دول آسيا الوسطى: المجال الحيوي والاستراتيجي لخارطة الصراع

25-11-2008

دول آسيا الوسطى: المجال الحيوي والاستراتيجي لخارطة الصراع

الجمل: خلال الفترة الممتدة من نهاية عام 1998م وحتى الآن، سمع العالم كما لم يسمع من قبل بمنطقة آسيا الوسطى، وبمرور الأعوام أصبحت أبعاد الصراع في آسيا الوسطى أكثر عمقاً، وأصبحت امتداداته أكثر اتساعاً إضافة إلى أن القوى المتصارعة في هذه المنطقة أصبحت أكثر تنوعاً، لجهة السيطرة والنفوذ على المصالح التي أصبحت بدورها أكثر حيويةً.
* المجال الحيوي: جغراسيا آسيا الوسطى:
عرضياً تقع آسيا الوسطى في الرقعة الممتدة من ساحل بحر قزوين الشرقي حتى تخوم منغوليا الواقعة بين الصين وروسيا، وتقع آسيا الوسطى في المنطقة الممتدة من شمال أفغانستان وحتى حدود روسيا الجنوبية.


يضم الإقليم السياسي الخاص بمنطقة آسيا الوسطى خمسة دول: كازاخستان، تركمانستان، أوزبكستان، طاجيكستان، كيرغيزستان. وتقول المعلومات التاريخية أن هذه المنطقة ظلت لفترة طويلة تحمل اسم تركستان ولكن بعد ضمها إلى الاتحاد السوفيتي السابق، وتحديداً في فترة حكم جوزيف ستالين، أطلقت كتب الجغرافيا السوفيتية عليها تسمية منطقة آسيا الوسطى التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي واستقلت بعد انهياره مكونة دول آسيا الوسطى الخمسة.
* المزايا الاستراتيجية لمنطقة آسيا الوسطى:
كتب الخبراء الاستراتيجيون كثيراً عن مزايا آسيا الوسطى ووضع الخبير الاستراتيجي ماكيندر نظرية "قلب الأرض" الشهيرة بالاستناد إلى أهمية منطقة آسيا الوسطى باعتبارها تمثل المتغير الجيو-سياسي اللازم الذي يمثل مفتاح السيطرة على العالم، وتأسيساًَ على ذلك، يمكن الإشارة إلى المزايا الآتية التي تتمتع بها المنطقة والتي يمكن أن يتمتع بها من يسيطر عليها:
• التمركز في آسيا الوسطى يتيح الإطلالة الأكثر سهولة والأقل تكلفة باتجاه:
- العمق الحيوي الروسي باتجاه الشمال.
- العمق الحيوي الصيني باتجاه الجنوب الشرقي.
- العمق الحيوي لشبه القارة الهندية باتجاه الجنوب.
- العمق الحيوي الإيراني باتجاه الجنوب الغربي.
- العمق الحيوي لكامل منطقة بحر قزوين باتجاه الغرب.
وجميع هذه المناطق تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة عليها وممارسة النفوذ فيها.
• السيطرة على موارد آسيا الوسطى تتيح التحكم في إمدادات النفط والغاز والمعادن والموارد الزراعية إلى روسيا والصين وشبه القارة الهندية ودول الاتحاد الأوروبي.
• السيطرة على ممرات آسيا الوسطى تتيح السيطرة على الممرات البرية والجوية التي تربط بين شبه القارة الهندية، وروسيا والصين، وغير ذلك من الطرق والممرات التي تتيح ضبط التفاعلات والعلاقات البينية التي تربط بين الأقاليم المحيطة بمنطقة آسيا الوسطى.
* الوضع الحالي للصراع في آسيا الوسطى:
بسبب الطبيعة المعقدة للصراع في هذه المنطقة فإن من الأفضل الاعتماد على تحليل خارطة الصراع على النحو الآتي:
أولاً: الأوضاع الجزئية للصراع: ويمكن استعراض الصراع حالياً في دول آسيا الوسطى على النحو الآتي:
• كازاخستان: يتميز النظام الحالي بالاستقرار إضافة إلى الروابط القوية مع روسيا، مع الإبقاء على باب العلاقات مفتوحاً مع كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وتقول المعلومات أن المعارضة الداخلية ضعيفة وغير قادرة على القيام بفرض أي تهديدات حقيقية في الوقت الحالي.
• تركمانستان: تتميز بالبيئة السياسية المنقسمة والذرائعية الشديدة، لجهة قدرة النظام على فرض سيطرته الداخلية الشديدة، ولكن على صعيد السياسة الخارجية فإن توجهات النظام غير مستقرة فهو يلعب على كل الخطوط وقد وقع اتفاقيات تعاون مع روسيا وأمريكا وإيران ويحاول بقدر الإمكان توظيف الأوراق الخارجية للوقاية من المخاطر الداخلية.
• أوزبكستان: كانت من أوائل الدول في آسيا الوسطى التي حاولت الارتباط بأجندة السياسة الأمريكية ولكن لاحقاً بدأت خط العودة عن طريق إنهاء اتفاقية نشر القواعد الأمريكية فيها، وتفادي الضغوط الأمريكية التي تريد أن تجعل من أوزبكستان الممر الشمالي للقوات الأمريكية في أفغانستان لتلعب دوراً مشابهاً لذاك الذي تلعبه باكستان باعتبارها الممر الجنوبي. هذا، وقد سبق أن لعبت أوزبكستان هذا الدور عندما شاركت في تحرك الحملات العسكرية ضد نظام طالبان ففي الوقت الذي كان فيه محور الهجوم الجنوبي متحركاً من باكستان كان محور الهجوم الشمالي متحركاً من أوزبكستان ضمن ما عرف باسم "تحالف قوات الشمال". هذا، وبسبب مجاورة أوزبكستان المباشرة لأفغانستان إضافة لوجود الامتدادات القبلية ذاتها، وعلى وجه الخصوص الأوزبيك التي توجد في شمال أفغانستان وجنوب أوزبكستان، فقد انتقلت عدوى الجماعات الإسلامية المسلحة لأوزبكستان وحالياً تعتبر أوزبكستان المفصّل الأكبر للحركات الإسلامية الأصولية المسلحة في آسيا الوسطى.
• طاجيكستان: وهي من أكثر دول آسيا الوسطى المعرضة حالياً للاضطرابات بفعل تأثيرات الانقسامات على الخطوط الإثنو-ثقافية إضافة إلى تداعيات الحرب الأهلية الطاجيكية التي ظلت تندلع بين الفينة والأخرى، وتشير المعلومات إلى أن اندلاع الحرب الأهلية سيترتب عليه إشعال الصراعات داخل أوزبكستان كيرغيزستان المجاورتان لطاجيكستان.
• كيرغيزستان: تقع في أقصى الجانب الشرقي لمنطقة آسيا الوسطى وتعتبر ذات قيمة جيو-ستراتيجية خطيرة في المنطقة، لأنها تطل مباشرة على إقليم سينغ يانغ الصيني الغربي الذي تنشط فيه الحركات الإسلامية المعاصرة الانفصالية المعروفة باسم حركات الإيغور، والذي مازال سكانه رافضين الاعتراف بالهوية القومية الصينية وبدلاً من ذلك يطلقون على منطقتهم اسم تركستان الشرقية، وعلى نفسهم تسمية التركستانيين الشرقيين، وتقول الإحصائيات أن 70% من سكان الإقليم من ذوي الأصول الكيرغيزية والكازاخية.
ثانياً: الأوضاع الكلية للصراع: يدور الصراع في المنطقة على أساس اعتبارات وجود نوعين من القوى المتورطة في الصراع ويمكن استعراض ذلك على النحو الآتي:
• القوى الإقليمية: وتتمثل في إيران، تركيا، الهند، باكستان، إضافة إلى روسيا والصين باعتبارهما تجاوران الإقليم وتربطهما علاقات تعاون وصراع مرتبطة بالشأن الإقليمي.
• القوى الكبرى العظمى: وتتمثل في الولايات المتحدة وروسيا والصين مع ملاحظة أن فرنسا قوة كبرى ظلت تركز على التعامل مع ملف آسيا الوسطى عن طريق الاتحاد الأوروبي.
محاور الصراع الكلي ما تزال في حدود الآتي:
• المواجهات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا من الجهة الأخرى، ضمن ما يمكن تسميته بـ"علاقات الصراع".
• التعاون الدبلوماسي بين الصين وروسيا ضمن ما يمكن تسميته بـ"علاقات التعاون".
برغم محاولات الولايات المتحدة الأخيرة الهادفة إلى إعادة إشعال الخلافات بين روسيا والصين ومحاولة توظيف الخلافات الصينية والروسية على غرار توظيف هذه الخلافات خلال فترة الحرب الباردة السابقة فإن التعاون على خط موسكو – بكين قد قطع شوطاً كبيراً في تجاوز خلافات الماضي، عندما نجح التوافق الروسي – الصيني في بناء منظمة تعاون شنغهاي ذات الطبيعة الاقتصادية – السياسية – العسكرية – الأمنية، والتي تقول التحليلات أنها:
• ستلعب دوراً كبيراً في حفظ توازن القوى الكبرى.
• ستقوم بدور الموازن الذي يقف في الجانب الشرقي في مواجهة حلف الناتو الذي يقف في الجانب الغربي.
وحالياً، استطاعت منظمة تعاون شنغهاي النجاح في ضم دول آسيا الوسطى الخمسة إلى عضويتها بالإضافة إلى روسيا والصين، ومنغوليا مع إعطاء إيران وباكستان والهند صفة "مراقب". وبسبب جهود المنظمة فقد قررت أوزبكستان عدم تجديد اتفاقيات استمرار وجود القوات الأمريكية في أراضيها إضافة إلى كيرغيزستان التي بسبب تورطها في استضافة قاعدة عسكرية أمريكية قامت على الفور باستضافة قاعدة عسكرية روسية، بحيث أصبحت القاعدتان الأمريكية والروسية توجدان على مقربة من بعضهما البعض.
تقول التوقعات أن النفوذ الأمريكي كان يمكن أن يتمدد بقدر أكبر في آسيا الوسطى لو استمرت إدارة بوش في تطبيق مخططات إدارة كلينتون القائمة على تقديم المعونات وتوجيه الاستثمارات وبناء الروابط التجارية والاقتصادية ولكن إدارة بوش لجأت إلى استخدام الوسائل المدنية – العسكرية في محاولة فرض السيطرة على دول  آسيا الوسطى ومن أبرز ما قامت به إدارة بوش الآتي:
• محاولة إشعال الثورات الملونة في أوزبكستان كيرغيزستان وتركمانستان وغيرها الأمر الذي أدى إلى إغضاب الأنظمة الحاكمة فيها.
• محاولة ابتزاز دول آسيا الوسطى عن طريق الربط بين تقديم المعونات وبناء الروابط وبين مدى تقديم دول آسيا الوسطى للتسهيلات الأمنية والعسكرية لأمريكا.
• احتلال أفغانستان والعراق وتداعياتها على الأوضاع في باكستان أدت مجتمعة إلى تشويه مصداقية واشنطن السياسية في آسيا الوسطى.
وحالياً، من الصعب على إدارة أوباما إعادة إنتاج مفاعيل جهود إدارة بوش لأن تاريخ شعوب بلدان آسيا الوسطى قد مضى قدماً، التي لم تعد ترغب في أي وجود أمريكي في أراضيها إضافة إلى أن أنظمة آسيا الوسطى أصبحت أكثر شكوكاً ومخاوفاً إزاء أجندة واشنطن الحقيقية وما زاد مخاوف دول آسيا الوسطى تزايد وجود الجماعات اليهودية التي أعادت تصديرها إسرائيل إلى المنطقة، ومحاولتها استخدام يهود طاجيكستان وكازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان في محاولة النفاذ والتغلغل داخل الهياكل المؤسسية الرسمية وهو أمر انتبهت إليه هذه الدول وعلى وجه الخصوص عندما تبين أن هذه الأقليات اليهودية قد شاركت بقدر كبير في تفعيل وتمويل حركات الاحتجاج المدني التي اندلعت وحاولت إشعال الثورات الملونة في آسيا الوسطى على غرار الثورة البرتقالية الأوكرانية والثورة الوردية الجورجية التي قادها ساخاشفيلي الذي يحمل جنسيتين أمريكية وجورجية.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...