أمريكا لم تتعلم من دروس فيتنام و ليبيا في تعاملها مع سوريا

25-06-2006

أمريكا لم تتعلم من دروس فيتنام و ليبيا في تعاملها مع سوريا

الجمل : القرارات الأمريكية التي حملت اسم: قانون محاسبة سوريا وسيادة لبنان، تمثل إشارة محزنة، إلى الدروس التي لم تتعلم منها الإدارة الأمريكية شيئاً، برغم مرور ثلاث سنوات على بدء ما يعرف بـ (الحرب ضد الإرهاب).
فالقانون، يطالب الرئيس بوش بفرض عقوبات تجارية وديبلوماسية على سوريا، "حتى يتم الامتثال لتنفيذ شروط محددة". تتضمن إنهاء دعم "الإرهاب"، والانسحاب من لبنان، وتجميد عملية "تطوير الأسلحة المحظورة"، وإذا استدعينا إلى الذاكرة، قانون عقوبات إيران- ليبيا لعام 1996م، لتبين لنا بوضوح وجلاء النتيجة المحزنة الآتية: إن الصيغة والطريقة التي صدر بها قانون سوريا، ما هي إلا خطوة "تراجعية" إزاء مستقبل.
حيث لا توجد أسباب واضحة لجعل سوريا، تقوم بإعادة تقييم العديد من توجهاتها السياسية، لأن آراء سوريا واضحة في كل شيء: الفصائل الفلسطينية، الجماعات اللبنانية، حزب الله ، حركة حماس، حركة الجهاد الإسلامي، الجماعات والفصائل المناهضة لإسرائيل، والتي تصفها واشنطن باعتباره" تنظيمات إرهابية" وأيضاً ما كان يقال حول "احتلال لبنان"، و"الأسلحة غير التقليدية"..
كذلك، قامت واشنطن باتهام سوريا، بأنها قامت بإخفاء أسلحة الدمار الشامل العراقية، وسهلت حركة عبور المقاتلين الأجانب إلى العراق.. وهي جميعاً اتهامات أصبح الاستمرار في الإدعاء بها مثاراً للدهشة والاستغراب. خاصة وقد تأكد غياب الدليل الدامغ، على النحو الذي جعل تصديق صحة أي من هذه الاتهامات أمراً صعباً للغاية.
وفي الوقت ذاته تطالب سوريا بفتح اقتصادها، ونظامها السياسي، حتى أن إلحاح الإدارة الأمريكية المتزايد في هذا الخصوص، جعل الكثيرين يتصدون للإدارة الأمريكية، ويذكرونها بأن عملية الإصلاح هي شأن داخلي محلي ومسألة خاصة بسوريا ..
لقد تولى الرئيس بشار الأسد منصب الرئاسة في منتصف عام 2000م، وسط توقعات واسعة محلية ودولية، بأن ثمة إصلاحاً اقتصادياً وسياسياً مضطرداً سوف يحدث، وأعتقد بأن المسألة الآن، تتعلق فقط بكيفية تشجيع الحكومة السورية من أجل المضي قدماً في مسيرة الإصلاح، والقيام بدور دولي أكثر إيجابية..
 
دروس ليبيا وفيتنام

تطورات الأحداث والوقائع في ليبيا وفيتنام، تشير إلى اتجاه معين، فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ليبيا في منتصف السبعينات، وتم تشديد هذه العقوبات بعد عام 1986م، ثم جاءت العقوبات المتعددة الأطراف بعد عام 1992، وعندها حاول المذهبيون في إدارة بوش التدليل والبرهنة، على أن العقوبات سوف تلعب دوراً رئيسياً في عملية تغيير النظام في ليبيا، ولكن تبين في نهاية الأمر، أن المسألة ليست بهذه السهولة، بل هي أكثر تعقيداً. إضافة إلى أن نظام القذافي استطاع أن يحقق فائدة كبيرة من هذه العقوبات، وبالذات في تدعيم وتعزيز موقفه السياسي الداخلي في منتصف التسعينات، ثم استطاع بعد ذلك بمهارة فائقة أن يجد دعماً أوروبياً وإفريقيا كبيراً. هذا، وعندما بدأ المسؤولون في الإدارة الأمريكية يتحدثون عما أسموه بـ (إجهاد العقوبات الذي أرهق ليبيا) في نهاية حقبة التسعينات الماضية، كانوا في نفس الوقت يعرفون ويدركون تماماً أن التأييد الدولي لكل من العقوبات المفروضة، ولموقف الإدارة الأمريكية المعادي لليبيا، تضاءل إلى الحد الأدنى.

زعم الإدارة الأمريكية حالياًَ بأن الحرب ضد العراق، كانت السبب الرئيسي الذي جعل نظام القذافي يقبل بالتخلي عن برامج تطوير أسلحة الدمار الشامل، هو إدعاء خاطئ وعار عن الصحة، وذلك لأن التوقيت الزمني، وخطوة الدخول في المفاوضات مع ليبيا، تنفي بشدة وبوضوح كل مزاعم الإدارة الأمريكية. لأن ليبيا بدأت حوار ثلاثياً مع بريطانيا والولايات المتحدة منذ عام 2001م، أي قبل غزو واحتلال العراق، وذلك مباشرة بعد وقوع هجمات الحادي عشر من أيلول.
وأيضاً فقد بدأت المحادثات مع ليبيا حول أسلحة الدمار الشامل قبل قيام القوات الأمريكية باحتلال العراق. وتم التوصل إلى الاتفاق مع القذافي قبل اعتقال الرئيس صدام حسين.
وتجدر الإشارة إلى أن سياسات العداء، الميالة للحرب، والتي ظلت إدارة الرئيس بوش تنتهجها إزاء ليبيا، لعبت دوراً معاكساً في تأخير وعرقلة المباحثات مع ليبيا، وعلى ما يبدو فقد وجدت الإدارة الأمريكية صعوبة ومشقة في الثناء على النظام الليبي، بسبب تمسك الإدارة الأمريكية بخطابها المتشدد في علاقاتها الدولية، وعموماً يمكن القول بأن كل من الحرب ضد الإرهاب، وعملية غزو العراق، لم تلعب أي دور في ما تم التوصل إليه مع ليبيا.
تمثل فيتنام مثالاً راهناً، لفوائد ومزايا سياسة الارتباط والانخراط المباشر في عملية حل الخلافات، فبعد سقوط سايجون في عام 1975م، قامت الإدارة الأمريكية آنذاك بفرض عقوبات متشددة على السلطة الفيتنامية الوليدة، واستمر الأمر على مدى عشرين عاماً، ثم أعقب ذلك استئناف العلاقات الدبلوماسية بين أمريكا وفيتنام، والآن أصبحت العلاقات الثنائية الفيتنامية – الأمريكية أكثر تطوراً، هذا، ولو حاولت الإدارة الأمريكية المضي قدماً في تشديد العزلة على فيتنام، أو معاقبتها بفرض "عقوبات" جديدة عليها، لكن ذلك سيلحق مزيد من الإضرار بالمصالح الأمريكية.

تكرار التجارب الفاشلة

العديد من المسائل والقضايا، التي تواجهنا اليوم، إزاء التعامل مع سوريا، تتشابه كثيراً مع ما كان يحدث في الماضي بسبب الإدارة الأمريكية، من حيث طريقة تعاملها مع ليبيا وفيتنام، طوال الثلاثين عاماً الماضية، مع الملاحظة أن سوريا تختلف عن هذين الدولتين، على أساس اعتبارات وزنها المركزي الرئيسي في عملية سلام الشرق الأوسط، وترقية وتطوير الإصلاح الديمقراطي في المنطقة.
وتبعاً لكل ذلك، يمكن القول ، بأن من غير المجدي والمفيد للإدارة الأمريكية أن تقوم بتجاهل أو غض النظر عن أهمية دمشق، لأن ذلك سوف يجعل إدارة بوش، تطبق كل السياسات الأمريكية التي تم تطبيقها من قبل، وتأكد عملياً فشلها.
الموقف الأمريكي المتشدد حالياً يتباين مع موقف الاتحاد الأوروبي، الذي استطاع أن يحقق اختراقاً في منتصف عام 2003م، وذلك في المفاوضات التي استمرت لفترة 6 سنوات مع سوريا، على النحو الذي أدى اتفاقية تعاون اقتصادي سياسي جديدة. وقد علق على ذلك كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي، قائلين بأن الاتفاقية قد سمحت لنا بمواصلة المزيد من الحوار مع سوريا.
قبل نهاية العمليات الحربية الرئيسية بالعراق في أبريل عام 2003م، كان" المفكرون وصناع القرار" في الإدارة الأمريكية يناقشون إمكانية القيام بإجراء مماثل ضد سوريا، وما كانت تطلق عليهم تسمية استرايجيو( استدر –يساراً)، يدافعون بشكل مفضوح من أجل التحرك والانتقال من بغداد إلى دمشق. هذا، وحالياًَ تقوم إدارة بوش بزيادة وتيرة الضغط على دمشق، في هذا العام الذي سوف يشهد انتخابات مجلس النواب الأمريكي، وذلك من أجل أن تقوم هذه الإدارة بصرف انتباه الرأي العام الأمريكي عن سياساتها الفاشلة في العراق.
إن موافقة الرئيس بوش على قانون محاسبة سوريا، إضافة إلى حديث البيت الأبيض عن تطبيق العقوبات على سوريا. يؤكد بقوة صحيحة وثابتة إن إدارته ما تزال مُصرة على ارتكاب الأخطاء التي ثبتت عملياً، والغريب في الأمر الإصرار على ذلك، فتبدوا  كأنها لا تتوقع  حدوث أي كارثة، بل وكأنها لاتعلم شيئاً عن الكارثة الأمريكية الحالية في العراق!!
بدلاً من العمل على عزل سوريا دولياً، يجب الاستناد إلى ما تقوله لنا معطيات الخبرة في تعامل الإدارة الأمريكية مع ليبيا وفيتنام، وباختصار يمكن القول بأنه يتوجب على إدارة بوش، أن تطبق نقيض ماتقوم بتطبيقه حالياً إزاء سوريا، أي أن واشنطن في حاجة ماسة إلى الارتباط مع دمشق ضمن حزمة من السياسات، الهادفة، التي تشجع على التطوير والتحديث، وذلك لأن الحوار المخلص البناء، والذي يهدف إلى  بدء سياسات الاحترام المتبادل، هو السبيل الأكثر تفاؤلاً لكل إصلاح. وعلاقة إيجابية.

 

الجمل ـ قسم الترجمة
رونالد بروسا سان جون
مركز إف بايف
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...