«نعمة» الشريك المتفهم لطموح شريكته

28-05-2009

«نعمة» الشريك المتفهم لطموح شريكته

تصحو عليا في السادسة صباحاً طيلة أيام الأسبوع. تبدأ يومها بفنجان قهوة تعده سريعاً لتحتسيه مع زوجها جمال. تجهز صغيرها للخروج من المنزل والمضي في رحلتها اليومية من بيتها في منطقة «المعظمية» على أطراف دمشق إلى مقر عملها في مركز لطب الأسنان في «الميدان» وسط المدينة.

ولكن قبل ذهاب طبيبة الأسنان الشابة إلى عملها ثمة محطة ضرورية في منطقة «كفرسوسة» حيث تقيم شقيقتها التي تتكفل برعاية الطفل ريثما تنهي والدته دوامها الصباحي، لتعود بعد الظهر برفقة زوجها لاصطحاب ولدهما لكن ليس إلى بيتهما بل إلى بيت جده، حيث يبقى الطفل مع أبيه وجدته إلى أن تنهي الأم دوامها المسائي في عيادتها الخاصة.

وما أن تقترب الساعة من التاسعة والنصف مساء حتى يأتي الزوج والابن إلى عيادة الأم وتذهب العائلة إلى البيت، هناك تعد الزوجة «طبخـة» صغيـرة لوجبة العشاء بينما الزوج يلاعب طفله، وبعد تناولهما الطعام يخلدان إلى النوم بانتظار يوم جديد.

قبل تسع سنوات كانت الحال مختلفة تماماً، فلم تكن عليا وقتها لا أماً ولا طبيبة أسنان. كانت لا تزال طالبة في معهد علوم المخبر وخطيبة لابن عمها جمال الذي كان يجهز بيت الزوجية ويـحضر لحفـلة الزفـاف عندمـا أخـبـرته عليا عن رغبتها في إعادة امتحان الثانوية العامة للحصول على معدل عالٍ ودراسة الطب.

لم يــــعارض جمال الـذي يعمل خــيــــاطــاً رغــبـــة خطيــبته في أن تـصبح طبـيـبـة بل العـكس شجـعها، وقـررا تأجـيــل موعــد حـفـلة الـزفـاف عـاماً إلى حيـن تـنـهي عـليـا مـن تـقـديم امتـحان الثـانوية العامة.

يوم زفافهما أعلنت نتـائج الامتـحان. «تلقيـت التهانـي والمباركة على نجاحي بتفوق وأنا على الأسكي (الكرسي المزيـن الذي تجلس عليه العروس في حفلة الزفاف باللهجة الشاميـة) كانــت فـرحتــي مضاعفة»، تقول عليا.

كان حلم العروس بأن تصبح طبيبة أوشك أن يصبح واقعاً لكن ليس كما يشتهي العروسان، فمعدل عليا لم يخولها الالتحاق بكلية الطب في دمشق، والخيار الذي بقي أمامها لتحقيق حلمها هو السفر لأجل الدراسة.

وتقول عليا: «علامة واحدة كانت تنقصني لأستقر وأكمل دراستي الجامعية في دمشق، المكان الذي تزوجت فيه، كان قراراً صعباً جداً علينا كزوجين بدآ حياتهما معاً للتو بأن ننفصل ولو موقتاً لأجل دراستي، لكن جمال ساعدني باتخاذ هذا القرار والسعي وراء طموحي».

كان منعطفاً قاسياً في حياة الزوجين أن تنتقل الزوجة إلى محافظة «حماه» حيث أمكنها الالتحاق بكلية الطب وفق معدلها، وعلى رغم أن حماة تبعد عن دمشق حوالى مئتي كلم فقط إلا أن أي مكان بالنسبة إلى عليا بعيد من زوجها كان «غربة لا تطاق».

وتضيف موضحة معاناتها: «كنت أسافر طيلة أيام الأسبوع وأعود إلى دمشق يوم الجمعة فقط، أقسى اللحظات كانت حين يودعني زوجي في المحطة لأسافر، وأجملها يكون عندما أعود في نهاية الأسبوع»، وتصمت عليا قليلاً وكأنها تتذكر تلك اللحظات، ثم تكمل: «بقينا على هـذه الحال خمس سنوات، اضطررنا خلالها إلى تأجيل فكرة إنجاب طفل إلى أن نستقر معاً ليأخذ طفلنا حقه من الرعاية».

نالت عليا شهادة طب الأسنان بمعدل عال وكانت من الأوائل في الكلية، وهي ترجع الفضل في تفوقها إلى تشجيع زوجها لها فالشريك المتفهم لطموح الزوجة «نعمة» على حد تعبير عليا التي تكرر عبارة «جمال تحمل الكثير لأجلي»، أما الزوج فيعتبر أن ما فعله تجاه زوجته التي يحب «واجب لأن ما نبنيه سوية هو من أجل عائلتنا».

قد تكون عليا وزوجها جمال حالة ايجابية في المجتمع السوري، إلا أن من المفيد معرفة أن هذه الحالة نادرة فالإحصاءات تقدر نسبة متوسطي الأعمار الذين لم يحصلوا على شهـادة الثانـوية، في سورية، بـ30 في المئة، معظمهم من النساء.

ويرجع الخبراء في علم الاجتماع السبب في أغلب الأحيان إلى انشغال الزوجة بمسؤولياتها بعد الزواج وعلى الأخص في المناطق الريفية التي تكثر فيها حالات زواج الصغيرات ممن يجبرن على التخلي عن اكمال تعليمهن لتبقى الشهادة حلماً يراودهن مدى الحياة.

وإذ تبدو المفارقة واضحة حين يعتبر الخبراء أن البيئة الاجتماعية للزوج والمستوى الثقافي والتعليمي له عامل يساعد على إكمال المرأة تعليمها بعد الزواج، بينما الواقع يتحدث عن حالات كثيرة مناقضة لا يلعب الزوج فيها بالضرورة دور الداعم لزوجته في طموحها نحو التحصيل العلمي أو في مسيرتها المهنية.

لينا الجودي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...