أبناء يتعرفون إلى آبائهم البيولوجين عبر الأنترنت

20-09-2006

أبناء يتعرفون إلى آبائهم البيولوجين عبر الأنترنت

من الاكتشافات العلمية الطبية التي ظهرت اوائل تسعينات القرن الماضي، ولادات التخصيب الاصطناعي، أي التي تحصل من دون اي اتصال جنسي مباشر بين المرأة والرجل، وخصوصاً تلك التي تعتمد على واهب مجهول للحيوانات المنوية المُذكّرة. ويُشار اليها تقنياً بمصطلح «آي أيه دي» IAD ، اختصاراً لعبارة Insemination with Artificial Donner. تجرى هذه العملية عادة في عيادات ومختبرات متخصصة، فيقدم «الواهب المجهول» عينة من سائله المنوي، ليُصار إلى إجراء الفحوصات والاختبارات العلمية الضرورية للتأكد من سلامتها، وكذلك صلاحيتها لعملية التخصيب. ويجرى تلقيح بويضات الأنثى من ذلك الواهب، من دون الكشف عن هويته. ثم تسير الأمور في مجراها الطبيعي من الحمل والولادة. ويعتبر الطفل المولود بهذه الطريقة كإبن من أب بيولوجي غير معروف، وفقاً للمصطلح الطبي او «ولد الضرورة» بحسب التعبير الشعبي الشائع.

اما المبررات الداعية الى ركوب هذا المركب الخشن، فالارجح انها تدخل في اطار الضرورات التي تبيح المحظورات، بمعنى انها حالات قليلة، تدور في نطاق الاستثناءات. ويصفها الاطباء المتخصصون بالتلقيح الاصطناعي بانها تنجم عن اتفاق بين رجل يشكو من عجز جنسي يمنعه من الانجاب، كأن تكون حيواناته المنوية غير قابلة للحياة، وبين زوجته التي لا تمانع بالحمل اصطناعياً رغبة منهما في ان يكون لديهما طفل يغمر حياتهما الزوجية بالسعادة. وللأسف، فان هذا الوعد الوردي قد ينقلب سلبياً على العائلة جميعها، لشدة ما يخلفه من تداعيات مأسوية.

وفي هذا السياق، تحدث الاختصاصي الفرنسي جان لو كليمون، المسؤول عن مركز الدراسات المتخصصة بحفظ البويضات والحيوانات المنوية الانسانية في مستشفى ليون بفرنسا، إلى وسائل الاعلام أخيراً، عن تجاربه التي بدأها عام 1987. وبيّن انه عمل مع مجموعات من الازواج الذين طلب اليهم ان يحدثوا ابناءهم المولودين بواسطة التخصيب الاصطناعي، عما اذا كانوا يتقبلون هذه الوسيلة التي اتت بهم إلى وجه الارض والتي اخفوا عنهم اسرارها سنين عدة. وأفصح الاباء للابناء عن سيل الاسئلة المحرجة الذي سينهال عليهم بعد بلوغهم سن الرشد. ويقدر كليمون اعداد المولودين بالتخصيب الاصطناعي في فرنسا بنحو خمسين ألفاً. ويرى ان عملية التخصيب من واهب مجهول ترسم خريطة عائلية غير معروفة من قبل طالما ان الاب الشرعي اجتماعياً ليس له اي صلة بيولوجية بالابن الذي يتولى تربيته، في حين ان الاب البيولوجي يبقى مجهولاً إلى الابد . ولكن، كيف يفكر الابناء بالابوة والقرابة العائلية؟ يشير كليمون إلى انه اجرى استطلاعاً شمل 21 شخصاً ولدوا بطريقة التخصيب الاصطناعي (13 امرأة و8 رجال) تراوحت اعمارهم بين 18 و40 سنة . ومما لاحظه ان هؤلاء جميعاً انتابتهم الدهشة حين اكتشفوا حقيقة ولادتهم، على رغم ان الحقيقة التي أُخفيت عنهم مر عليها زمن طويل. ومع ذلك فان البعض منهم تقبّل الفكرة كأمر واقع، خصوصاً انه عاش حياته بشكل طبيعي في كنف عائلة كانت تربطها على الدوام علاقات عاطفية حميمة، فلا فرق ألا يكون من منحه الرعاية كأب اجتماعي، هو أيضاً أبوه البيولوجي. وتمثّل المعيار لديهم في ان الاب هو من يربي وليس من ينجب. اما البعض الآخر ممن عرف الحقيقة متأخراً، كأن يكون بعد وفاة الاب الاجتماعي او في حالات توتر العلاقات الزوجية او اثر انفصال الزوجين، فكانت ردود أفعالهم مأسوية إلى حد بعيد: شعور بالصدمة والاكتئاب، واضطرابات نفسية هيستيرية وصولاً إلى الاصرار على اكتشاف حقيقة الأب البيولوجي بأي طريقة وبأي ثمن.

يذكّر كليمون بالمثل الفرنسي القائل «ابي هو ابي» Mon pere c,est mon pere، ليقول ان الساعين الى معرفة آبائهم البيولوجيين لا يملكون شيئاً سوى الصورة الرمزية التي يراها كل منهم من زاويته الخاصة. ويؤكد ان تلك الصورة تبقى لاجل غير محدود عالقة في خيالهم العاطفي أو في لاوعيهم الباطني.

وخلافاً للصورة الرمزية التي يتحدث عنها كليمون، اصبح في امكان الابناء المولودين من آباء مجهولين او الباحثين عن نصف اخوة او نصف اخوات، ان يقصدوا بعض العيادات والمختبرات المتخصصة في دول السويد وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة، للحصول على المعلومات المناسبة. وفي المقابل، فان تلك المراكز تتطلب اجراءات طويلة معقدة، واعداد كشوفات طبية وملفات جينية وغيرها. وتترتب على ذلك اكلاف مالية باهظة، فضلاً عما يرافقها من اشكالات قانونية وقضائية. وتفادياً لتلك المتاعب، بات في امكان هؤلاء الابناء ان يلجأوا إلى الانترنت كدليل مجاني يؤدي الغرض ذاته. فقد اعلن أخيراً في الولايات المتحدة عن انشاء أول موقع مجاني في العالم على النت يتخصص بهذه المعلومات, وعنوانه donor sibling registery.com يسمح لابناء الآباء البيولوجيين وانصاف الاخوة والاخوات ممن تتجاوز اعمارهم سن الثامنة عشرة، ان يتعرفوا الى بعضهم بعضاً ويتلاقوا وينشئوا في ما بينهم علاقات كانت خافية عليهم من قبل. ويشترط الموقع على مستخدميه ان يسجلوا اسماءهم ويتركوا ما في حوزتهم من صور وملفات طبية وفحوصات مخبرية وجينية وغيرها من الوثائق الشخصية. ويبادر الموقع إلى تنظيم المعلومات الواردة اليه وجدولتها لكل دولة على حدة، ويحيلها تباعاً إلى العيادات المتخصصة، ثم يبلغ المعنيين بالنتائج عبر شاشة الانترنت.

ويذكر الموقع ان عدد الدول المسجلة فيه إلى اليوم تجاوز العشرة وان نحو 850 ألفاً من انحاء العالم تقدموا بملفاتهم الكاملة للبحث عما يسميه «زجاجة في البحر». ويدل هذا الرقم الى ان كثيراً من الاشخاص كسروا حاجز الخوف او ما كانوا يعتبرونه سابقاً من المحرمات. ويورد الموقع عينه ان الولايات المتحدة تشهد سنوياً نحو 30 ألف ولادة بطريقة التخصيب الاصطناعي من أب مجهول.

علي حويلي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...