون: كي نمنع عملية الخطف من راس الماعون يجب تغطيته بإحكام كيلا يخطف منه الرائح والغادي , فهناك موضوع أريد أن أغلقه قدر الإمكان كيلا يصبح ماعونا ً يخطف منه كل موتور أغلق على قلبه , فكلما دق الكوز بالجرة تأتي جماهير الجهلة من متعلمين وغير متعلمين لتخطف من راس الماعون , إنه ماعون (ابن تيمية).
-    من المعروف أن ابن تيمية يحمل لقب شيخ الإسلام ولعلماء المسلمين من نفس مذهب ابن تيمية رأي يقول  إن فتاويه لم تدع ملة من ملل الإسلام إلا وأخرجتها من الإسلام. ثم أن ابن تيمية نال سخط وغضب أمه الشديد عليه حتى ماتت . وسار وحابى الحكام لكنهم ضاقوا ذرعا ً به فسجنه أحدهم حتى مات في سجنه.
-    تلقى بدو السعودية فكر ابن تيمية لأنه سهل ولا يحتاج إلى عمق وفلسفة ولا إلى إعمال فكر فهو على مبدأ أنا أو لا أحد, ففلان كافر يجب قتله وآخر ضال يجب أن يهتدي بالقوة وإلا يجب قتله وذاك ذو نوايا سيئة يجب ذبحه للتخلص منه ومن نواياه وعندما ندخل في باب النوايا فحدث ولا حرج فالاتهام سهل جدا ً . المهم بذلك أصبح القتل عادة على مبدأ كل من يعيش معي في هذه الصحراء سوف يقاسمني الكلأ والماء الشحيحين أصلا ً لذا يجب التخلص منه , عندها نشأت الوهابية على يد محمد بن عبد الوهاب فكانوا ملكيين أكثر من الملك وأشعريين أكثر من الأشاعرة أنفسهم فغاب العقل وحل النقل.
-    فابن تيمية قام بإحدى فتاويه باستهداف ثلاث طوائف إسلامية هم الإسماعيلية والعلوية والموحدون الدروز فأحل عِرضهم ومالهم ودمهم . أنا شخصيا ً لا أستطيع تقبل فكر يدعو إلى اغتصاب نساء أشخاص لأنهم يختلفون عني بالدين أو المذهب بل لا أستطيع ممارسة الجنس مع امرأة لا تريدني. ولا أستطيع أن أستحوذ وأسرق مال شخص تعب هو به وجناه بجهده وعرقه وليس بجهدي أنا وعرقي فقط لأنه مختلف عني بالمذهب. ولا أستطيع أن أذبح شخصا ً وآخذ منه حياته التي وهبها له الله لأنه ليس من ديني بل لا أستطيع أن أفعل ذلك ولو فتاها لي كل رجال الدين من صدر الإسلام حتى الساعة هذه . يبدو أنه كان على رسول الله (ص) أن يتعلم من ابن تيمية - لو سبقه هذا الأخير بالزمن – وأن يقتل جاره اليهودي قبل أن يلقي أمام بيت رسول الله ( ص ) القمامة لأن كونه يهودي سبب كافي لقتله على رأي فتاوي ابن تيمية فلماذا ننتظره حتى يلقى القمامة أمام بيت الرسول(ص) فخير البر عاجله , فهل أخطأت َ يا رسول الله !؟
-    ثم يتابع ابن تيمية فتواه فيصف الطوائف الآنفة الذكر بأنهم أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى ويجب عدم استخدامهم في الثغور لأنهم مع كل غازي لبلاد المسلمين . أي بعملية تجميع بسيطة لبعض فتاوي ابن تيمية فإنه يقول : ليس فقط اليهود والنصارى هم خطرا ً على الإسلام بل إن الطوائف الإسلامية الآنفة الذكر هي أيضا ً خطرا ً على الإسلام , وسابقا ً كان قد أخرج كل طوائف السنة عن الدين وليس فقط المذاهب الأربعة المعروفة بل كانت هناك مذاهب أخرى رأى الخليفة العباسي أن تلغى وأبقى على المذاهب الأربعة المعروفة لدينا . أي باختصار كل من يخالف رأي ابن تيمية هو خطر على الاسلام فهو اختصر الاسلام بنفسه فقط , فهو الإسلام بحد ذاته. من جهة أخرى لنرى ماذا فعلت  الطوائف الأخرى كي يتهمها ابن تيمية بهذه التهم الموتورة .
-    لم تقتل المسيحية التي كانت منتشرة في الجزيرة العربية أحدا ً وكان الفكر المسيحي السوري بمسيحيته الغنوصية مثالا ً للرقي وقبول الآخر حتى المسيحية النسطورية التي حاربها الأوربيون وجدت ملاذا ً لها في سورية وفي بلاد فارس وحين دخل المسلمون إلى بلاد الشام كفاتحين ومحررين للبلاد استقبلهم المسيحيون السوريون كأهل لهم لأنهم كانوا امتدادا ً في البادية للآرامية السورية لأن الأرامية كلغة كان لها أربعة بنات : السريانية و العربية والعبرية  والميدائية لغة الصابئة وبعد أن تمكن المسلمون من البلاد عاملوا المسيحيين أهل البلاد الحقيقيين كأهل ذمة على الرغم من ذلك لم يقل أحد من المسيحيين بقتل المسلمين بل وقفوا مع إخوانهم المسلمين ضد الحملات الصليبية فيما بعد .
-    الحمدانيون الذين كانوا يحسبون على الشيعة ثم على العلويين بعد انتشار الدعوة العلوية في دولة حلب التي كانت تشمل كيليكية ولواء اسكندرون والموصل  التي كان أخ سيف الدولة واليا ً عليها , ممتدة جنوبا ً إلى دمشق وحدود مصر.في ذلك الوقت كان الخليفة في بغداد محصور نفوذه بداخلها على أحسن حال, وكان يقرب الأعاجم من ترك وسلاجقة حتى استفحل نفوذهم فيها وصاروا يعينون ويخلعون الخليفة حينما وكيفما يشاؤون. ولا يخفى على أحد انتشار الفحش والغلمان والقيان والجواري والمجون بأنواعه. بينما كان قصر سيف الدولة يعج بالأدباء والعلماء على اختلاف مشاربهم و مذاهبهم لا مجون في القصر ولا في الشارع ولا مجون في الدولة. علاوة على ذلك كانت حلب سيف الدولة حامية  ثغور الدولة العربية من الشمال حيث كان الروم وحربه معهم أشهر من أن يحكى عنها :
وسوى الروم خلف ظهرك روم         فعلـــى أي جانبيــــك تمـيـــــــل ُ
أنت طول الدهــــــر للروم غـاز          فمتى الوعد أن يــــكون الأفول 

خاض سيف الدولة 56 حربا ً ضد بيزنطة وانتصر بــ 51 معركة , بينها معركة قادها الإمبراطور البيزنطي        ( فوكاس ) بنفسه , فانتصر عليه سيف الدولة انتصارا ً بينا ًحيث : جرح فوكاس في خدّه وأســر ابنه وصهره وقتل قائد جيشه والكثير من قواده, فخجل فوكاس ثم ترهبن في الفاتيكان وكتب كتابا ً عن سيف الدولة وقوة حلب وهو مخطوط في الفاتيكان تحت رقم /2453/.
وساد في عهده التسامح الديني على مستوى الخاصة والعامة , وعند نهاية عصر الحمدانيين وكيلا تقع الدولة في يد الروم وكون الخليفة العباسي لا يسيطر على القصر الذي يسكنه بسبب سيطرة الأتراك على الدولة قام الحمدانيون بفتح المجال أمام النفوذ الفاطمي ليحل في دولتهم فهم أخوة لهم في العروبة والإسلام.
-    أما الفاطميون المحسوبون على الطائفة الإسماعيلية ومؤسسي مدينة الإسماعيلية المصرية حاليا ً وجامع الأزهر الغني عن التعريف اليوم حتى قيل أن مدينة السلمية السورية هي أم القاهرة وقيل عن الأخيرة قاهرة المعز. فقد تميز حكمهم بالتسامح الديني الشديد ولم يجبروا أحدا ً على التمذهب بمذهبهم وحادثة الحاكم بأمر الله معروفة عندما اختلف فريقان على عدد ركعات صلاة التراويح التقى بهم وقال لهم من رأى أنها كذا عددا ً فليصلها كما رأى ومن رأى العكس فليصلها كما رأى. وهذا مثال على التسامح الديني وتقبل الآخر. ثم أن أب صلاح الدين الأيوبي – أو اعتقد جده – كان موظفا ً كبيرا ً في القصر الفاطمي ومقربا ً جدا ً قام بعد ذلك بالاستيلاء على الحكم من الفاطميين وفرض المذهب الشافعي تحديدا ً في مصر , ليس المهم من حيث الإنسانية والفكر أن يتم الإنقلاب على الفاطميين فهذه حال الدول بل المهم أنه تم الإنقلاب على أسس التسامح التي أرسى لها الفاطميون أي بلغة العصر على الديمقراطية التي أسسها الفاطميون التي لو بقيت لكانت مصر أكبر دولة عربية ذات أسس ديمقراطية تحتذى .
وتجد حتى يومنا هذا على لسان الشعب المصري تعابير تدل على عدم التعصب والتسامح والاحترام مع الآخر مثل : وراس الحسين و الست زينب وسيدي الحسين , مما لا تجده في بلاد الشام ما يشير إلى نوع الحكم السياسي الذي كان سائدا ً في مصر وبلاد الشام . هذا الفكر بدأت الوهابية تصادره في مصر وغير مصر تحت مسميات عدة وهابية أو سلفية أو أصولية لكن الآلية على الأرض واحدة هي عدم قبول الآخر حتى ولو كان من نفس المذهب .
أما بالنسبة إلى الدروز فإن تجربتهم في الحكم كدولة غير موجودة.
-    المهم هل هؤلاء دافعوا عن الثغور وحموها أم تعاونوا مع المحتل ؟ هل هادنوا الرومان أم قاتلوهم ؟ هل قاتلت الجماهير خلف سلطان الأطرش و صالح العلي ضد الفرنسيين أم هادنوهم واستقبلوهم ؟ بالرغم من الاضطهاد الذي عانوه على مر العصور لم يتعاونوا مع الخارج ضد إخوانهم العرب , بينما للمقارنة عندما استلم العباسيون الحكم انتقموا من الأمويين شر انتقام فطاردوهم وقتلوا ومثلوا بمن أمسكوا به , ثم قاموا بنبش القبور وذرها في الريح , وصادف أن جثة هشام بن عبد الملك كانت شبه سليمة فقاموا بصلبها وحرقها , في ذلك الوقت هرب عبد الرحمن الداخل إلى إسبانيا حاليا ً واستطاع تأسيس دولة له , لم يرقْ للعباسيين أن يكون للأمويين ملكا ً حتى في الأندلس فتآمر المنصور مع شارلمان ثم مع " ببين" ضد عبد الرحمن الداخل للإطاحة به . أي أن من قام بالتآمر مع الأجنبي ضد بلاد المسلمين هم العباسيون أنفسهم  بمعنى آخر ليس من ذكرهم ابن تيمية ,وأن من قام بفتح الثغور والقصور أمام الأتراك والسلاجقة هم أيضا ً العباسيين وليس ضحايا ابن تيمية.وهذا الكلام جل ّ أن يكون اتهاما ً لطائفة بعينها بالتآمر أو إلصاق فكر ابن تيمية بها لأنها هي نفسها لم تسلم منه ولكننا نناقش هنا فكر تكفيري لم ولن يسلم منه أحد هذا الفكر يستخدم دوما ً الدين غطاء له كي يستطيع أن يجند أكثر عدد من الاتباع لصالحه أي أنه يستغل إيمان الناس وأحيانا جهلهم بسبب إنشغالهم بأمور حياتهم ولقمة عيشهم كي يلحقهم بفكره وهذا هو أحد أسوأ أنواع الاستغلال, أما اليوم فالتاريخ يعيد نفسه فأصحاب النفط العربي هم من يتعامل مع الأمريكان والإسرائليين وليس أحد غيرهم من أبناء البلد أو الوطن العربي. هم نفسهم أصحاب الفكر العدمي الوهابي الذي شرب من فكر ابن تيمية ويريدون نشره في بلادنا التي لم تقبل ابن تيمية نفسه فسجنته حتى مات في سجنه وقال علماء بلاد الشام بما يفند فتاويه , ثم أتى أولئك الوهابيون ونبشوا فكره ولولاهم لكان هذا الفكر نسيا ً منسيا .فينطبق عليهم المثل القائل : رمتني بدائها وانسلت.هم نفسهم من حارب عبد الناصر بدعوى أن القومية العربية فتنة للقضاء على الأمة الإسلامية الأشمل والأعم وكأن تركيا وباكستان وأفغانستان وإيران وجزء كبير من الصين والهند وروسيا البيضاء ويوغسلافيا وأندونيسيا وماليزيا ينتظرون الخلاص على أيدي هؤلاء الحفاة لتحقيق الوحدة الإسلامية. وكل الدول التي ذكرتها فيها من التقدم العلمي أكثر من الدول العربية الإسلامية مجتمعة خلا أفغانستان على الرغم من أن مجتمعها في المدن لا يستهان به وليس كما تصوره لنا الفضائيات عبارة عن جبال وعرة ورعاة  من أشباه البشر على نمط مدينة تورا بورا . بالمناسبة عندما خرجت أفغانستان من ظل العباءة الشيوعية واستلمت حركة طالبان الحكم قامت بمنع المرأة من الخروج من البيت أي بجرة قلم واحدة ألغت نصف الكادر الطبي ونصف الكادر التعليمي من وظائفهم لأنهم من النساء فخلقت خلخلة اجتماعية ووظيفية لا تقدر أن تقوم بها أكبر النكبات في تاريخ البشرية سواء حروب أو زلازل ثم أخذت هذه الحركة تفرض على النساء لبس (شادورو) وهو قناع للوجه كالغربال ترى من خلفه النساء إضافة إلى الجلباب, بل زادت في الطنبور نغما ً وأعطت الرجال مهلة عدة أشهر قليلة وبعدها يعاقب كل رجل لا يبلغ طول لحيته مقدار قبضة اليد. أولائك أنفسهم- أصحاب هذا الفكر- هم من خلع الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز وانتهى به الأمر إلى التسول في الشوارع وهو القائل لمن يمعن النظر إليه " نعم أنا الذي تعرفونه " .حتى استقبله ديرٌ مسيحي و آواه وستر له آخرته.
-    دامت الحرب العراقية الإيرانية قرابة ثمان سنوات وكانت إيران خارجة للتو من عهد الشاه , قام الخليج بدعم العراق ضد إيران حتى أنهكوا الإثنين معا ً , ثم تآمروا أنفسهم ضد العراق فدخله الأمريكان , وأصبحت إيران بفضل تصميمها ورؤيتها الاستراتيجية وحكمتها وذكائها السياسي دولة مرهوبة الجانب يحسب لها ألف حساب , وخليجنا رغم كل توفر المال النفطي والإسلام الذين يدعون بأنه الحل ( أي رغم توفر المال والفكر )بقي هذا الخليج لا يملك من سمات العصر إلا التطاول في البنيان والتطاول على الإنسان وتنظيم مسابقات غينيس لأجمل عنزة وأكبر منسف, فاكتفى ببيع النفط وحفظ المال في بنوك الغرب دون فوائد لأن الفائدة حرام , أيهما أكثر حُـرْما ً أن يستفيد من الفائدة الغرب وشركاته وبنوكه أو أن يستفيد منها فقراء العرب والإسلام.....
وأخذنا نتحدث عن الخطر الإيراني والخطر الحقيقي على أنفسنا هو نحن , وعلى مستقبلنا هو فكرنا العدمي العبثي الذي يكرر مقولة اليهود بأنهم شعب الله المختار ولكن بطريقة بدائية جدا ً ومخزية كثيرا ً , فلم ننتج أي مخ كإينشتاين كي نبرهن أننا حقا ً شعب الله المختار , بل استخدمنا هذه المقولة كمُسَلـَّمة لنبيح لأنفسنا قتل الآخر.

-    لهذا السبب أنا أخاف وأستنفر وأستعد لقتال ومحاربة أي فكر ديني  أو حزبي أو أي رأي قمعي يدّعي أنه على صواب والآخر مخطئ  , وما العرض الذي أسلفته سوى دعوة للآخر إلى إعادة التفكير في كل المسلمات التي ورثناها فلا يكفي أن يقال عن فلان أنه شيخ الإسلام كي اعتمد ذلك بل يجب أن أبحث عنه وأدقق في تاريخه , ولا يكفي أن أشاهد محاضرة لعلامة معمم في الفضائيات كي أؤمن به لأنه يرفع راية حق يستغلني بها, بل يستغل أغلى مقدساتي وهي إيماني بالله العظيم.
كيلا نخطف المعلومة من راس الماعون ويبقى الشيخ هو المسيطر على عقولنا في أي طائفة حتى أنه حل محل الكتاب والقراءة والتمحيص , ألسنا الأعلم في أمور دنيانا أكثر من النبي محمد –ص- نفسه (وهذا على لسانه –ص-). أما أمور ديننا فليمارس كل شخص فروضه في العبادات إذا أراد ولــْـيسلم الناس من يده ولسانه هذا هو الدين بل كل الدين. كيف أستطيع أن أتصالح مع أخي في المواطنة وابن تيمية يقف بيننا !!؟؟.
-    وأخيرا ً أنا كمواطن سوري متدين أو علماني أو لا ديني , أنا كمواطن إنسان لا أريد أن أسكت عن كذبة مقيتة ألغت كل تاريخنا لكن ماهي هذه الكذبة : تصوروا أن الزمن ضرط وأصبحت بريطانيا لفترة وجيزة- قياسا ً بتاريخ الشعوب والأمم- دولة ذات سيطرة كبيرة فأسمت نفسها بريطانيا العظمى   و أن بلدا ً مثل سورية ( بلاد الشام ككل) عمرها  أكثرمن سبعة آلاف عام مؤرخ – أما بدون تاريخ فحدث ولا حرج - أهدت البشرية التأريخ الأول فابتدأت السنة السورية منذ 4750 ق.م وهو أقدم تأريخ في العالم أهملناه ومسخنا احتفالنا به إلى احتفال رسمي بمهرجان الربيع في حماه ,حيث كانت البشرية تعيش دون أن تؤرخ لشيء وأهدت الحرف الأول والنوتة الموسيقية الأولى والمحراث الأول والألعاب الأولمبية الأولى ( ملعب عمريت في طرطوس أقدم من الملعب الأولمبي في اليونان وكلمة ماراتون كلمة آرامية ماهاراطون وتعني الجري السريع ) وأهدت الآلهة الأولى وفكرة إله الآلهة بعل التي كانت بذرة التوحيد الرباني في الديانات السماوية. تلك البلاد التي تكونت فيها إرهاصات الإسلام قبل إعلان الدعوة الإسلامية وكانت تربة خصبة للإسلام بعد نشر الدعوة فكانت أول دولة للإسلام في بلاد الشام وليس في مكة. وأنتجت بلادنا اليهودية والمسيحية في أرضها فالمسيح سوري أرامي ليس بالضرورة أشقر وأزرق العينين كما أرادته هوليود في أفلامها كما فعلت بشخصية سندباد والنبي إبراهيم الخليل من مدينة أور العراقية قبل النبي موسى بأكثر من ألفي عام لكن اليهود صادروا سيرة النبي إبراهيم بخرافاتهم مع أنهم لم يعاصروه ثم ورثنا تلك الخرافات كمسلـَّمات. هذه الأرض التي غزاها المغول الوثنيون فخرجوا منها مسلمين وغزاها قبلهم الرومان الوثنيون فخرجوا منها مسيحيين , سورية غزت ثقافيا ً كل من غزاها عسكريا ً. ثم كانت الدولة الأموية القوية وبعدها العباسية اللتان بسطتا نفوذهما على أراض ٍ شاسعة تجاوزت حدود البلاد العربية المعروفة لدينا اليوم . في أواخر عهد الدولة العباسية أي في دور الضعف تسلل إلى جسد الدولة الضعيف العنصر العجمي التركي السلجوقي وكان تمهيدا ً لسيطرة العثمانيين الأتراك على الدولة تحت مسمى الخلافة الإسلامية , شعب بدائي من بدو الجبل دون أي خلفية حضارية يسيطر على بلادنا 418 عام بالحديد والنار والكذب تحت غطاء الدين, كل هذا التاريخ العظيم لبلادنا الذي لم ينقطع يوما ً, لا يخجل مثقفونا والقائمون على وزارة التربية والتعليم في بلداننا العربية من تسمية فترة العثمانيين بــ" الفتح العثماني لبلاد الشام " وهو الجدير بأن يسمى بقوة " الإغلاق العثماني لبلاد الشام" لأنه في عهد العثمانيين انقطع الضخ الحضاري السوري إلى العالم على جميع الصعد . كانت أسوأ فترة مرت على تاريخ سورية منذ وجودها الأزلي , حتى في عهد الاحتلال الروماني - البيزنطي كانت سورية فعالة خلاقة  فغزت محتليها ثقافيا ً كما أسلفنا.فمِمَّنْ فتح العثمانيون بلاد الشام ؟! أمن أهلها؟ يا للعار فتح عثماني لبلاد الشام ,عنوان عريض يتصدر فصلا ً كاملا ً من كتبنا المدرسية,أنا أخجل بكم يا كل وزراء التربية والتعليم في سورية , هل هذه هي التربية, دولة عظيمة مثل سوريا تغزى من تركيا وتعيث فسادا ًفي أرضنا ثم تسمونها في كتبنا المدرسية فتحا ً , متى سيفتح الله على قلوبك وتمحو لنا هذه المهزلة التي تسقط حكومات في بلدان أخرى.
-      وبلاد الشام هي التي فتحت ذهن العالم وطورته بثقافتها وليس بسيفها. الدين أفيون الشعوب حقا ً , حَكـَـمونا شرّ حكم وعيشونا سفر برلك ونظاما ً إقطاعيا ً متخلفا ً جعل السوريون يعملون في أراضيهم أجراء يخفون حفنة القمح التي من أرضهم وعرقهم في سراويلهم كي يطعموا أولادهم كيلا تراها عيون العثماني المتمثلة في الآغا  و"الشوباصي" التابع له, كل ذلك باسم الخلافة الإسلامية التي أذلت مسلمي ومسيحيي بلادنا بعدما أناروا العالم بتوحيدهم ووثنيتهم أيضا ً لأن سورية كانت منارة للعالم سواء سورية الوثنية أو التوحيدية . فهل هم بريطانيا العظمى أم نحن سوريا العظمى.
-    وأخيرا ً أيضا ً: كمواطن سوري متدين أو علماني أو لا ديني أطالب أولياء الأمر في الشؤون الدينية من دار الإفتاء إلى وزارة الأوقاف والقائمين على جميع الصروح الدينية المعتبرة أن يحددوا موقفا ً واضحا ً من فتاوى ابن تيمية ومن ابن تيمية نفسه بكلام لا يقبل الشك أو التأويل حتى لا يبقى فكره معينا ً يشرب منه كل موتور أو مأفون في عقله في بلد مثل سورية التي لا تقبل مثل هذا الفكر بسبب تاريخها التعددي العريق .
-    وأخيرا ً كمواطن سوري متدين أو علماني أو لا ديني , على الرغم من أن دخول العرب إلى الأندلس كان فتحا ً حقيقيا ً لأن الأوروبيين كانوا في تخلف شديد نسبة إلى المجتمع العربي , فإنني ضد تسمية " فتح" إنه احتلال سواء نشر حضارة أم نشر القتل فهذا حديث آخر. أليس هذا المنطق بأننا فتحا ً هو نفس المنطق الذي تستخدمه أمريكا اليوم تحت عنوان نشر الديمقراطية فلماذا ننزعج من الأمريكان الذين يستخدمون نفس الحجج التي نصرُّ على استخدامها اليوم في وصف احتلالنا لبلاد الأندلس. أنا أطالب أن نتصالح مع أنفسنا . كنا احتلالا ً في الأندلس بغض النظر عن فوائد أو مضار هذا الاحتلال, هذا تفصيل لسنا بصدده الآن.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...