عمر أميرلاي يخرج فيلما عن حياة الممثلة " إغراء "

12-07-2010

عمر أميرلاي يخرج فيلما عن حياة الممثلة " إغراء "

يستعد المخرج عمر أميرلاي، لإخراج فيلمه الجديد «إغراء تتكلم» الذي يتطرق لحياة النجمة السينمائية السورية المعتزلة نهاد علاء الدين التي لقبتها صحافة السبعينات بلقب «بريجيت باردو الشرق»، ولأن أميرلاي ليس بالمخرج الذي يبحث عن الموالمخرج عمر أميرلايضوعات السطحية بعد مسيرة حافلة بأقوى الأفلام الوثائقية، فلقد التقيناه بحديث متشعب هذه بعض من مقتطفاته:
حول مشروع فيلمه الجديد «إغراء تتكلم» يقول أميرلاي: بعد صمت طويل واعتزال مندد بمواقف ساسة ومديري الفن والسينما في سوريا تجاهها؛ ستخرج إغراء للوجود للحديث عن سيرتها السينمائية التي لن ترضي الكثيرين، هذه الفنانة النجمة التي انزوت لسنوات دون تكريم أو اعتراف بدورها في الترويج للسينما السورية، لأن القيمين على شؤون السينما ينظرون إليها كممثلة أفلام تجارية.
ومشروعي هو إعادتها بحقيقتها على الشاشة، فلقد كان لهذه النجمة المفتونة بالفن السابع مشروع قاتلت من أجله لسنوات، وهو مشروع يتعارض مع الأمر الواقع والمفاهيم السائدة، وهي تمتلك من الجرأة التي تحسد عليها، وهي مثال للمرأة الحرة، وأعتقد أن مَن يتملقون جواريهم ويجلدون زوجاتهم لن يعجبهم هذا الفيلم.
حول رؤيته الفلسفية لبعض أفلامه الوثائقية يقول أميرلاي: لقد كنت أنزع عن نفسي السلطة التي يمنحها الإخراج لي وهي سلطة إدارة الكاميرا، وقد حققت هذه الخطوة في أفلام مثل في يوم من أيام القتل العادي عن صديقي الباحث الاجتماعي ميشيل سورا، وفيلم «الحريري» والفيلم الذي أنجزته عن صديقي الراحل سعد الله ونوس.
هل يستطيع أميرلاي أن يتصور نفسه غير ما هو عليه، يجيب بتهكم: أنا مبسوط بحالي ولا أتخيل حياتي وحياة 300 مليون عربي وهم بعيداً عن قبضة العسكر، ولكني كان يمكن أن أتجه للرسم، وكانت لدي عدة تخيلات في مراهقتي وشبابي بأن أصبح فناناً أوبرالياً وأنافس شهرة الراحل فهد بلام في الغناء، وأن أحرر فلسطين وعشرات من الأحلام التي تبخرت، ولكني لا أعتقد بأسطورة الجينات الفنية بمعنى أن النغم والموسيقى والسينما والشعر وغيرها تولد مع الإنسان حين ولادته، ومن يدعي ذلك فهو كاذب.
يجمع عمر أميرلاي بمجموعة من المخرجين روابط قديمة من بينهم محمد ملص وأسامة محمد وآخرون، فهم خريجو مدرسة الحياة الذين جمعتهم عدة تلاقيات فنية وفكرية، يقول أميرلاي: يمكنك أن تلمس لدى الجيل السابق آمالاً وطموحات ثقافية وإنسانية مشروعة قهرها الاستبداد والتخلف، ولقد أردنا من خلال منجزنا الفني أن نسهم في بناء مشروع لبناء مجتمع مدني، وجرت الرياح بغير ذلك، على الرغم من علاقة أميرلاي الطيبة بمعظم أبناء الوسط الفني في سوريا.
كانت سوريا من بين أعرق الدول العربية في مجال السينما منذ ظهورها في العالم، وتذكر الوثائق أن أول فيلم سينمائي جرى عرضه في سوريا عام 1908م في أحد المقاهي الصغيرة بمدينة حلب، وفي عام 1928 أنجز أول فيلم سينمائي سوري بعنوان «المتهم البريء»، وكان عدد صالات السينما في سوريا حتى منتصف الستينات حوالي 170 صالة سينما لم يتبقَ منها سوى 14 صالة عرض منهكة، يقول أميرلاي بحسرة عن واقع السينما السورية التي لم تنجز طيلة 9 عقود سوى 100 فيلم:
لقد كان لكل 60 ألف شخص بسوريا صالة سينما، وكانت الأفلام السينمائية تعرض في أوروبا لتجدها بعد أيام في سوريا، ولكني أقول كلمة في ذلك وفي غيره من نواحي الحياة؛ حين يقول الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب انه سيعيد العراق إلى العصر الحجري، فان الأميركان يناقضون أنفسهم لأننا بالفعل نعيش هذا العصر في كل بلداننا العربية التي تحكمها الأنظمة الشمولية، فهل في ذلك جواب واضح!
ويصرّح أميرلاي في أكثر من مناسبة بأنه إنسان اجتمعت فيه عدة جينات شرقية من عربية وكردية وعثمانية وشركسية، ويضيف بوضوح: ليس هناك في العالم في الأزمنة المعاصرة ما يمكن أن يكون عرقا نقيا وليس هناك صفاء عرقي، وقد أتاحت لي ولادتي من عدة أعراق أن أكون إنسانياً بعيداً عن التعصب القومي الذي لا أجد له أساساً علمياً وواقعياً والحديث يطول في ذلك، فكنت دائماً بعيداً عن التعصب العرقي والديني والطائفي، كما أنني أعتبر المكان الذي أكون فيه ولادة وحياة وموتاً مصادفة محضة، فهل أستطيع أن أبني على المصادفة رؤية أيديولوجية؟
ولد أميرلاي على مرمى حجر من مقام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي في بلاد الشام، وكعادة ساكني ذلك الحي الشامي البسيط؛ تعلّق أميرلاي بروحانية هذا المتصوف الكبير، فكتب على نفسه بعد دخوله على الإخراج والفن؛ أن ينذر ذبيحتين لروح «ابن عربي» كلما أنجز فيلماً، وبالفعل كان ذلك، وعلى الرغم من أن عمر أميرلاي يعترف بعدم إبحاره في عالم التصوف والتعمق فيه؛ إلا أنه يشعر بقوة حضور الشيخ الأكبر في حياة الناس إلى هذا اليوم.
ويضيف: إن الرائي لحياة ابن عربي الذي تأثرت بجواهره في طفولتي؛ لا يشك أبداً أن مقدار الروحانية وما يمكن أن يعرف بالديمقراطية والحرية الفردانية التي آمن بها هو الذي أكسبه ذلك الاحترام الكبير في مختلف أنحاء العالم، فلقد أوصل الناس إلى المنطقة المجردة بين الديانات العالمية الكبرى.
ولا أعرف إن كنت قادراً على إنجاز فيلم عن هذه الشخصية الكبيرة، وإن كان من شخصية تاريخية تستحق أن ينجز عنها فيلم أو مسلسل ضخم فهي شخصية ابن عربي التي جمعت الشرق والغرب إلى منطقة وسطى.
أنجز أميرلاي مجموعة أفلام وثائقية عن شخصيات عربية وعالمية شهيرة، ولكن كان الموت يطاردهم، فقائمته تمتد من رفيق الحريري إلى الراحلة بنظير بوتو رئيسة وزراء باكستان إلى فاتح المدرس التشكيلي السوري المعروف، وحين سألناه عن ترابط الموت مع تلك الشخصيات؛ أجاب بروح النكتة التي تسحر كل من يحاوره:
هل تعني أنني أصبحت عزرائيل السينما؟ أعتقد أن الحياة فيها مجموعة مصادفات، ومن باب المصادفة أن يلاحق الموت بعض الشخصيات التي أنجزت عنها أفلامي، فأنا أعتبر نفسي مريضاً بملاحقة تفاصيل الناس سواء كانوا مشهورين أو لا.
والملاحظات الدقيقة في حياة الناس البسيطة التي يدفعني الفضول إليها هي التي تخلق لدي هذا الجو الفني الإنساني الحقيقي، والوسواس الذي تلبسني منذ طفولتي التي أمضيتها خلف نوافذ بيتنا العربي بحي الشعلان وهو ملاحقة تفاصيل الناس ورسمها بمخيلتي، هو ذاته الذي يدفعني يوماً بعد آخر لإنجاز أفلامي، فأنا مغرم بالحياة، ولم أتعامل يوماً مع صورة الناس كقطيع بعد إبحاري في السينما.

محمد الأنصاري

المصدر: البيان

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...