الأطفال والقراءة علاقة انقطعت منذ زمن

10-12-2009

الأطفال والقراءة علاقة انقطعت منذ زمن

في سياق المقارنات بين بلدان من بقاعٍ مختلفة في العالم، ترد الأرقام التالية في إحصاءات اليونسكو:
«أنتجت الدول العربية 6500 كتاب في العام 1991، بالمقارنة مع 102,000 كتاب في أمريكا الشمالية، و42,000 كتاب في أمريكا اللاتينية والكاريبي»..

وفي الإحصائيّة نفسها ورد أنّ:
«الحصيلة الكليّة لما تُرجم إلى العربيّة، منذ عصر المأمون إلى العصر الحاليّ، 10000 كتاب؛ وهو ما يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة!!»..
هذه المستويات المتدنّية في إنتاج الكتب في العالم العربيّ ـ بحسب إحصاءات اليونيسكو ـ ليست السبب الوحيد في تراجع معدلات القراءة في المجتمع العربيّ، بل تلعب الأميّة دوراً كبيراً لكثافة عدد الأميين، والذي يبلغ 60 مليوناً من أصل 300 مليون..
وبالنتيجة، وبإجراء الحسبة المناسبة، نجد أنّ الأوروبيّ قرأ 35 كتاباً وسطيّاً في العام 1991، بينما قرأ 80 عربياً في العام نفسه كتاباً واحداً فقط!!
وبالعموم، تُعلن اليونيسكو، بعد مقارنة هذه الإحصائيّة بإحصاءات السنين السابقة، أنّ معدّلات القراءة آخذة في التدهور في كلّ العالم.
 تنطبق الإحصاءات السابقة على القرّاء من مختلف الفئات العمرية، فلا تقتصر على شريحة معينة.
وإذا تأمّلنا قليلاً، فلن يكون من الصعوبة في شيء تخيّل وضع الطفل العربيّ الثقافيّ وعلاقته، التي تكاد تكون منقطعة تماماً عن القراءة والكتاب، اللهمّ باستثناء الكتب المدرسيّة.
وتشير السيدة سوسن رسلان (ماجستير في حقوق الطفل ـ الإعلام الموجه إلى الطفل) في دراستها الصادرة في العام 2007، والتي تركّز فيها على المادة الـ 17 من اتفاقيّة حقوق الطفل: «حقّ الطفل في الحصول على المعلومات»، والتي حملت عنوان «مقارنة بين الإعلام الخاص والإعلام الوطني فيما يتعلّق بالمادة 17»، إلى تراجع معدّلات المطالعة لدى الأطفال، وإلى خطورة هذه الظاهرة في المدى القريب والمدى البعيد.
وتقول «رسلان»: «حتى نضمن هذا الحق للطفل، يجب أن يبدأ التوجيه نحو القراءة والحصول على المعلومة من البيت، ومن خلال الوالدين، كونهما المثل الأعلى للطفل في المرحلة التي تسبق ذهابه إلى المدرسة، فالأهل الذين يقرؤون يوجّهون رسالة غير مباشرة إلى الطفل تحرّض فضوله نحو استكشاف الكتاب».
ولكن ما يعترض ذلك ـ بحسب رأي رسلان ـ أنّ عدد الأهل من القرّاء بات قليلاً جداً في الوقت الحالي، كما أنّ توفير الكتب ومصادر المعلومات للطفل يُعدّ أمراً مُكلفاً، «مقارنةً بمتوسط دخل الفرد في مجتمعاتنا العربيّة».
وقد يبدو قول الناشر رياض نجيب الريّس، في مادة نُشرت له في العام 2007، حملت عنوان «في وصف حال النشر في العالم العربي ـ أزمات ولا حلول»، مناقضاً رأي رسلان، حيث ورد في مادته:
«صحيح أنّ القدرة الشرائيّة ضعيفة في الأقطار ذات الدخل المحدود، كالعراق واليمن وفلسطين والأردن وسورية ولبنان ومصر، مقابل قدرات دول الجزيرة النفطيّة الغنيّة، إلا أنّه من السخرية القول بأنّ مخزون القرّاء الأساسيّ هو في هذه الدول الفقيرة إجمالاً».
ولكنّ هذا لا ينفي أبداً أنّ معدلات القراءة قليلة جدّاً، مقارنةً بالتعداد السكانيّ في هذه الدول، ما يؤكد غياب المثل الأعلى من الأهل القرّاء.
وتستطرد «رسلان» في دراستها، لتعزو الدور الثاني في عمليّة توجيه الطفل نحو القراءة، إلى المدرسة، والتي تراجع دورها تدريجيّاً، حتى بات شبه معدوم حاليّاً: «لم يعد هناك حصص أو أوقات مخصّصة للمطالعة بعيداً عن الكتاب المدرسيّ، وذلك بسبب الضغط على المدارس، وزيادة أعداد الأطفال، ليتمّ التركيز على المواد الأساسيّة العلميّة»، كما تعزو نفور الأطفال من القراءة إلى الكتاب المدرسيّ نفسه والأسلوب التعليميّ: «المناهج لم يتمّ تطويرها حتى الآن بشكلٍ عصريّ يحمّس الطفل على التعلّم، وهي بعيدة عن الإمتاع، كما أنّ طريقة التعليم لا تزال تلقينيّة، ولا توجّه باتجاه البحث عن المعلومة والاطلاع».. وتضيف: «كما تغيب مكتبة المدرسة عن المشهد في وقتنا الحاضر، والمؤسف أنّه، حتى في حال وجودها، لن يكون الإقبال كبيراً عليها، بسبب كلّ ما سبق».

وفي خضم هذه المعمعة، تظهر في الآونة الأخيرة عدة مبادرات شخصيّة من جمعيّات وأفراد، لاحتواء هذه المشكلة، من خلال حملات توعية تشير إلى أهميّة القراءة، واتّباعها عادةً، لتصير جزءاً من أسلوب حياتيّ يوميّ، والبدء بإنشاء جيلٍ من الأطفال يعي أهميّة الكتاب في سبيل إعادة بناء هذه العلاقة التي انقطعت منذ زمن، كحملة «مكتبة الأطفال المتنقلة»، التي قامت بها جمعيّة «فردوس» الأهليّة في وقت سابق هذا العام، ونشاط «مكتبة إيتانا» الموجّه إلى الأطفال من سنّ السادسة وحتى الثانية عشرة، كلّ سبت، اليوم الذي خصّصته المكتبة للأطفال حصراً، وعن ذلك تقول السيّدة يمن أبو الحسن، مديرة المكتبة: «مذ بدأنا التحضير لإنشاء المكتبة، كان في ذهننا تخصيص قسم كبير منها لكتب الأطفال»، وتستدرك «أبو الحسن»، حول الدور الذي تلعبه «إيتانا» في تشجيع الأطفال على القراءة، فتقول: «المكتبة هنا تشبه ما يُسمّى في أوروبا «مكتبة الحيّ»، ومن المفترض أن تتمكن من استقطاب أفراد الأسرة كافة، على اختلاف أجناسهم وأعمارهم، ما يجعل المكتبة مكاناً للعائلة لقضاء أوقات ممتعة ومفيدة في آن معاً، فيعتاد الطفل على فكرة وجود المكتبة وعلى تقاليد هذا المكان، سواء من خلال نشاط القراءة الذي نقيمه كلّ سبت، والذي يكشف الكتاب على أنّه مصدر للمعلومة والمتعة والخيال، أو من خلال زيارة المكتبة في أيّ يوم آخر».
وتضيف «أبو الحسن»: «من أسف لا توجد في سورية خيارات كبيرة، فيما يتعلق بإصداراتٍ سورية المنشأ للأطفال، رغم وجود العديد من رسامي كتب الأطفال كـ (لجينة الأصيل)، والكتّاب ـ كـزكريا تامر ـ الذين يتعاملون مع دور نشر متخصصة في أدب الأطفال في دول مجاورة، كلبنان ومصر، ما دفعنا إلى استيراد هذه الكتب، والتي تتماشى مع أحدث الدراسات، فيما يتعلّق بالأدب الموجّه إلى الأطفال، بمختلف فئاتهم العمريّة»، في إشارةٍ إلى ابتعاد دور النشر السوريّة عن الاهتمام بهذا النوع الأدبي (أدب الطفل)، وتكمل: «رغم أنّ وزارة الثقافة اشتهرت بأدائها دوراً مهمّاً فيما يتعلّق بكتب الأطفال في الثمانينات، إلا أنّ هذا الدور يغيب حاليّاً، فكما يبدو لم تتمّ متابعة هذه السياسة وتطويرها كما يجب.»..
ويؤكّد الفنان فادي عادلة، الذي يعمل رسّاماً لكتب الأطفال، ويتعامل مع العديد من دور النشر العربيّة، هذه النقطة بقوله: «لا توجد دور نشر مهتمّة بكتاب الطفل في سورية، وإن وُجدت فهي لا تتمتع بما يكفي من الاحترافيّة في هذا المجال، وحتى وزارة الثقافة، التي أحرزت نجاحاً كبيراً في هذا المجال في الثمانينات، لم تطوّر إمكاناتها في هذا الاتجاه، مثلاً، أذكر أني قرأت في طفولتي كتابين للكاتب والمؤلف «دياب عيد»، ما زلت أذكرهما حتى الآن، يتعذّر عليّ اليوم إيجاد كتاب واحدٍ من الإصدارات الحديثة لوزارة الثقافة للطفل بمستوى هذين الكتابين».

«من المؤكد أننا بحاجةٍ إلى مؤسسات كبيرة وضخمة، عامة وخاصة، لتدارك هذه الأزمة» ـ تقول سوسن رسلان ـ وتضيف: «المبادرات الشخصيّة والفرديّة ممتازة، ولكنها وحدها لن تكفي، يجب أن يتمّ تفعيل مكتبات المدارس، والمراكز الثقافيّة بشكلٍ حقيقيّ، وإيجاد كفاءات حقيقيّة ومؤهلة لإدارتها بالشكل الأمثل، وإحداث مكتبة وطنيّة تخصّص قسماً كبيراً للأطفال في كلّ مدينةٍ، كتلك التي في اللاذقيّة مثلاً».
وترى يمن أبو الحسن أنّ النهوض بجيلٍ جديدٍ يحترم الكتاب، ذو علاقةٍ وطيدة معه، بحاجةٍ إلى وضع خطط عملٍ حقيقيّة وجديّة يتمّ تنفيذها على أرض الواقع، من خلال «سياسات ومقرّرات واضحة وحاسمة».. وتضيف: «القدرة على جذب الطفل أهمّ عوامل إنجاح أيّ مخطّط بهذا الصدّد، لا يجب أن ننسى فضول الطفل الدائم، ونهمه إلى معرفة ما يدور حوله»..
ويرى فادي عادلة؛ أنّ الكثير من الجهات والعوامل يجب أن تتضافر معاً لتحقيق هذه الغاية: «إنّ الجهات الإعلاميّة ودور النشر والمؤسسات الثقافيّة والمدارس، عليها أن تتعاون وتنسّق فيما بينها من خلال حملةٍ مدروسة وحقيقيّة تتمكّن من الوصول إلى الطفل في أيّ بيئةٍ أو شريحةٍ اجتماعيّة».

هذا ما تشير إليه «رسلان» في ختام دراستها، حيث تقدّم مجموعة من الحلول المقترحة، لتتضمّن:
- تجهيز المكتبات العموميّة بشكلٍ يسمح بالمطالعة الحرّة.
- إيجاد شراكة بين وزارتي التربيّة والثقافة والمكتبات الأهليّة.
-السماح للطلاب بارتياد مكتبة المدرسة، بعد انتهاء الدوام الرسميّ.
- تزويد المكتبات بكتب معاصرة، مع زيارات دوريّة للتعويض عن المفقود أو التالف من الكتب.
- زيادة إصدارات الكتب المتخصصة في أدب الطفل، ومراعاة الجودة، والتنوّع الفكري واللغوي.
- زيادة عدد المكتبات في سورية، وإيصال الكتب إلى أوسع شريحة في جميع المناطق السوريّة.
- إيجاد شركات متخصّصة في التسويق والترويج للكتاب.
- زيادة إيرادات كتب الأطفال.
-زيادة الوعي بأهميّة العمل الإبداعي الوطنيّ.
- تخفيف الأعباء الماليّة على المكتبات وشركات التوزيع.
 

يزن أتاسي

المصدر: بلدنا
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...