ماحدث مع لويزا بنت بولاق

07-04-2006

ماحدث مع لويزا بنت بولاق

 ‏‏‏‏لم تر قرب سجن عكا أي جنازة، ولم يحدثها أحد عن محمد جمجوم أو فؤاد حجازي رغم أنها ظلت في مراقص المدينة لسنة كاملة تتعرى للفلسطينين والاسرائليين معا ، قبل أن تذهب نحو يافا، وحيفا، وتتوب توبة عنيفة في كنيسة القيامة ،وهي ابنة إمام جامع لحيته أطول من ذراعه، لكنها لم تستطع أن تتعاطف إلا مع المسيح الذي تحمل صليبه خلسة، بوشم صغير بين ثدييها الاسمرين الذين نبتا فجأة منذ أن كانت في العاشرة، وأطلقتهما في يد فلاح شاب عندما تجاوزت الثالثة عشر، ثم بعد عام منحته عذريتها بين أكوام أكياس القمح، و فوق صخرة افترشاها لأكثر من خمس ساعات متتالية ، وظلا يفترشانها الى أن انقطعت دورتها الشهرية بفعل جنين أجهضته بخمس دولارات عند طبيبة فرنسية تؤمن بالاجهاض وبالحروب الصليبية، وبأن العالم لا يحتاج الى المزيد من الأطفال الفقراء، ولذلك لم تتوان عن مد أدواتها المعدنية في ارحام النساء الفقيرات اللاتي يتوافدن إليها من كل فج عميق، ثم إن الطبيبة وجدت مشنوقة في دورة مياه عيادتها عارية ومن فرجها تتدلى كل الادوات التي قتلت فيها آلاف الأجنة بأعصاب باردة.‏‏‏‏‏‏
لوالدها أرض مات فيها فجأة بعد أن ركلته بغلته الكبيرة بعنف على خصيتيه الطاهرتين، لتصعد روحه الى سابع سماء، أو هكذا يُفترض لأنه لم يكن في جبال القوقاز من أحب الله كما كان بولاق سيف الدين اجاوير، ثم بعد عام ماتت أمها ذات الجسد الكبير وهَوَت الى سابع أرض، أو هكذا يُفترض، لأنه لم يكن في جبال القوقاز امرأة آمنت بأن لينين هو البديل المنطقي لله كما فعلت أولرينا اجاوير، ولأن حبيبها الفلاح باع أرضه واشترى شاحنة بمخازن سريه لتهريب الأسلحة لمجاهدي الشيشان، ثم مات بدوره، لتعلق روحه بين السماء والارض، لأن حسناته توازي تماماً سيئاته، ولأن شقيقتها الوحيدة والكبيرة قالت لها أن الحياة هناك حلوة، وأن المال وفير، وأن الله أعطاهما جسدا يستحق أن يحيا خارج الثياب، ركبت الباص، ثم القطار، ثم باخرة، ومن بعدها طائرة، وحصلت على ما يكفي من الاوراق المزورة، لتهبط في مطار مكتوب على سطحه أهلاً بكم في اسرائيل.‏‏‏‏‏‏
كلكم ستموتون كانت تقول لنفسها وهي ترقص حول عمود معدني يتدلى من الاعلى، وتخلع ثيابها قطعة تلو الاخرى، لأن قرآن والدها كان يقول ذلك ولو بعد حين، ولذلك لم تستطع إلا رؤية الموت في وجوه الجميع، حتى في وجه شقيقتها التي تزوجت من يهودي مصري، وخسرت واحداً من ثدييها الرائعين بسبب سرطان لعين، وثديها الثاني بعد أقل من عامين، ثم همس لها صوت غامض أن تترك المكان وأن تتبع اسم الله، الذي لحقته من المسجد الأقصى، الى مكة، وتمرغت في حيطان كل من قيل أنه كان من الأولياء، وعادت إلى بلادها، وصار الصوت الغامض يأتيها كل يوم، حتى غدا بمقدورها أن تُكلم الطيور، والحيوانات،ثم صارت ترى شيئاً من مصائر الناس، وتكتب للملوك والرؤساء والمشاهير في رسائل سرية مدموغة بالشمع الأحمر، ما سيدحث معهم، وكيف لهم أن يتهربوا من أقدارهم المحتومة، وحين صارت الناس تحيد عما كتب لها في صحائفها، غضب الله، وكتم عنها الصوت الغامض، وحرمها من لغة الكائنات، وعادت كما كانت مجرد امرأة بلا ثديين ، ترسل الى اسرائيل تستجدي شقيقتها القليل من المال فقط لتبقى على قيد الحياة.‏‏‏‏‏‏
كلهم أحبوا لويزا، واتفق الجميع على أنها ليست ملكاً لأحد، هي عصفورة عكا، وفراشة يافا، وبهجة حيفا، وهي الخط الاحمر الذي لا يتجاوزه أحد، لا حماس، ولا فتح، ولا حزب العمال، أو الليكود، هي في الوسط بين اليمين واليسار، القاتل والقتيل، وهي التي لن يضاجعها أحد لتظل قادرة عل إشعال الفرح في المراقص التي يفعل فيها الجميع ذات الشيء " الفرح "، ولويزا أحبت ياسر عرفات وأعتادت أن تردد بلغة عربية مكسورة " ياجبل مايهزك ريح "، وحين مات بكت لشهر كامل، ثم زارت قبره خلسة، وأقنعت كل من كان في مرقصها أن يشربوا نخبه، ثم كان من أحدهم أن أطلق النار عليها لأنها لم تذكر اسم شارون، مرت الرصاصة قرب الرأس، في تلك اللحظة سمعت صوت والدها يصرخ من السماء السابعة التي يُفترض أن يكون فيها " أخفضي رأسك " وهكذا نجت من أول تجربة لها مع الموت، وصارت ترى الموت ليس في وجوه الناس فقط بل في وجهها، الذي راحت تراه في المرأة يذبل اليوم تلو الآخر، وتضيع منه تلك البهجة الغامضة التي يشعر فيها كل من ينظر إليها، وخاصة بعد أن باغتتها راقصة يهودية بطعنة في الفخذ، جعلتها عاجزة عن الرقص كما كانت من قبل، واتفق كل من حولها على مضاجعتها الواحد تلو الآخر، فسلمت أمرها لحبيبها المسيح في كنيسة القيامة، ثم للشرطة بكل ما لديها من أوراق مزورة، لتعود من جديد الى بلادها، بطائرة، ثم باخرة، وقطار، وباص،وهناك كان عليها العيش مع شقيقتها التي تزوجت برجل بلا ذراعين قال لها ذات مساء... نحن متعادلين أنت بلا ثديين، وأنا بلا ذراعين لألمسهما، لماذا لا نتزوج...،و أنجبا بنتاً لم تذق حليب أمها، ولم يعانقها والدها أبداً.‏‏‏‏‏‏
ذات مساء كتبت لويزا حياتي لم تكن بهذا السوء، ولم أشعر أني ارتكتبت حماقة تجعلني أخجل أو أن أخاف، كل ما فعلته أني منحت للناس ما منحني الله إياه، وإلا لمذا وهبني هذا الجسد الملفت أكثر مما ينبغي، كل ما أريده الآن شراء منزل تتسع حديقته للمزيد من الكلاب والماعز، والبط، كل ما أريده الآن مدينة تمنحني فرصة جديدة لجمع المال، ولرجال يتفقوا على عدم مضاجعتي، فقط أن يتملوا بما يمكنني منحة دون ملامسة، لكن احداً من ملبيي الادعية، لم يستجب لها، وقادها قدرها الى مدينة كل من فيها يُفرغ نقمته بالجنس، لا أحزاب فيها ولا فصائل، لا شيء بالمطلق غير الشهوة التي تسكن سكانها من نعل أحذيتهم الى أعلاهم، ولويزا عصفورة عكا، وفراشة يافا وبهجة يافا، صارت تؤجر نفسها لقاذفي النطاف في الواقيات الذكرية، وفي بلادها ثمة بيت يُبنى ببطء شديد وقاتل، وشقيقة عاودها السرطان وقتلها، وزوج أخت تعلم الكتابة بقدميه، والتدخين كذلك، وصار يعرض مهاراته في ساحة البلدة، بينما ابنته، لا تتوقف عن افتراش الصخور هي وعشاقها الذين كان يحضرون لها أقراص الكعك، والخواتم الفضية، والقليل القليل من النقود.‏‏‏‏‏‏

 

حازم سليمان 

 الجمل ـ  بالتزامن مع أوكسجين ‏‏‏‏‏‏

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...