هكذاتخجل المواهب في سوريامن نفسهاوهكذاتضيع الأحلام في سوق العمل

29-07-2009

هكذاتخجل المواهب في سوريامن نفسهاوهكذاتضيع الأحلام في سوق العمل

لم يكن يتجاوز عمر أمينة محمود الحادية عشرة عندما كانت تلتجئ إلى غابة قريتها «عوينة الريحان» لتدرّب صوتها على مهارات «الميجانا والعتابا». ومن أجل تناغم صوتها مع الآلات الموسيقية مستقبلاً، كانت تدق على وعاء قديم من «التنك». كان صوتها يملأ أرجاء الغابة، وكان أصدقاؤها يشبـهونها بنجوى كرم، لإتقانها مواويل وأغاني الأخيرة بحرفية كبيرة.
كانت أمينة تحلم بأن تصبح مغنية مشهورة، لكن الأيام مرّت، وأمينة صارت مدرسة لغة إنكليزية. لم تتمكن هذه الصبية الموهوبة من تحقيق حلمها، بسبب ثقافة «العيب والحرام» التي لاحقتها منذ الصغر. كانت تسمع هذا التعبير من الأهل والأقارب دائماً، لا سيما عندما كانت تغني في البيت أو في المدرسة. كانت عائلتها المحافظة تقول لها بأن على الموهوبات بيع كرامتهن إذا أردن الوصول إلى القمة. وهكذا، تولّدت لديها عقدة الخوف من الإقدام على تنمية موهبتها، خاصة أنها لم تلق التشجيع من أحد.
وإذا كانت أمينة أخفت مواهــبها خوفاً من كلام الناس، فإن الأمر لدى حليم صالح، 31 عاماً، مختلف. حيث إنه تحفّظ على موهبة الصوت لديه خوفاً من التعرض للسخرية من أبناء قريته: «كثيراً ما كنت أحضر حفلات غنائية يؤديها شباب من قريتي، وعند نهاية الحفلة كان الآخرون يهزأون منهم، لا بل يقلدونهم بسخرية»، على حد تعبير حليم.
كان حليم يغنّي في المرحلة الابتدائية، وذات مرة أحضر له معلمه هدايا من مدينة اللاذقية، من أجل تشجيعه على المضي قدماً في مجال الفن. «كنت ألقّب حليم باسم «أبو سلمو» نسبة إلى الفنان الشعبي المشهور في مدينة اللاذقية السورية، وقد كان يسرّ كثيراً بهذا اللقب. لكن للأسف تخلى عن موهبته تفادياً لسخرية الناس»، كما يشرح أستاذه القديم.
عادة عدم إظهار المواهب الغنائية والراقصة منتشرة بكثرة بين أوساط الشباب السوري، وفي أحيان كثيرة يصاب بعضهم بالحرج والانزعاج عندما يوجه له سؤال، مثل: أين أصبحت موهبتك؟ حرج تجده في كل مكان، فمثلاً، عندما يكون هناك عرس، تلتزم الفتيات الموهوبات بفن الرقص بعدم تحريك الأرداف كثيراً، ليقتصر الأمر على هزّ الأكتاف وتحريك الأيدي فقط. ويكفي التجول قليلاً بين المعازيم أو التوقف عند الطاولات لسماع عبارات القدح والذم بحق الشابات اللواتي يكن على حلبة الرقص: «ألا تخجل من الرقص بهذه الطريقة غير الأخلاقية؟! لو كانت ابنتي لكنت حرمتها من حضور الأعراس مدى الحياة»، على حد تعبير أم فراس شهوان، أثناء حضورها لحفل زفاف.
وبلمح البرق، التزمت إيفا علي، الطالبة في قسم التاريخ، بقاعدة الرقص التقليدية (عدم الهزّ)، حيث ذهبت إليها صديقتها لتخبرها بما سمعت. إيفا تحزن في كل مـرة تحضر زفافا لأنها تسمع كلمات نابية بحقها: «أنا أحب الرقص الذي يعيش في جسدي وروحي، أعبر عن حزني وسعادتي بالرقص»، كما تقول. وتضيف: «لولا العادات والتقاليد لأصبحت راقصة.. وهذه الرغبة ستبقى حرقة وغصة في قلبي».
ورغم إن هذه التقاليد تلعب دوراً كبيراً في تستر الشباب السوري على مواهبه، إلا إن للمدارس دورها في ذلك أيضاً. مثلا، ورغم وجود مادة للموسيقى والفنون في المدارس، إلا إنها لا تدرّس من قبل مختصين. في أحيان كثيرة يتولى مدرس اللغة الإنكليزية أو الفرنسية مهمة إعطاء الموسيقى. «هذا ما يجعلنا نتجاهل مادة الموسيقى ونضحك على من يقوم ليؤدي أغنية»، على حد تعبير عامر برقاوي، الطالب في الصف الثاني ثانوي. وبرأي عامر، لو كان لمواهب الشباب أهمية لدى الجهات التربوية لكانت خصصت في كل مدرسة أستاذاً لتعليم الموسيقى.
غير إن رنيم السباعي، الطالبة في قسم اللغة العربية، ترى بأن الأمر لا يحلّ بتخصيص أستاذ للفن والموسيقى في المدارس، «كون أستاذ الموسيقى قد لا يكون صوته جميلاً ولا يفهم بفنون الصوت، وحتى عزفه على البيانو يقتصر على دو ري مي فقط»، كما تضيف الفتاة التي ترى أن مدرسي الموسيقى يأخذون مهمتهم كتسلية وليس كواجب عليهم الالتزام به من أجل تحفيز مواهب الشباب.
يضاف إلى ذلك عدم وجود كتب خاصة بالفنون في المدارس، ولا وجود لنشاطات تحفّز الشباب على سلوك طريق الفن في حياتهم المهنية، على حد تعبير رنيم.

عفراء محمد

المصدر: السفير

التعليقات

ثقافة العيب والحرام .. في مجتمعنا الحقير الأبن حرام .. ستطارد نساءنا مع الأيام .. حتى القبر من الغيظ والقهر .. أصبحنا في زمن الحجر ينطق تحررا من العادات والتقاليد البالية أكثر من البشر .. ليس بيدي حيلة إلا أن أقول ياحرام على هيك مجتمع ياحرام

نحن نعيش على العادات البالية كما كانت اروبا في القرون الوسطى اي اننا وباختصار وبسبب دوران الزمن وقيادة المجتمع من قبل رجال الدين الملئي بالغبار التاريخي اصبحنا نعيش في القرون الوسطى تكمنا عادات اغلبها بالية ولايحكمنا لامنطق او علم او حتى اخلاق

في إحدى بارات دمشق جلسنا و و صديقتنا السويسرية, كانت الموسيقا تملأ المكان و لكن لم يكن ثمة من يتماييل سوى صديقتنا و كانت تعترض على بلادة السوريين. قلت لها انها مسألة نضج و ليست مسألة سوريين و سويسريين. بعد شهور جلسنا في إحدى مقاصف قرى جبلة. في المقصف كانت مكبرات الصوت تلعب اغاني أحد المطربين المحليين , على طاولة مجاورة جلس مجموعة رجال ريفيين و معهم نساء, بعد شرب العرق علت اصوات ضحكات و من ثم قام الحضور و بدأوا يدبكون . نظرت الفتاة السويسرية و قالت ما الذي يفعله هؤلاء؟ إنهم يرقصون. هذه ارضهم و هذه طعامهم و هذه موسيقاهمو هذه رقصتهم. عندما يشعر الانسان بالأمان و الانتماء و يكون هذا الشعور عميقاً و ليس متكلفاً عندها يبدأ سلوكه بالانفتاح. بينما جلست السويسرية رقص الآخرون . إن تحويل المعرفة الى عادة و الخبرات الى ثقافة يتطلب عقود من الزمن و يتطلب مستوى وعي و مستوى استقرار ليتم تقليص هذا الزمن. مخاوف الأهل ليس لنهم متخلفون. و لكن لأنهم ما زالوا ينتمون الى مدرسة مختلفة بالأخلاق . تقول باميلا اندرسون في مذكراتها : نعم لقد نمت في كل الأسّرّة التي تقود الى القمة. إن مجلات الشو بزنس هي ما يرعب الأهل , و ليس غناء أبناءهم. ليس الغناء هو المشكلة و لكن الفساد و الدجل و الدعارة و الرق و النخاسة التي ترافق هذا الفضاء في مجتمع يمكن وصفه انه ليس باحسن أحواله لا اقتصادياً و لا ثقافياً. في مذكرات أحد رجالات الحرب الأهلية اللبنانية تتفجأ بما لا تعرفه من مجلات الحياة الفنية : مطربين نعرفهم جيداً تعاشر زوجاتهم رجال السلطة بينما يؤدون وصلاتهم الغنائية في المهرجانات. استغلال أسماء و نساء و إذلال رجال.. إن المغني ملكية عامة و يصبح سلعة مفيدة بطرق أبعد ما تكون عن الفن.... ليصححني البعض : نحن لا نتكلم عن حرية جنسية نحن نتكلم عن دعارة و ابتزاز ؟؟؟؟ و هذه ممارسات تدان حتى في هولندا و اميركا و السويد. من الضروري دائماً التفريق فيما يدفع الناس للقلق : الناس لا تخاف الرقص و لكنها تخاف الدعارة. الناس لا تخش الغناء إلا من خلال تاريخ سيء من الاسترقاق : لو ان فتاة أو شاب سيغني لمارسيل أو فيروز . لم يكن الأهل ليعترضوا. الأهل يعترضون على الرسالة, على الفضاء الذي ترسمه الرسالة... و هذا يحدث في كل مكان و مع الجميع, مجموعة لا تاخذ بكل قيم مجموعة اخرى و لهذا تحدث الهجرة بين المجموعات و لهذا يتغير المجتمع و الأجيال.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...