زياد الرحباني في نظرية "يفتته الصخر"

08-10-2011

زياد الرحباني في نظرية "يفتته الصخر"

الجمل ـ باسل محمد يونس: من الظلم اعتبار زياد مجرد موسيقي مميز, وهذا ليس بقليل, فعند التمعن العميق  في مسرحياته نجد أنفسنا أمام  أخصائي علم اجتماع, في البيئة اللبنانية الغنية بالتناقضات والأمراض الطائفية المذهبية الشيزوفرونية, حاول  زياد عبر أعماله عكس وترجمة أمراض هذا المجتمع اللبناني بطريقة المضحك المبكي.
فهل كل من يسمع زياد ويدعي أنه من محبيه يفهم  بالضرورة ما يود قوله أو إيصاله؟ هل هناك من يضحك ويحب زياد لمجرد أنه يتفوه بكلمات بذيئة غير مألوفة في مجتمعنا المكبوت جنسياً و ثقافياً و معرفياً و  و...؟
هل الحق في عدم الفهم أو سببه، زياد لنخبويته الزائدة؟ أو المستوى الثقافي البسيط الذي وصل إليه الناس  لانعدام الحراك  الثقافي، في العالم العربي عموماً والعولبة القبلية في لبنان، عدا عن الرقابة التي لا تسمح بكتب الفكر وتنمية الوعي كي لا يرتفع سقف  التفكير من أسفل البطن إلى أعلى الرأس؟
هل نحن أمام جمهور لزياد مقسم بين أسود وأبيض؟ هناك من يؤلهه على العمياني وهناك من يكرهه لمجرد سماع اسمه "خصوصاً من يعتبر نفسه فينيقي" كونه تعدى وتمرد على  مقدس الأقداس "الدين" مع العلم أن موسيقاه لا تحتاج إشارة دخول إلى جدار القلب كونها  دكتاتوريه بامتياز؟
 لكن هل جمهور زياد الرحباني، و اللبناني على وجه الخصوص، الذي ينفجر ضحكاً ويعبر عن إعجابه بشكل واضح، يستوعب بالشكل الكافي الرسالة أو الصرخة  التي يريد زياد إيصالها؟  ألا يفترض بمن يدعي حب زياد والأفكار التي يطرح أن يتفاعل معه  لتجاوز هذه الرواسب و الميكروبات العفنة؟
في  فيلم أميركي طويل وهي مسرحية ناقدة اجتماعية سياسية تجري أحداثها داخل مشفى للأمراض العقلية  في الضاحية الجنوبية لبيروت... المسرحية تحكي عن الواقع المرير الذي يمر فيه لبنان وعدد من الدول العربية وتستعرض أحداث الحرب الأهلية اللبنانية.
 تسع شخصيات في المسرحية ... كل شخصية من هذه الشخصيات تعبر عن فئة من المجتمع اللبناني... رشيد: "زياد الرحباني" شخص غريب لا أحد يعرف ما يريد، أتى إلى المشفى نتيجة تهجمه على شخص دون أي سبب عدا عن تسكيره لشارع الحمرا في بيروت... إدوار: مسيحي معقد ولديه حالة رعب ويكره كل المحمودات، أي المسلمين نتيجة رواسب الحرب الأهلية، عندما يرى أي شخص يسأله عن دينه فوراً... أبو ليلى وعمر: مدمنين مخدرات... عبد الأمير: أستاذ جامعي في علم المنطق يؤلف كتاب يريد أن يوضح فيه  المؤامرة الأمريكية على المنطقة... نزار: من الحركة الوطنية اللبنانية .. هاني: دائماً بحاجه لإبراز بطاقته الشخصية وينتظر الأمر بالذهاب إلخ... بسبب الحواجز الأمنيه ولا يجرؤ على إبداء رأيه في أي مسألة.
أريد تسليط الضوء من خلال هذه الخربشة على رأي رشيد بزميله  إدوار، والحل المقترح من قبل رشيد كي يشفى  إدوار من مرضه، حيث يطلب من جميع المرضى كل على حدا بإبداء رأيه بمرض زميله... رشيد يقول  بأن إدوار معقد ولا يستطيع الخروج من هذه العقدة وأن الحل هو بما يسميه  يفتته الصخر.
 رأي رشيد  بإدوار حرفياً كما جاء في المسرحية... (مشكلة إدوار من العقدة النفسية اللي متحكمة فيه وبسما ربه لا يقدر أن يخرج منها بسهوله، الإنسان الله بيضربوا  والمسؤولية على الإنسان .لماذا يفكر بهذا الشيء؟ هناك سبب جوهري.. الشعور الإنسان بني آدم. بيجي بهذا الشيء، نفسية أو إنسانية هنا الفرق؟ هو بنصف عقل هل يتصرف من نفسه أو في الساعة الفلانية؟ بيجي على مخه شي الله ضربوا، هذه قوه إلهية هو إذا أراد يوما بيشفى لنفسه ... هذا الشيء بالطفولة لا يضرب الإنسان إلا بالطفولة، بيقطفه زهره بأول عمره شب طفل، الله ضربه بعز عمره،  بيخلقوا الأطفال شو بدهن يعملوا ؟ بيتعقدوا ... إذا أراد يوما أن يتغلب على هذا الشيء ما ألو إلا هو  يفتته الصخر  ولا بد أن يستجيب القدر هو بيقدر أن ينفذ هذا الشيء... إذا أراد يوماً يمكن أن يشفى).
بعد كل هذا الصراخ الزيادي والإعجاب الكبير من قبل الجمهور اللبناني منذ أن بدأ زياد إلى اليوم، هل كان كل ذلك  كافياً لاستخلاص العبر والمضي في ثورة ضد الطائفية بكل أشكالها ومنها  السياسية؟  ومحاولة تطبيق جزء من نظرية "يفتته الصخر"؟ أي التحرر من الموروث الديني الدوغمائي والإيمان بلبنان كوطن لا "كقرطة عالم مجموعين" كما يقول في كلمات أغنية قوم فوت نام وصير حلام أنو بلدنا صارت بلد؟

لا أظن أن زياد  يجهل  حقيقة جمهوره  وذلك عندما قال في الماضي " أن الجمهور يضحك في أماكن لا يجب أن يضحك فيها والعكس صحيح"...  فهل ما يطلبه رشيد من إدوار هو بالأمر السهل؟ كيف سيكون باستطاعته القيام بذلك ونبذ كل ما تربى عليه وإبدال كل ذلك بفكرة الوطن. هل ما يطلبه رشيد من إدوار هو بهذه البساطة وعلى من يقع اللوم؟ هل لو كان الإيدوارات "من إدوار" أغلبيه وتعطى لهم الديمقراطية والحرية سوف يفعلون مثل إدوار حيث يقول أن على المسلمين الذهاب إلى أي مكان، المهم أن يرحلوا عنه، كونه لا يثق بهم ولا يحبهم؟ فهل ما يطالب به زياد من استبدال القبائل الطائفية والمذهبية وإحلال الدوله المدنية وجعل الدين مجرد علاقه بين الفرد وربه وليس إيديولوجية تلغي الآخر المختلف هو بمثابة  يفتته الصخر؟
أمام هذا الواقع المرير يقول أبو ليلى "جوزيف صقر" أن الحل هو في  نبتة "الحشيشة" تقضي على الطائفية" كل سرك تحشيش يجمع كل الملل، والطوائف برا ضاربة ببعضها". فهل أبو ليلى على حق؟ وأنه  لا داعي للوعي إن كان يؤدي للطائفية والمذهبية؟
أم أن الحل كما قال أدونيس في مقابله على قناة العربية، أن  الدين يجب أن يكون حاله كيانية يجب أن تحترم، لكن لا يجب  أدلجه الدين واستغلاله سياسياً وتحويله إلى أداة في الصراع الاجتماعي السياسي والفصل الكامل بين الدين كرؤية إيديولوجية سياسية  والمجتمع أو الدولة، الدين لتنظيم العلاقة بين الفرد والغيب، بين الفرد والله، أما المجتمع  كمجتمع فهو للمواطن  للإنسان ويسوده القانون، دينه القانون وليس الدين الموحد... إذا لم نتوصل إلى هذا لا يمكن أن نبني  ديمقراطية فكل إيديولوجيا هي  نفي للديمقراطية أيا كانت. فكيف بإيديولوجيا دينية  تنفي الديمقراطية على مستويين: النظري السياسي والمستوى الإيماني، حيث الآخر ليس موجوداً إلا بوصفه كافراً.
ما دامت الرؤية الدينية مهيمنة على المجتمع كمؤسسات وكثقافة وكقانون وتشريع  لا يمكن أن نتوصل لا إلى ديمقراطية ولا إلى مجتمع مدني...  هذا هو تحدينا.
في هذه الأوضاع التي نمر بها في سوريا اليوم، هل هناك من يقلد الشعب العنيد ومن قصده زياد في مسرحيته؟  هل بدأت سوريا الانحدار في "فيلم أميركي طويل على الطريقة اللبنانية؟" هل من طريقة لإقناع الثوريين الجدد أن التكبير طوال الليل لن يحل المشكلة وأن الحوار وحده يمكن أن يفضي إلى حل؟ هل من طريقة لإقناع أناس كثر أن من يدعي السلمية لا يجب أن يقتل الناس على الهوية أو يستعمل السواطير أو  يفجر أنابيب النفط أو يطلق إشاعات أو يستمع لميكروب حقير يعرعر على فضائية وهابية لهدف وحيد "إشعال فتنة طائفية"، ألا يحق لي كسوري أن أخجل وأستهجن من واقع يتمثل بوجود سوريين يستمعون لهكذا ميكروب وفيروس كالعرعور؟

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...