أيام في ذاكرة المقهورين السوريين

02-09-2009

أيام في ذاكرة المقهورين السوريين

الجمل– حسان عمر القالش:  نتساءل. ويتساءل معنا كثيرون: هل يملك السوريون ذاكرة جماعية، تختزن الأيام وأحداثها وما تأتي به من مواحش ومسرّات ؟
 لو كان لهم تلك الذاكرة، فهي قد امتلئت أو تكاد. فقدت قدراتها على استيعاب مزيد من أيام عجاف. أو تكاد. فأعوام ثلاثة قد مرت، أو هي في قيد المرور. عاشها السوريون فاتحين فيها كل أبواب ادراكهم الجماعي وذاكرتهم الجماعية لأيام لا تنسى.
أيام صيفيـّة في 2007، رآها السوريون تمضي وكأنها لا تريد الرحيل عنهم. ثقيلة كانت. كأن لها قدمين متورمتين من شدة القسوة وهول البشاعة  تربض على صدورهم. عاشوها وعاشوا فيها كل الكلام الفارغ والتصريحات المزوّقة والتعابير المتحذلقة. كل الخبريات التي وزعتها عليهم حكومتهم نقطة نقطة، وتصريح بعد تصريح، لتفهمهم، أو لتبلغهم، بأن مرحلة الدلع والغُـنج التي عوّدتهم عليها بسياسات الدعم، قد انتهت. أو تكاد.
تتالت بعدها أيام في 2008. في شتاء تميّز ببرودته ولا رحمته. أيام وليال تكوّم السوريون فيها عند مداخل محطات الوقود. سرافيس وسيارات نقل صغيرة ومتوسطة. وصفوف من رجال وأطفال يحملون كالوناتهم الفارغة بأيديهم. والكل يريد نصيبه من المازوت. يريد أن يشتري. لا أن يشحذ حاجته من هذا السائل الحيوي. لكن، لا مازوت الا بعد أن تتشحّم كرامات أولئك كما يشحّم المازوت مواقدهم وباصاتهم. كان الأمر وكأنه تمثيلية مرتجلة. أو مناورة تدريبيّة. تقول للسوريين : هذا ما ينتظركم في حال بقي الدعم. عليكم اذا أن تقبلوا برفعه. عليكم أن تطالبوا برفعه. أن تتمنّوه. لم يعد هناك تخفيضات على الأيام الشتوية. فاما أن تشتروها بالسعر العالمي. أو أن تعودوا الى التدفئة على الحطب وأغصان الأشجار اليابسة.
وأتت بين تلك الفترتين أيام ظنّ بها السوريون بأن حكومتهم قد رقّ قلبها عليهم. ابتكرت طريقة تُلهيهم بها عن قسوة رفع الدعم عن المازوت. فأعطت لكل أسرة قسائم تشتري بها بالسعر المدعوم. باعها الفقراء في أيام الصيف ليفكّوا أزمة مادية من أزماتهم الكثيرة. طريقة كانت كالكُحل الأفضل من العمى تمهيدا ليوم السبت في 3-5-2008 الذي أَعلن رفع الدعم. ولترتفع مع الاعلان أسعار كل ما يشرى ويباع. قلنا وقتها بأن حكاية القسائم  لن تدوم بعد للشتاءات القادمة. وهذا ما حدث. فالحكومة أعلنت فشل التجربة. وبما أنه زمن وداع الرحمة فقد قررت الغاءها. فالسوريون سيعتادون مع الأيام على الأمر كما هي العادة. وكما هو ظنّ حكومتهم بهم.
هكذا تمرّ الأيام على السوريين الآن. أيام كثيرة تحمل معها كلّ العجز وقلة الحيلة. أيام تباعد بينهم وبين العدالة الاجتماعية الحقيقية. ليتذكروا أياما كانوا يحلمون فيها بتطبيق الاشتراكية الحقيقية الموعودة. التي سمعوا بها في الخُطب الجماهيرية والمقررات الدراسية. في أيام كانت أحنُّ من أيامنا هذه.
هكذا يأتي يوم الخميس في 20-8-2009. ليزاحم تلك الأيام على صدارتها ومراتبها في الذاكرة المُتعبة. يوم أعلنت صحيفة تشرين على لسان "مصادر مطلعة" بأن السوريين سيقبضون بدلا نقديا لشراء المازوت. عشرة آلاف ليرة. يا لًلكرم. ستصرفها لهم الحكومة على دفعات. لكنها ستتأكد بداية من الهويّة المادية والاجتماعية لمن ستعطيه صدقتها هذه. فهي وضعت شروطا لذلك.
فعلى من تتوافر فيه المواصفات المطلوبة أن يقصد أبواب الحكومة. هل سمعتم بتلك الشروط. ابحثوا عنها واسألوا. أو لا تفعلوا فهي لن تنطبق عليكم. بل تنطبق على الجياع. المنتوفين. الطفرانين..
أيام لا تنسى..
هل تتحمل ذاكرة السوريين بعد مثل هذه الأيام. لم يعد ذلك مقبولا.

الجمل

التعليقات

والله العظيم صرنا بالاغتراب نخجل ان نقول اننا سوريين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...