الزواج عابر الثقافات

16-01-2010

الزواج عابر الثقافات

لم تستطع مقولة صِدام الحضارات التي أطلقها (هنتنغتون) ان تغير شيئا يذكر على صعيد التواصل بين الشعوب والحضارات، بل ان ما عبرت عنه «ذخيرته» الفكرية حول الحرب الحتمية بين الأديان قد سقطت. رغم ذلك فان الكثير من المآسي، وكذلك الكثير من الأفراح قد نجمت عن اختلاف الثقافات في الزواج المختلط على الآباء وعلى الأبناء، فإلى أي مدى يمكن الفصل بين ما هو عاطفي وما هو ديني وحضاري في العلاقة الزوجية؟ وكيف يمكن فك تلك المفارقات التي جمعتها هذه الظاهرة إذا كان المجتمع يقاوم هذا الزواج من جهة، ويروج لنموذج غربي للمرأة في الواقع الثقافي، ويرفض النموذج ذاته في واقعه الاجتماعي؟ الزواج المختلط بدايته علاقة عاطفية ودوافع اقتصادية أو لجوء سياسي وهروب من الواقع، ونهايته خلاف، وصراع، وانفصال، واحيانا تكامل واندماج.صورة مشرقة نقلها هؤلاء الأزواج وكيف ينعكس تباين التشريعات بين الدول على الأطفال المنحدرين من الزواج المختلط؟
لتحليل هذه الظاهرة ورصد خلفياتها وأبعادها... هذا التحقيق:

الشوارع مرصوفة بالفرص والنساء الشقراوات ينتظرونك على مفارق الطرق وفي كل الحانات، والنقود تتدلى من الأشجار مثل ندف الثلج المتجمدة في شتاء روسيا الجليدي. وبمجرد أن تدخل هذه الأرض المترامية فان الحياة الجميلة والسعيدة ستبدأ: إنها روسيا التي وفد اليها وائل، تاركا خلفه في وطنه مصر ذكريات مؤلمة عن شظف العيش وذل البطالة وأنفلونزا الفقر التي لم ينجح اي لقاح هناك في القضاء عليها. لكن ما كان يجهله وائل هو التشرد المر الذي سيجد نفسه مجبرا على مواجهته منذ دخوله الى قارة المستقبل. الثروة التي يملكها لا تتجاوز الـ150 دولارا، وعليه الفوز بمملكة للنوم تحميه من ليل روسيا وصقيعها الجارح، كذلك عليه ان يشتري ما يبعد عنه وحش الجوع، وقبل هذا وذاك يحتاج الى عمل يبقيه قادرا على مواصلة الحياة بعد ان فقد كل قماش الأحلام الذي تدثر به قبل رحلة التيه.
مرحبا بكم في جنة الزواج
«عام سعيد» تقول فتاة روسية للشاب المصري، ثم تعانقه بكلتا يديها وتهمس في أذنه «انت وسيم جدا يا وائل.» كان يوم الحادي والثلاثين من شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام 2007 حينما ابتسمت الحياة لهذا الشاب الباحث عن نبتة الكنز، قبل ذلك كان يعيش هلع الكوابيس، ولم يكن يرى أي افق لتحقيق طموحاته العديدة. لكنه في آخر المطاف تمكن من الزواج من دون أي عوائق او التزامات (كالمهر وامتلاك شقة سكنية وراتب شهري... الخ)، بل اكثر من ذلك انه هو نفسه استراح من مشكلات السكن وأعبائه المالية وبات يقيم في منزل زوجته. يتخيل نفسه في الجنة «سأحقق كل ما خططت له خلال 3 أعوام، لذلك عليّ البدء منذ اللحظة بإجراءات الحصول على الجنسية الروسية... انها خطوة ضرورية للتحرر من «رفيقة العمر». وبعدها سوف أقوم بالقفزة الكبرى في اتجاه بريطانيا» التي سوف يلتحق بإحدى جامعاتها لدراسة علم المال والاعمال!
اما ليليانا فان تجربة زواجها من رجل لبناني منذ 8 أعوام فهي ناجحة حتى الآن، ولكن هناك بعض الصعوبات التي تواجهها في بيروت التي تعيش فيها منذ الزواج.
فالمعيشة هنا أصبحت صعبة مقارنة بما مضى بسبب الغلاء وسوء الوضع الاقتصادي للبلد. فنحن نفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الضرورية: الكهرباء والمياه ووسائل التدفئة العصرية، كذلك اشعر أنني محاصرة بعادات وتقاليد أهل زوجي، ولذلك كان عليها التخلي عن غالبية ما يمت الى شخصيتها، ويعبر حقيقة عن كيانها الإنساني. وتضيف ليليانا:
أسلمت بعد خمس سنوات من زواجي قبل إنجاب ابنتي، لأنني خفت ألا يسمح لي بالاحتفاظ بطفلتي في حالة الطلاق، أو عدم حصولي على حقوقي في ميراث زوجي في حالة الوفاة، إن كنت غير مسلمة. ليليانا ذهبت الى ابعد من ذلك حين أشارت بشكل موارب إلى هيمنة ثقافة على ثقافة أخرى، والى سيادة ما يسمى في المشرق النظام الأبوي او السلطة الذكورية:
ألتزم بتطبيق ما يطلبه مني زوجي من ناحية اللباس المحتشم، أو حتى فعل أشياء شخصية أخرى، كالخروج من المنزل، واختيار الأصدقاء، كما أنني تعلمت تجهيز الأكلات اللبنانية لتقديمها له.
اما ابنتي فلا تزال رغم اقامتها الطويلة في لبنان تفضل الدراسة في موسكو، فهي تجد ان الحياة والصداقات وأنماط العيش هناك أفضل بالنسبة إليها.
ليليانا تعرف الكثيرات من الروسيات اللواتي تزوجن بعرب ولم يستطعن التأقلم، وفضلن الرجوع إلى بلدانهن الأصلية بعد سنة أو سنتين.
الزواج مبني على أسس متعددة منها الاحترام المتبادل والثقة والحوار، لكن أهمها هو التفاهم المتبادل بين الشريكين. والزواج من أجانب يفرض تحديات جديدة على الزوجين نظرًا لوجود اختلاف في اللغة والدين والعادات والتقاليد. لكن السوري عادل الذي تعلم في الجامعات الروسية واختار العيش في هذا البلد بشكل نهائي، يرى «أن الطريقة الوحيدة التي ينجح فيها الزواج المختلط نجاحاً تاماً هو أن يقدم كلا الطرفين تنازلات واسعة. فالتضحية عامل مهم وأساسي جدا في أي علاقة زوجية».
 وفي روسيا تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن عددا هائلا من النساء الروسيات اخترن أن يكون شريك حياتهن أجنبيا. إذ وصل عدد عقود الزواج الى أكثر من 50 ألف عقد خلال أعوام قليلة. والمثير للاهتمام ان عدد النساء الروسيات المتزوجات من أجنبي يتجاوز بكثير عدد الرجال، بل بالإمكان القول ان الشباب الروس نادرا ما يتزوجون من خارج مجتمعاتهم، على عكس ما هو سائد في المجتمعات الأوروبية الأخرى، حيث نجد في ألمانيا على سبيل المثال ان عدد الشباب الذين تزوجوا من اجنبيات قد ارتفع الى 29 ألف زيجة، في مقابل نحو 21 ألف زيجة لسيدات ألمان من أجانب، وهو ليس بالأمر المعتاد، إذ دأبت النساء على التفوق على نظرائهن من الرجال في هذا المجال على مدى الأعوام السابقة، ففي سنة 1985 كان عدد الرجال المتزوجين من أجنبيات 2708 بينما تجاوز عدد النساء اللواتي تزوجن من رجال أجانب 15 ألف امراة. واستمر المعدل على هذا المنوال حتى نهاية فترة التسعينيات. من دون النظر في صحة هذه الظاهرة او عدمها، او في ما اذا كانت هذه الزيجات ناجحة ومثالية بالنسبة إلى الأبناء.
لكن عادل الذي يعتبر نفسه انه واحد من بين محظوظين كثر استطاعوا ان يغردوا خارج الفضاء الزوجي الفاشل الذي وسم بعض الزيجات العربية الروسية وبالعكس، والذي اجتهد كثيرا لاستيعاب اللغة الروسية وإجادة التعبير بها، يسجل في هذا السياق «ان اللغة تعكس القيم الحضارية والاجتماعية لثقافة معينة، لذلك يحتاج الزوجين في حالة الزواج المختلط إلى لغة مشتركة أو وسيطة يتخاطبان بها. ولكن يبقى الحب هو الدافع والاساس لاستمرار هذه العلاقة حتى في حال وجود بعض ثغرات اللغة بين الزوجين. فالحب الذي يربط الطرفين يستطيع ان يتغلب على عامل اللغة. اما بالنسبة لفرق الديانة، فهذا يرجع للفرد وتربيته. فالبعض يرى أنه اذا كان الفرد منفتحا بطبيعته على الديانات الأخرى، تقبل ديانة شريكه وبالتالي لاقى تقبلا مماثلا من قبل الشريك الآخر». غير أن هناك رأيا ثالثا يعتبر ان على احد الطرفين التخلي عن ديانته لأنه اذا كانا كلاهما متشددين فسيجدان صعوبة هائلة للوصول إلى حل يجمع الطرفين.
سيدة روسية كان لنا لقاء معها تحدثت فيه عن ظروف لقائها بزوجها اللبناني في أحد مقاهي موسكو. فالزوج كان في رحلة عمل دامت ثلاث سنوات، هذه المدة كانت كافية ليتعرف بها على الفتاة الروسية. وبعد ثلاث سنوات انتهت رحلة العمل لتبدأ معها رحلة الزواج.
 ومنذ سنة ونصف تسكن هذه السيدة في شمال لبنان وهي تحاول جاهدة الانخراط في المجتمع اللبناني عبر تعلم اللغة الدائم والمستمر، كما تسعى إلى تامين عمل يساعدها على إثبات قدراتها. اما اللغة فهي ما زالت عائقا بينها وبين عائلة الزوج ومحيطه الاجتماعي. ولكنهم يتغلبون على هذه المشكلة بالصبر والحب وان كلفهم الأمر أحيانا الاستعانة بلغة جديدة هي لغة الإشارات. إلا إنها سعيدة في زواجها وتحترم طريقة عيش زوجها ونمط تفكيره كما يحترم هو نمط تفكيرها ويقدرها. لقد جمعوا كل ما هو جميل من كلا الثقافتين اللبنانية والروسية ووضعوه في اناء واحد.
 الدكتور(أ) تزوج قبل20 عاما، تقريبا في نهاية مرحلة دراسته. لم يكن يريد الارتباط بزوجة روسية ولكنه رآها ذات طبع حسن وطيبة. ولم تكن هناك علاقة حب عاصفة وانما اعجاب عقلاني.
انجبا الاولاد بعد زواجهما بفترة من الزمن، واستقبل اهله هذا الامر بشكل عادي – «أهلي ديمقراطيون».
وعندما زار وطنه مع زوجته، اعجبتها الحياة هناك والاجتماعيات ايضا، ولكن هي بطبعها منغلقة وتضجر من التفاعل الاجتماعي، ولم تستطع التأقلم، ولكن هذه المسألة فردية من وجهة نظره، فبعض النساء اعرفهن جيدا غادرن الى بلد الزوج ويتأقلمن ويتعلمن العربية وهن من اصل موسكوبي او من سانت بطرسبورغ اي من مدن كبرى، ويفضلن العيش في الريف. أعتقد ان هذا يعود لطبع الانسان. يتابع (أ) بمرارة، زوجتي لا تستطيع التأقلم لأنها منغلقة.
اشياء كثيرة لا تعجبها هناك، فهي لا تتصور بأن تترك بلدها وتعيش في الغربة، اي الانتماء للوطن». اما عن الاطفال فيؤكد ان انتماءهم الى روسيا أكثر. اكلمهم بالعربية ولكن حسب القدرة. ويخلص من تجربته الى التأكيد ان المرأة العربية تتفهم زوجها اكثر من المرأة الروسية .
الزوج بالنسبة الى الروسية هو ان يحقق المستوى اللائق لحياة اسرته والا فانه بنظرها يصبح قطعة اثاث غير مرغوب فيه. ولا تعطيه الحق في التدخل بشؤونها: شرب الخمر او الخروج من المنزل الى أمكنة يجهلها، وهذا بالنسبة الى الشاب العربي امر مهين.
اليوم يتمنى الدكتور لو ارتبط بفتاة عربية لأنها برأيه تبقى افضل من كل النواحي . وهذا ما يلاحظه من زوجات اخوانه الذين يحفظون بيتهم بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي.
«حياتي في روسيا هي اولادي فقط»
ابنة رجل عربي متزوج من فتاة روسية ترى ان مسألة تقبل ثقافة الآخر او عدم تقبلها تعود الى جينات الانسان. أنا الآن نصفي روسي والنصف الثاني عربي، واتقبل الحضارتين الا اني بانتمائي روسية اكثر.
واعتقد ان السبب الاساسي في فشل زواج ابي من امي انهما ينتميان الى طبقتين مختلفين احدهم يمثل الطبقة المثقفة والآخر يمثل الطبقة العاملة، الارتباط اذا لم يكن بكل معانيه الروحية والجسدية والعقلية والفكرية فسيصل الى الطريق المسدود، وهذا ما حدث، اذ وصل والداي الى هذه النقطة وانفصلا. اما السبب الاساسي لطلاق امي من ابي فهو انها علمت انها هي الزوجة الثانية، ووضعت له خيارا، وكان ان تطلقا وكبرت من دون اب. وبقينا انا وامي هنا.
 بينما تؤكد نتاشا التي تزوجت بشاب أردني كان زميلا لها على مقاعد الدراسة الجامعية، ان أساس نجاح الزواج هو تطور كلا الزوجين بنفس الوتيرة ورغبتهما الشديدة للبقاء معا، وهذا ما يعطيهما الدافع للاستمرار في علاقتهما. وبعد تجربتها الناجحة، تنصح أولادها بخوض هذه التجربة اذا كان لديهم مرونة كافية لاستيعاب الآخرين وبالتالي تقبل العيش بمجتمع لا يشبه مجتمعهم والتأقلم فيه.
كما اخبرنا شاب مغربي متزوج من فتاة روسية منذ حوالى 10 سنين عن تجربة زواجه الناجحة وإعجابه الدائم بزوجته الواثقة من نفسها، المتحررة والمستقلة بذاتها. أما أهله فكان لهم تحفظ كبير على موضوع الزواج لكن لم يكن لديهم رفض مبدئي للفكرة إنما تخوفوا من الخلافات الثقافية، تربية الأطفال والتربية الدينية بشكل خاص. ويطلعنا على سر نجاح زواجه وهو عامل اللغة المشتركة لان الإنسان يقدر ان يشرح مواقفه ويعبر عن نفسه بشكل جيد وهذا ما يوفر عليه الكثير من المشاكل التي هو بغنى عنها. اما عامل الدين فما زال يشكل موضوعا دقيقا بالنسبة إليه. فزوجته تتقبل دينه الإسلامي وتتفق معه في نقاط، ولكن تختلف معه في نقاط أخرى. غير أن الجوهر الأساسي لعلاقتهما هو تقبلها لدينه الذي يفتح بابًا للحوار والتفاهم على أساس صريح.
هذه الصورة المشرقة التي نقلها هؤلاء الأزواج، سرعان ما سوف تبددها تجارب أخرى لم يكتب لها النجاح. وها هو إسماعيل شاب سوري متزوج من روسية أسلمت منذ أربع عشرة سنة وله منها ولدان، وذهبت معه إلى بلده أكثر من مرة وذهب معها إلى بلدها أكثر من مرة: «كنا نحب بعضنا وأولادنا يتكلمون العربية ويصلّون ويعرفون الكثير عن دينهم»، لكنه. يرى ان الزواج من أجنبية لا سيما بعد إنجاب الأطفال يتحول الى نوع من المجاملة في العواطف، وتكثر فيه الهواجس رغم وجود الحب، ولذلك ظلت تطارده باستمرار اسئلة عن مصير اطفاله بعد موته! هل أمهم سترحل بهم إلى بلدهم وتتزوج من آخر وتقطع علاقتهم بأهلي؟ خصوصا وانهم منجذبين بشدة اليها، وفي استطاعتها التأثير عليهم، وسوقهم الى حيث تشاء. لقد تحول هذا الموضوع الى هاجس مرَضي، ولذلك تناقش مع زوجته في هذا الامر، لكنه يعترف بانهما وصلا معا الى طريق مسدود. «لدرجة أننا توقفنا عن الإنجاب وصارت حياتنا مبنية على الرياء والمجاملات « الى ان قرر اخيرا التحرر من هذه الافكار السوداء عن طريق الطلاق»ابغض الحلال». لكنه صدم حين اكتشف ان الاولاد يرفضون العيش في كنفه بعيدا عن والدتهم... انهما الآن يعيشان في ذهول مستمر، ونادرا ما يعرف السرور طريقا الى قلبيهما... وكأنني انتزعت احشاءهما من داخلهما. هذه تجربتي وأرجو من جميع الإخوان أن يفكروا أكثر من مرة قبل الدخول في مثل هذه الزيجات.
الزواج المختلط له مميزات وعيوب ولكن من وجهة نظر إسماعيل الخاصة فإن سلبياته أكثر من ايجابياته، حيث إن الضحية هم الأطفال بطريقة غير مباشرة، «سوف يعيشون هوية مزدوجة، وحالة من الضياع القاتل، خصوصا بعد ان يجدوا انفسهم وسط ظروف فرضت عليهم، وسببها فقدان صمام الامان الذي كان يوفره لهم انسجام العائلة.
لكن هذا الواقع لم يثنِ سميرة المتزوجة من روسي عن الانحياز بشدة الى تجربة الزواج المختلط، تقول «تجربتي مع الزواج من روسي استمرت لمدة 9 سنين ومازالت مستمرة، أؤمن وبشدة انه لا فرق بين أبناء البشر، فالناس متشابهين في الطبيعة الإنسانية، فالذي يربط بيننا الكثير لكن ربما بعض عادات وأسلوب الحياة يختلف وهذا يمكن أن يزول مع الزمن من خلال العشرة الطيبة وتبادل وجهات النظر». وتتابع سميرة:» أنا وزوجي سعداء وبخاصة بعد أن انجبنا طفلا ينهل الخير من الثقافتين، ولا أعتقد بأنني سأكون اسعد مع رجل عربي لأن أساس علاقتنا مبنية بالدرجة الأساسية على المساواة التامة بيننا كبشر أولا وكشريكي حياة. أهلي لم يكونوا مقتنعين بفكرة ارتباطي بأجنبي في البداية لكنهم عندما عاشروه ورأوا كرم أخلاقه اعترفوا بأنهم كانوا مخطئين. الآن تربط العائلتين العراقية والروسية علاقة محبة ووفاق. اشعر بأنني وزوجي قمنا بعمل رائع وهو تقريب الثقافتين مع بعضهما في هذا الزمن المليء بالعنصرية والتشدد. ابني يتعلم اللغتين ونحاول أن نجد أسلوب حياة مناسبًا لنا شخصيا والاختلافات غير مهمة لأن عوامل التشابه بيننا هي أكبر وأعظم.
الارتباط بأجنبية زواج يتأثر باختلاف التقاليد، علاقة حبّ، أو تحدّ لاكتشاف بيئة جديدة، أو هروبٌ نحو إطارات اجتماعية أخرى، أو طمعٌ في جنسية أجنبية... كلها أسباب ممكنة لزواجٍ يجمعنا بطرفٍ أجنبي، زواج تختلف الأحكام عليه في مجتمع كان حتى مدة ليست بعيدة، يفضل الزواج بين الأقارب أو الجيران... لكنه اضطر إلى القبول بالآخر كشريك في اليوميات والسرير وادق التفاصيل الاجتماعية الحميمة والمنفرة.
بعد مرور أحد عشر عاماً على زواجه من امرأة روسية، لا يزال «مروان خ.» مقتنعاً بصوابية رأيه حين رفض الانصياع لنصائح أهله، فهم عارضوا اقتران ابنهم بأجنبية. يعترف مروان بصعوبة الموازنة بين العلاقتين: العلاقة بالأسرة في لبنان، والعائلة الصغيرة التي كانت قيد الإنشاء في روسيا، ولكن كل ذلك لا يعوق إحساسه بالرضى والسعادة عن خياره الذي أدخله تجربة جديدة، وعمق المشاعر العاطفية المستقرة، والحالة الاجتماعية الثابتة التي يعيشها في وطنه الثاني. تنفعل غالا، زوجته، عند الحديث عن حياتها الزوجية، تعلق بحماسة «علاقتي بزوجي ناجحة على المستوى الشخصي، أما على المستوى الأوسع، فلا أزال غير قادرة على تقبّل محيطه الأسري في لبنان، وغير قادرة على مراعاة متطلبات المعايير العائلية والاجتماعية والدينية في كل زيارة نقوم بها إلى بلده، والتي يكون ثمنها مشاكل كثيرة تقع بيننا أو مع أهله الذين يتهمونني بعدم تفهم شروطهم أو حدودهم». هذه الحالة لا تشبه كثيراً وضع هاني (56 عاماً)، الأستاذ الجامعي الذي قدِم إلى روسيا قبل أكثر من عقدين، وتعرّف إلى ديالا، ووقعا في شباك الحب، وبعد زواجهما «تعلمت العربية المحكية أكثر مما تعلم هو الروسية» تقول ديالا مبتسمة. إنها تقيم مع زوجها في موسكو، بعد تعاونهما معاً لإنشاء مطعم، «نجحت في إقامة علاقات متينة مع أهله، ولم أمانع حين عبّر هاني عن حلمه بالاستقرار مستقبلاً في لبنان، أعجبتني التجربة وأعجبني الجو وأصبحت قادرة على الاختلاط بسهولة في مجتمعي الثاني».
 ماذا عن الأطفال؟ هاني يرتبك أمام هذا السؤال، أطفاله «روس بامتياز»، لا يعرفون من اللغة العربية شيئاً، ويبدو تأثير ثقافة الأم جليّاً عليهم «الأكل، والبرامج التلفزيونية، وضعف سلطة الوالدين، والعلاقة غير المدروسة مع الاصدقاء...»، هاني لا يستطيع إعطاء رد حازم، وذلك بسبب الخلل الذي يشعر به في قيمة الأب، هل قناعات أطفاله مرتبطة بما «تمليه» الموروثات التربوية التقليدية للأم، أم هي ناتجة من مكان العيش ليس إلا؟ أو بسبب تغيّبه المزمن عن المنزل بحكم طبيعة عمله. الى ماذا نخلص من كل هذه التجارب؟ ربما علينا التعامل بحذر شديد مع موضوع ظاهرة الزواج المختلط «بين الحضارات أو المناطق والثقافات»، ذلك ان هذا الاختلاط يحتاج الى خطوات ضرورية قبل الزواج على الشريكين اتّباعها، كمصارحة الذات والآخر بالدوافع التي تحكم إرادة الارتباط بالحبيب، ومحاولة الدخول في تمهيد للزواج قبل الارتباط الرسمي والقانوني والأسَري، كالخطوبة أو المساكنة لفهم عقلية الآخر الحقيقية. صحيح أن الزواج من أجنبي أو أجنبية تجربة مثيرة للكثيرين، ولكن نتائجها أيضاً قد تنعكس سلباً سواء على تكوين العائلة الصغيرة، أو على المجتمع الأوسع. من دون ان ننسى مشاكل التربية ومشاكل عدم التفاهم بين عائلتي الزوجة والزوج، وبعض «التفاصيل الصغيرة المهمة كثيراً كالروابط اللغوية والعلاقة المكانية مع الجذور العائلية.
وفي النهاية، يرجع الأمر الى الشخص وكيفية تقبله الآخر بكل ما يحمله من خبايا ومكنونات اجتماعية وثقافية. فالزواج عابر الثقافات وخيار بالانفتاح والاندماج مع حضارة جديدة، وينبغي ان لا نحوله الى مادة تغذي الصدام بين المجتمعات، تكون احدى نتائجه السلبية المباشرة ضياع شريحة كبيرة من الابناء بين مطرقة السلطة الابوية، وسندان حقوق الام؟!
جنة روسيا صارت حلما ورديا تتكسر امامه كل التحذيرات، ولا عزاء لوائل سوى المكوث سنوات اضافية، كي يهتدي الى حلمه الضائع، وطموحاته التي تبددت امام مرايا الواقع، انها قصة اخرى تضاف الى الآف القصص عن شباب يفرون بحثًا عن «أمل» فقدوه في بلدانهم الام. لكن في الجانب الآخر من المشهد، ثمة الكثير من النجاحات التي تحققت لهؤلاء الشباب بفضل روسيا.

حسين نصر الله

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...