ألغاز مشروع القرار الدولي ضد سوريا

05-10-2011

ألغاز مشروع القرار الدولي ضد سوريا

الجمل: عقد مجلس الأمن الدولي مساء أمس الثلاثاء 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2011م، جلسة ساخنة، انتهت بعدم النجاح في تمرير مشروع القرار الدولي الساعي لاستهداف دمشق، الأمر الذي أدى إلى إثارة التوترات بين الأطراف الدولية الرئيسية داخل المجلس، وما كان لافتاً للنظر أن أنقرا وفرنسا  كانتا الأكثر غضباً بسبب انهيار جهود تمرير مشروع القرار: ما هي ملامح الصراع الإقليمي ـ الدولي حول سوريا في مرحلة ما بعد الإخفاق الأمريكي ـ الأوروبي ـ التركي، هل باتجاه التهدئة أم التصعيد. وإلى أين سوف تمضي قافلة خصوم دمشق، وما هو تأثير ذلك على التوازنات الشرق أوسطية وعلى الفعاليات الاحتجاجية السورية الداخلية؟

* انهيار مشروع القرار الدولي: توصيف المعلومات الجارية

سعت أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن منذ بضعة أشهر إلى محاولة تدويل ملف الاحتجاجات السياسية السورية داخل مجلس الأمن الدولي، ضمن سيناريو يتطابق تماماً مع سيناريو تدويل ملف الاحتجاجات السياسية الليبية، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:شعار الأمم المتحدة
•    أعلنت روسيا رفضها القاطع مراراً لتكرار جهود مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن الساعية لتدويل ملف الاحتجاجات السياسية السورية عبر مجلس الأمن الدولي.
•    سعت الصين لجهة اعتمادها لنفس الموقف الروسي الرافض لعملية التدويل.
•    بدت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر اهتماماً لجهة القائم بدور المساند لجهود عملية التدويل وذلك من خلال الضغط على موسكو وبكين.
•    سعت أربعة أطراف أوروبية (باريس ـ لندن ـ برلين ـ لشبونة) لجهة إعداد مشروع قرار يستهدف دمشق، وسعت هذه الأطراف لجهة القيام بعملية التعبئة الفاعلة داخل وخارج المجلس من أجل تحقيق النجاح وتمرير القرار.
•    أكدت موسكو والصين مرة أخرى رفضهما لمشروع القرار، وبرغم ذلك ظلت الأطراف الأوروبية أكثر اهتماماً بالإلحاح على موسكو وبكين من أجل تمرير القرار.
•    تم تعديل القرار أكثر من مرة، ولكن، كلما تم تعديل القرار، فإن الصيغة الجديدة، تفيد لنفس محتوى الصيغة السابقة المرفوضة بواسطة موسكو وبكين.
•    سعت الأطراف الأوروبية هذه المرة إلى تقديم صيغة القرار إلى التصويت داخل مجلس الأمن الدولي، برغم تصريحات موسكو وبكين الرافضة.
تقول التقارير بأن عملية التصويت قد تمت داخل مجلس الأمن الدولي، مساء أمس الثلاثاء، وحصل القرار على مساندة 9 دول (فرنسا ـ بريطانيا ـ أمريكا ـ كولومبيا ـ البرتغال ـ ألمانيا ـ الغابون ـ نيجيريا ـ البوسنة والهرسك). وامتنعت أربع دول (الهند ـ البرازيل ـ جنوب أفريقيا ـ لبنان)، ورفضت دولتان هما روسيا والصين، واللتان استخدمتا حق الفيتو بشكل ثنائي، بما أدى بدوره إلى إجهاض عملية تمرير القرار.

* لماذا تقديم مشروع القرار للتصويت الدولي؟

درجت الأعراف التقليدية على قيام دول مجلس الأمن الدولي عل إجراء المشاورات المكثفة قبل أن يتم تقديم أي مشروع قرار للتصويت النهائي داخل المجلس، وفي هذا الخصوص فقد برز سؤال هام للغاية: لماذا أصرت الدول الأوروبية القريبة الداعمة لمشروع القرار لجهة طرحه للتصويت داخل المجلس برغم تصريحات موسكو وبكين المسبقة بعدم الموافقة على القرار؟
•    الإجابة الأولى تقول، بأن أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، ظلت تدرك بوضوح استحالية تمرير أي قرار دولي ضد دمشق، بسبب معارضة موسكو وبكين، ولكن لما كانت موسكو وبكين تعارضان مشروعات القرارات في مرحلة المناقشات فإنهما تلجآن للامتناع عن التصويت عندما يتم طرح مشروعات القرارات للتصويت النهائي، وقد حدث هذا الموقف مراراً وتكراراً، لذلك توقعت أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، بأن موسكو وبكين لن تستخدما حق الفيتو لجهة الاعتراض والنقض. طالما أنهما لم تهددان علناً باستخدام الفيتو في مرحلة المناقشات النهائية، لذلك فقد سعت أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن لجهة تقديم مشروع القرار للتصويت النهائي في ظل تخمينات وتوقعات تقول بأن موسكو وبكين سوف تكتفيان بالامتناع عن التصويت.
•    الإجابة الثانية تقول، سوف تضطر واشنطن إلى استخدام الفيتو ضد مشروع قرار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وهو أمر سوف يؤدي إلى إثارة غضب فعاليات الإسلام السياسي الناشطة حالياً في منطقة الشرق الأوسط، ولما كانت حركة الاحتجاجات السياسية السورية تحظى بدعم ومساندة فعاليات الإسلام السياسي الشرق أوسطية، فإن قيام واشنطن وحلفاءها بالسعي من أجل تمرير مشروع القرار الدولي سوف يحسن من صورة واشنطن وباريس ولندن على المدى القريب، وفي نفس الوقت يدفع فعاليات الإسلام السياسي لإثارة الكراهية ضد موسكو وبكين. ولاحقاً عندما تقوم واشنطن باستخدام الفيتو ضد مشورع قرار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، فإن مشاعر الغضب الإسلامي الشرق أوسطي سوف تكون أقل ضرراً.
•    الإجابة الثالثة تقول، لقد انتظرت أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، فترة طويلة لكي تتصاعد حركة الاحتجاجات السياسية السورية بشكل ضخم وفاعل على النحو الذي يساعد فعاليات التدخل  الخارجي. ولكن، وبمرور الوقت تبين أن حركة الاحتجاجات السياسية السورية التي بدأت محدودة وصغيرة الحجم، لم تستطع التمدد والانتشار، وإضافة لذلك استمرت محدودة وصغيرة الحجم، إضافة إلى أن حجمها بدأ يتقلص بما عزز التكهنات بأنها سوف تنتهي على المدى القصير، وبالتالي فإن القيام بتقديم القرار، سوف يؤدي إلى نتيجة ميدانية واحدة، وهي: إذا نجح مشروع القرار فإن واشنطن وباريس ولندن سوف يشرعون لجهة القيام بالخطوات التالية، وإذا فشل مشروع القرار، فإن واشنطن وباريس ولندن سوف يشرعون في الخطوات التالية البديلة، والتي في كلا الحالتين هي القيام بتكثيف الضغوط وتوسيع نطاق العقوبات ضد دمشق.
•    الإجابة الرابعة تقول، سعت واشنطن وباريس ولندن لجهة الانتظار والتريث، ولكن المعارضة الخارجية السورية الوثيقة الصلة بواشنطن، بدت وهي أكثر اندفاعاً في ممارسة الضغوط على واشنطن وباريس ولندن، واتهامهم بالتباطؤ، وقد سعت هذه المعارضة من أجل تشكيل مجلس قيادتها، وكثفت ضغوطها على واشنطن وباريس ولندن لجهة القيام بالضغط من أجل تمرير مشروع القرار، وفي ظل توقعات امتناع روسيا والصين عن التصويت، فإن صدور القرار سوف يتيح فرصة الحصول على الاعتراف الدولي بمجلس المعارضة، وعلى الأغلب أن تكون باريس ولندن من أوائل المعترفين.
•    الإجابة الخامسة تقول، سعت واشنطن لجهة مطالبة حلفائها الأوروبيين بتقديم مشروع القرار، وذلك برغم علم وإدراك واشنطن المسبق بأن روسيا والصين سوف تستخدمان حق النقض، وبالتالي فإن واشنطن ترغب في قيام موسكو وبكين بممارسة حق النقض. لأنه لا يعطي واشنطن حق الرد عن طريق قيام الكونغرس الأمريكي بإصدار قانون العملية الصينية، وقيام الإدارة الأمريكية بالمضي قدماً في خطوات الانسحاب من اتفاقية ستارت المتعلقة بضبط التسلح الاستراتيجي الدولي، والتي تبين أن واشنطن ترغب في التنصل منها وعدم الإيفاء باستحقاقاتها.
•    الإجابة السادسة تقول، بأن واشنطن ولندن وباريس قد تفاهمتا مع تركيا وبعض خصوم سوريا الخليجيين لجهة القيام ببناء تحالف دولي خارج مجلس الأمن الدولي من أجل استهداف سوريا، وبالتالي فإن تقديم مشروع القرار الدولي، هو من قبيل الإسراع في إعلان المسار الدولي بما يتيح توفير الذراع والمبررات لواشنطن وحلفائها من أجل التحول باتجاه مسار العمل خارج مظلة المجتمع الدولي، دون أي التزام بإجراء المشاورات مع موسكو وبكين.

بدت ردود الأفعال الأمريكية ـ الفرنسية ـ البريطانية أكثر غضباً ضد موسكو وبكين، وفي هذا الخصوص فقد تحدثت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس موجهة الانتقادات ضد الموقف الروسي والصيني، وتحدث السفير الفرنسي في مجلس الأمن الدولي قائلاً بأن إجهاض مشروع القرار الدولي سوف لن يثني فرنسا عن المضي قدماً في استهداف دمشق، ونفس الشيء بالنسبة للتصريحات التركية. وما كان لافتاً للنظر هذه المرة يتمثل في روح الوعيد والتهديد التي انطوات عليها ردود الأفعال التركية والفرنسية، الأمر الذي ينطوي على مؤشرات تقول بأن دمشق سوف تنخرط في مواجهات دبلوماسية مرتفعة الشدة خلال الفترة القادمة ضد محور باريس ـ أنقرا، والذي وإن كان قد اختلف كثيراً حول منح عضوية الاتحاد الأوروبي، فإنه سوف يتفق بشكل واضح في مخطط استهداف دمشق.

الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة

التعليقات

بالإذن من كافة خبرائنا السياسيين، اخترت أن أختلف معكم جميعاً ولا ينقص ذلك من خبرتكم شيئاً. يعلم الجميع أن الاعتراض على قرار في مجلس الأمن الدولي يحتاج إلى استخدام حق النقض (الفيتو) من قبل دولة واحدة، ولا يحتاج إلى دولتين. فلماذا تم استخدام هذه الورقة من قبل روسيا والصين معاً؟ ثم إنه من المعروف تماماً كم المحاولات التي قامت بها كل من واشنطن وباريس ولندن للضغط على روسيا والصين لتمرير قرار عقوبات على سوريا عن طريق مجلس الأمن الدولي، ويعلم الجميع أن كل هذه المحاولات قد باءت بالفشل، وبالتالي فإن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن من قبل روسيا أو الصين كان تحصيل حاصل. أما فرضية (استرضاء الاحتجاجات الإسلامية) لتخفيف الغضب على استخدام حق النقض من قبل الولايات المتحدة في حال طرح على مجلس الأمن الدولي قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فإن الجميع يعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية قد صرحت منذ بداية الفكرة بأنها سترفضها وهددت مراراً وتكراراً (قبل محاولة فرض العقوبات على سوريا عن طريق مجلس الأمن)، بأنها ستستخدم حق النقض (الفيتو) في وجه إقامة الدولة الفلسطينية، سواءً طرحت العقوبات على سوريا على مجلس الأمن أم لم تطرح. وتبقى فرضية (التحالف الدولي خارج مجلس الأمن)، والتي ستفتح أبواب جهنم على كافة حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، فإذا كانت الولايات المتحدة نفسها بعيدة عن مجال الضرب بالنسبة للقوى الإقليمية في الشرق، فإن قواعدها العسكرية وحلفاءها في المنطقة ليسوا بعيدين عن ذلك أبداً، وأخص بالذكر الكيان الإسرائيلي الغاصب، فهل تستطيع الولايات المتحدة (وحلفها الدولي الجديد) حماية إسرائيل من مئات الآلاف من الصواريخ التي ستمحو تلك البؤرة عن وجه الأرض؟ تبقى فرضيتي المتواضعة، أن الأمر تم بالاتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية ومعسكرها (من جهة)، وروسيا والصين (من جهة أخرى)، على استخدام حق النقض (الفيتو) من قبل الدولتين معاً كي يتسنى للولايات المتحدة ومعسكرها سحب نفسها من الموضوع مع حفظ ما أمكن من ماء الوجه بعد إلقاء اللوم على روسيا والصين (ربع سكان العالم)، بعد أن أيقن المعسكر الغربي أن عنق الزجاجة في سوريا لن ينكسر بأدواتهم البدائية، وأنهم إذا استخدموا أدوات أكثر دماراً (تدخلات عسكرية)، سيؤذي ذلك كل زجاجاتهم في الشرق الأوسط ويقضي (حرفياً) على وجود أي حلفاء لهم في تلك المنطقة.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...