مَن هؤلاء الساهرون على «أمننا الأخلاقي»؟

02-10-2009

مَن هؤلاء الساهرون على «أمننا الأخلاقي»؟

جاء في أساس البلاغة للزمخشري: “من المجاز: أرهج فلان بين القوم، أثار الفتنة بينهم. وله بالشرّ لهج وله فيه رهج. وأرهجوا في الكلام والصخب”. لكنَّ الإرهاج الذي وضعه الزمخشري في باب أفعال المجاز، يعالجه سعود السرحان بوصفه أمراً واقعاً في كتابه: “المرهجون ـــ رسائل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” (مكتبة بيسان). لم يخرج الباحث والصحافي السعودي عن السياق العام للحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلّا أنَّه غاص في مكامن الخلل والالتباس التي تكتنف طرائق ممارستهما وكيفية تصويبهما.
في محاولته هذه، استند سرحان إلى أربع رسائل، تتضمن نصائح من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. أولى تلك الرسائل “رعة البارع عن بلتعة البازع” للإمام ولي الدين العثماني الشافعي المعروف بالمنفلوطي، إضافةً إلى رسالتين للإمام محمد بن عبد الوهاب شيخ الوهابيين، ورسالة للملك السعودي سعود بن عبد العزيز آل سعود.
لعلَّ رسالة الإمام الشافعي الأهمّ في هذه الرسائل، من حيث قيمتها الإصلاحية، وقد أتت رداً على من اتهمه بإهمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أجرى الشافعي عرضاً شاملاً ووافياً للشروط والضوابط السبعة الواجب توافرها والتقيّد بها لدى الناهي عن المنكر. منها عدم جواز إنكار الأفعال التي لم يُجمع الفقهاء على تحريمها. فالمنكر هو ما يكون معلوماً به بغير اجتهاد. كذلك فإنّه لا يجوز إنكار الفعل إلا بوجود دليل قاطع، أو “التجسس على الشخص لاستعلام جلية أمره” أو “هتك ستر الله على الشخص” أي فضحه أمام العلن. فيما من الواجب “أن يكون الإنكار في السرّ والستر على الشخص في الجهر”، فما بالك بشتم الناس وضربهم حتّى الموت، يشير سرحان.
هنا يتساءل الكاتب عن أسباب غياب هذا “الأدب الإسلامي الرفيع على حساب تصديق الوشاة وإعداد الكمائن” أو بمعنى أوضح، استخدام “المطاوعة” الذين صنفهم الشافعي على درجات لا تقلّ إحداها سوءاً عن الأخرى. منها “الجاهلون بحقيقته ومتبعو الهوى والوجاهة والشهرة، والمشغوفون بحب الأمر والنهي والاستعلاء على الخلق”. حتّى وصل الشافعي إلى وصفهم “بالزنادقة الملحدين لإفسادهم القلوب بسميّة كلماتهم التعيسة الخبيثة”.
يتوقف الكتاب أيضاً عند الرسالة التي بعث بها شيخ الوهابيين إلى أهل الإحساء، بعد حادثة كان يمكن أن تأخذ طابعاً مذهبياً. دعاهم عبد الوهاب إلى “الرفق في الإنكار ونهيهم عن استعمال الغلظة”، ذلك لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسقطان ولا يعود لهما مبرِّر إذا كانا سيؤديان إلى افتراق الجماعة. ويلفت السرحان في كتابه إلى أنّ غالب المنظّرين للأمر بالمعروف فقهاء، فيما لا يمارسه إلا من لم يكونوا على هذا القدر من المعرفة، في إشارة إلى انفصال كبير في هذه الحالة بين التنظير والتطبيق.
في النهاية، نشير إلى بعض ما جاء في باب المنكرات الشائعة على الموقع الرسمي لـ“الهيئة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” في السعودية. الحديث هنا عن السينما: “إنَّ الإمعان في تهيئة الأجواء، لاستيراد المزيد من أدوات اللهو، خاصة إذا كانت من نوعية وحجم وأثر أداة السينما، تدفع بنا جميعاً (...) لكشف عن مثالب هذه البضاعة، وزيفها، وبيان خطورة استيرادها (...) على الأمن الأخلاقي المجتمعي”.

علي السقّا

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...