الطلاق العاطفي

16-01-2008

الطلاق العاطفي

من المعروف أن المشاكل والمشاكسات الزوجية ملح الحياة، وهي كفيلة بأن تقوي العلاقة بين الطرفين في حال كانت ضمن الحدود المعقولة لأنها دائماً تنتهي بمصالحة مملوءة بالشوق والعتاب الذي من شأنه أن يجلي القلوب ويشحن العلاقة الزوجية بشحنة جديدة من الحب والألفة. 
 ولكن إذا ما دخلنا إلى البيوت الملأى بالأسرار لوجدنا علاقات زوجية صامتة، ميتة خالية من الحياة والمشاعر حتى الخلافات لم يعد لها مكان بين الزوجين اللذين قررا العيش مع بعضهما بعضاً على الرغم من الجليد الذي أحاط بالعلاقة منذ سنين.
إذاً ما الأسباب التي تدفع الزوجين إلى الاستمرار داخل مؤسسة محكوم عليها بالانهيار بأي لحظة......؟

- فكثيرات هن الزوجات اللواتي ينظرن إلى الأبناء على أنهم السبب الوحيد الذي يربطهن بهؤلاء الآباء.. كما أن بعض الأزواج ينظرون إلى الأبناء قائلين في أنفسهم: لو لم يكن عندي أبناء لكنت تخلصت من الحياة مع هذه الكارثة التي تزوجتها.. وأسباب وحجج أخرى (أهلي لا يفضلون الطلاق، وفي حال تم الطلاق سيبعدونني عن أولادي، وكلام الناس لا يرحم، والحياة صعبة، و.. و.. و...)
وإذا عدنا لأصول هذا الشرخ الذي بات هوة ضخمة من الصعب ردمها، لوجدنا أن سببها تدني مستوى الوعي لدى عدد كبير من المقبلين على الزواج، وان معظم الخلافات التي تبدأ هي في جوهرها تافهة لكن لم يتم السيطرة عليها في البداية، لذلك فهي تتسع وتتراكم حتى تصل إلى ذلك المستوى.
يرتبط الطلاق العاطفي بطبيعة العلاقة العاطفية بين الزوجين تحديداً، وهو ما يجعله غير ظاهر للعيان، إلى جانب إمكان وقوعه من دون انفصال الزوجين فعلياً. فتراهم متعايشين تحت سقف واحد، يتقاسمان كل تفاصيل الحياة، ولكن متشاطران عاطفيا لا مشاعر ولا رحمة ولا مودة تجمعهم، فلكل منهما عالمه الخاص المعزول عن الطرف الآخر.

الأسباب الأولى
تتأصل الهوة العاطفية بين الزوجين لجذور عميقة بات من الصعب اقتلاعها والتخلص منها.
فالمشاكل والخلافات المتكررة تلعب الدور الأكبر في حال لم يتم علاجها أولاً بأول لأنها تؤدي إلى تراكمات لا تزول، إضافة لعدم الانسجام العاطفي والفكري بين الطرفين لترى كل طرف يغني على ليلاه.
تلعب المعتقدات السائدة والبالية التي تسود المجتمع الشرقي دوراً كبيراً في تدهور العلاقة الزوجية لأنها تطالب المرأة دوما بتقديم التنازلات من أجل راحة الرجل الذي نسي أن زمن (سي السيد) ولى وذهب دون رجعة ولم نعد نرى هذه النماذج من العلاقات الزوجية إلا في المسلسلات والأفلام القديمة وثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين وقصر الشوق والسكرية) فالحياة الزوجية أخذ وعطاء بكل التفاصيل حتى يتسنى لمعادلة الحب والمودة أن تتحقق.

أفضل من الطلاق الشرعي
كلام الناس، الفضيحة، نظرة المجتمع للمرأة المطلقة، والأولاد، والحضانة والمصروف، والأهل والأقارب و.. و.. و.. وغيرها من الأسباب التي تحول دون انتهاء مهزلة الزواج الذي بات لا يطاق، فالعلاقة أصبحت فارغة من كل مقومات الاستمرار (لا مشاعر، لا ألفة، لا مودة، لا تفاهم) ولكن ليس باليد حيلة فكابوس الطلاق مازال يخيف نساءنا، لأن المجتمع لا يرحم، وأغلب العائلات الشرقية لا تروق لها فكرة أن تعود ابنتهم مطلقة ومعها أولاد أو حتى من دون أطفال لتجد المرأة نفسها خارجة من خناق علاقة لم تعد تُحتمل إلى نيران مجتمع ينهش أدنى حقوقها ويصادر حريتها ويلاحقها في كل خطوة تخطوها ليضعها في خانة العاهرات لأنها أصبحت سهلة المنال فلم يعد لديها شيء تخسره، طبعا هذا إذا دل على شيء فإنه يدل على العقلية المتحجرة والنفسيات المريضة المبتلى بها أغلب أفراد المجتمع، علماً أن هذه المرأة التي اختارت الطلاق والتحرر من براثن علاقة من الصعب احتمالها، أشجع من كثيرات بقين تحت رحمة رجل لم يعد يرتبطن معه بشيء سوى بعقد انتهت مدته، ولعل الخيانات الزوجية التي استشرت بطريقة مخيفة في السنوات الأخيرة والتي تنازع الرجال والنساء على أدوار البطولة فيها أكبر مثال على ذلك.

تأثير الطلاق العاطفي على الأولاد
يظن الأزواج ولاسيما الزوجات أن الطلاق الفعلي يشرد العائلة ويفككها ويؤثر على نفسية الأولاد الذين سيعيشون مجبرين مع أحد الأبوين، لذا تفضل الزوجة العيش مع رجل انعدمت الحياة بكافة أوجهها معه على الطلاق والانفصال الفعلي متذرعة بمشاعر أولادها.
أثبتت دراسات الطب النفسي أن الطلاق العاطفي يؤثر على الأبناء بصورة أقوى من الطلاق الفعلي، لكون الزوجين يعيشان منفصلين، ولا يربطهما سوى حاجات الحياة الأسرية الاعتيادية غير المنتهية، لافتةً إلى «حدوث نوع من الانفصال أو الانفصام في تفكير الأبناء نتيجة ذلك، وهو ما يؤثر على تعليمهم بصورة واضحة، إضافة إلى خلق أسرة مفككة تسودها المصلحة الشخصية، وكيفية استغلال الأبناء لعلاقة الأم والأب المتذبذبة في تحقيق متطلبات قد تضر بهم على المستوى الأخلاقي»، وتوضح نفس الدراسات أن: «50 بالمئة من حالات الطلاق العاطفي تتطلب مساعدة وتدخلاً من الطبيب المعالج، شريطة البعد عن الطرف الآخر».

التقاعد العاطفي وأزمة منتصف العمر
(لنترك هذه الأشياء لأولادنا)، (لقد كبرنا على ذلك)، (ماذا تركنا للشباب) عبارات تتلفظ وتتحجج بها النساء بعد سن معينة قد تبدأ من الأربعين، هروبا من متطلبات الزوج الذي يشتكي من هذا الوضع ليبحث عن امرأة أخرى تلبي حاجاته الفيزيولوجية والنفسية التي أصبح من الصعب الحصول عليها داخل المؤسسة الزوجية الخالية من المشاعر والحرارة، فالعادة والاعتياد هما السبب الوحيد الذي يدعو للاستمرار.
أما الاستنكارات الأنثوية فتتصاعد بوجه شكاوى الأزواج الذين لا يتفوهون بكلمة حلوة ولا حتى شكر أو استحسان فالزوجة مجرد آلة لإعداد الأكل والشرب، وتلبية أوامر الرجل ونواهيه ليأتيها آخر الليل طالبا منها أن تستجيب.
وكما نعلم جميعاً أن المرأة مع تقدم العمر تصبح بحاجة لجرعات كبيرة من الحنان والرعاية ولكلمة طيبة من شريك العمر وصديق الدرب الذي بدأ يعاني من الملل والفتور.
ولكن إذا أرادت المرأة أن تفكر قليلا لاستطاعت استثمار المشاعر الجياشة التي يتمتع بها الزوج مع تقدم العمر أو ما يسمى المراهقة الثانية لمصلحة الحياة الزوجية، فكلاهما في هذه السن يملك مشاعر جميلة من الصعب كبحها ولكن الأمر يحتاج إلى وعي من الطرفين لاستثمار هذه الأحاسيس بالشكل الصحيح. وقد أثبتت دراسة أن المرأة بإمكانها أن تعطي عاطفيا وجسديا حتى سن الستين على عكس ما يتصور الكثيرون عن الخرافة المسماة (سن اليأس).
فالحياة الزوجية مراحل لكل منها طعم خاص، ومع تقدم السن تبدأ رحلة جديدة من الحياة الأكثر هدوءاً، فالاستمتاع بالحياة ليس مقصوراً على متعة الجسد كما يتصور البعض، فحقيقة المتعة والسعادة هي التوافق والاستقرار الذي يولد المحبة والتفاني لإسعاد الطرف الآخر.

دارين صالح

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...