إفشاء الأسرار مرض النساء المزمن

15-07-2006

إفشاء الأسرار مرض النساء المزمن

ما أن تتلقى خبراً ما حتى تشعر كأن شفتيها تحترقان، فعلى رغم ان النساء يعدن بالتزام الصمت. لماذا هن بحاجة الى إفشاء كل ما يطلب منهن الاحتفاظ به؟

«صديقتي المفضّلة أخبرتني بأن زوجها يخونها منذ زمن. لقد طلبت مني ألا أُخبر احداً. لكن كان ذلك أقوى مني، كان عليّ أن أُفضي السر الى شخص ما»، تقول ناتالي. هناك صعوبة احياناً ان نفي بالوعود التي نقطعها بخاصة تلك المتعلقة بضبط اللسان، وفق ما تقول المعالجة النفسية نيكول بريور: «الخيانة حاضرة دائماً في مختلف العلاقات البشرية وهي جزء لا يتجزأ من كل إنسان».

ويرى علماء النفس ان الذي يطلب من شخص آخر ان يحفظ له سراً يكون بطريقة غير واعية، يتمنى عليه ان يُفشي بسر يُرهقه ويقضّ مضجعه وهو بذلك يشعر بأنه يتحرر من صراع داخلي كبير يختلج في أعماقه، ويرغب من الآخر ان ينضم الى حزبه. بمعنى آخر ان يكون عالماً بالأمر من دون ان يتدخل أو أن يصدر حكماً على الموضوع الذي اخذ علماً به كأنه يعطيه تفويضاً أو توكيلاً على ممتلكاته.

يُصادف ايضاً ان خبراً سرّياً تتلقاه يمس بمبادئك الخاصة وقيمك. ما الحل هنا؟ هل إسكات صوت الضمير او خيانة من ائتمننا على سرّه؟ حميد اختار ان يكون صادقاً تجاه صديقه منصور وهو زميله في الدراسة، حين أعلمته المسؤولة المباشرة عن قسم العلوم الإنسانية ان الإدارة تفكر بصرف هذا الأخير من الجامعة.

إعطاء الأولوية للصداقة ومساعدة صديقه لمواجهة ما يمكن ان ينتظر، هو ما التزم به حميد وهو التزام تحركه أواصر الصداقة والمحبة الحقيقية التي تخلو من أي مصلحة خاصة، وقد أصبح بذلك المنقذ والمخلّص لحياة صديقه (الجامعية طبعاً). وتقول بريور ان ما قام به حميد يمكن ان يكون وسيلة لتحسين صورته السلبية عن ذاته، «لكنه في كل الأحوال موقف شهم وفيه الكثير من الصدقية مع الذات والآخرين».

فاديا شارفت على الرابعة والثلاثين من عمرها، وهي مسؤولة عن العلاقات العامة في إحدى الشركات، تقول: «في كل الأمسيات، اللحظات المفضلة لدي كانت عندما ألتقي صديقاتي لنتبادل اخبارنا ومن ثم نعد بالمحافظة على حميميتنا. لكنني كنت اتحاشى دائماً الإفصاح عما يخصني. في أحد الأيام، وجدت نفسي احمل عبئاً يُثقل كاهلي، سر حقيقي يتعلق بمرض زميل لي. هذا الأمر أعلنته لصديقاتي. وبعد ذلك شعرت بتأنيب الضمير يلاحقني كأن زميلي يوبخني ويقول لي إنني فتاة ضعيفة الإرادة، لا يستطيع أحد الوثوق بها. لقد جعلني ذلك أفكر وأعيد حساباتي وتوصلت الى نتيجة انني اختبئ وراء حياة الآخرين وسبب ذلك أنني لا أجد الكلمات المناسبة والمعبرة عن خصوصـــياتي. كانت قصصي الشخصية تتجاوز قدرتي على احتمالها. فالإخبار عن الصراعات الوجودية للمحيطين بي تطمئنني وكلما كنت اردد كل ما كان مطلوب مني ان أُخفيه، كنتُ لا أتحدث سوى عن نفسي، ما الحل؟».

يكمن الحل في بضع خطوات. أولاً، اذا شعرتم بأن اخفاء سر ما هو امر مستحيل بالنسبة إليكم، لا تترددوا بعدم قبول الاستماع إليه. لا تخشوا ان يُفهم موقفكم بطريقة خاطئة، بل بالعكس ستُشكرون على صراحتكم واعترافكم بعدم قدرتكم على ضبط لسانكم. ويصبح بذلك «المخبر» امام مواجهة مسؤوليته. ثانياً، تخيلوا ما يمكن ان يحصل عندما تتلقون معلومات سرية معينة. قبل ان تنشروا الخبر فكروا في ما قد يحدث، اذا كانت حسنات هذا الأمر بالنسبة إليكم (التخلص من عبء ثقيل، الرغبة في الإفصاح عن الأنباء المثيرة...) تفوق سيئاته (خسارة ثقة الآخرين، تصدّع العلاقة بين الأصدقاء).

ثالثاً، وهي نصيحة الى الذين يصرّحون بأسرارهم: إذا كانت الحاجة ملحة لإخبار ما لديكم، اسألوا انفسكم لمَ تختارون هذا الشخص بالتحديد: هل تفكرون انه سيريحكم ويساعدكم في حل الأزمة التي تعيشونها؟ أم لأنكم تعلمون مسبقاً انه لا يستطيع المحافظة على صمته؟ واسألوا أنفسكم: ماذا سيفعل لو أطلعته على سري؟ هل أنا مستعد ان أُجازف وأسمع اخباري تتناقلها الألسن؟ إذاً، لم لا اعيد النظر في حديثي وأختار السكوت؟

ضياء عواد

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...