تصرفات الـ «جنتلمان»... عادات «أبطال» من زمن آخر

03-12-2007

تصرفات الـ «جنتلمان»... عادات «أبطال» من زمن آخر

مر على زواجها ما يزيد على ربع قرن كامل، وزوجها لا يزال يمسك لها باب المصعد حتى تدخل، ويفتح لها باب السيارة أولاً، ويدعها تمر أمامه. هو «جنتلمان» حقيقي حسب وصفها له، أما هو فلا يرى شيئاً غريباً في تصرفاته لأنه يقدم عليها بطريقة عفوية. والمثير أن دائرة أصدقائهما لا تختلف كثيراً عنهما في طريقة تصرف الأزواج مع الزوجات. لكن الأكثر إثارة أن ابنهما وابنتهما يعتبران هذه التصرفات علامة واضحة من علامات الرجعية ودليلاً دامغاً على انتمائهما لعصر مختلف وجيل مندثر.

محمد الابن البالغ من العمر 23 عاماً خطب زميلته في العمل قبل أشهر، ومنذ ذلك الحين وهو يجد نفسه واقعاً بين شقي رحى الأب من جهة الذي يتهمه بقلة الذوق في التعامل مع خطيبته، ووالدته التي تعتبر نفسها أخفقت في تربيته. فهو دائماً يدخل قبلها من باب المطعم أو المصعد أو البيت، ولم يحدث أن فتح لها باب السيارة بل يدخل ويجلس ويتركها واقفة على الرصيف إلى أن يفتح لها من الداخل. وعلى رغم الانزعاج الشديد لوالديه من هذه التصرفات «التي ينقصها الذوق وتفتقد اللياقة»، فإنهما أكثر تعجباً من خطيبته التي لا تقابل موقف خطيبها بازدراء، بل تتعامل مع الموقف بطريقة «طبيعية». وحين سئلت في ذلك قالت: «لقد انتهى هذا العصر ولم يعد هناك مجال لهذه التصرفات الثقيلة والمصطنعة».

فهل بات زمن الشاب «الجنتلمان» فصيلة منقرضة وسمة من سمات الماضي الممل؟ أم أن غيابه مأسوف عليه؟ واقع الحال في الشارع الشبابي يشير إلى أنه عصر ولّى، إلا في أفلام الأبيض والأسود وحكايات الجدات والأجداد.

ولا يبدو أن هناك من يترحم عليه كثيراً، ولكن لكل قاعدة استثناء. مروة (20 عاماً) تحكي قصتها مع اكتشاف فكرة «الجنتلمان» التي جاءت بالصدفة البحتة. تقول إنها كانت ذات مرة تنتظر المصعد في عمارة تسكنها إحدى صديقاتها، وكان يقف إلى جوارها رجل في العقد السابع من العمر متكئاً على عصا، وحين وصل المصعد، فوجئت بالرجل يفتح باب المصعد الخارجي ثم الداخلي وهو واقف في خارجه، ويدعوها إلى الدخول، وحين عرضت عليه أن يدخل أولاً قال: «يا بنتي عيب، كبر السن لا يعني قلة الذوق، ladies first». يومها جرى حديث مقتضب بينهما عرفت خلاله للمرة الأولى أن أصول الذوق تحتم مرور المرأة أو الفتاة أولاً قبل الرجل، مع التزام الرجل بفتح الأبواب الموصدة لها، وتقديم يد العون لها إذا احتاجت أو على الأقل يعرضها حتى لو رفضت. تقول: «كان ذلك أشبه بعالم غريب ومثير بالنسبة لي، وبدأت أدقق في الأفلام القديمة لألاحظ طريقة تصرف البطل مع البطلة، وتطور التدقيق إلى حسرة على الطريقة التي يتعامل بها معنا زملاؤنا من الطلاب في الجامعة. هم لا يترددون في مزاحمتنا، بل ودفعنا دفعاً في سبيل الوصول قبلنا إلى الصفوف الأولى في قاعات المحاضرات».

وما تحكيه مروة عن مزاحمة الطلاب للطالبات في قاعات الدرس لا يختلف كثيراً عما يحدث في الشارع، ويكفي النزول إلى أحد شوارع وسط القاهرة - المعروفة بوسط البلد - في مساء يوم الخميس مثلاً حين تزيد أعداد الشباب والشابات الذين يمضون وقتهم في التمشية وأكل الآيس كريم. من الطبيعي أن تجد من يدفع من تمر أمامه لمجرد أن يحوز على أولوية العبور. أما المواصلات العامة فهي دليل دامغ على الانتهاء التام لهذا العصر «الذهبي» في نظر بعضهم، و»الرجعي» في نظر بعضهم الآخر.

ويضحك شباب متجمعون أمام كشك لبيع المثلجات حين يسألون عن مدى اتباعهم لمبادئ «الإتيكيت» في التعامل مع الجنس الناعم. وتتراوح التعليقات الساخرة واللاذعة بين «الجنس الإيه ..؟ الناعم؟!» و»ويطلع إيه الديكولتيه ده كمان؟».

وبعد تكرار السؤال مراراً، يقول أحدهم: «والله هذا الزمن لا يسمح بوقت أو جهد أو حتى مجرد التفكير في فتح باب سيارة أو مصعد لأحد لمجرد أنه أنثى». ويضيف زميله أن «الأحاديث التي يصمّون بها آذاننا عن المساواة وحق المرأة في العمل والتعليم إلى آخر القائمة السخيفة تعني أنهن يقفن معنا على قدم المساواة ولا يحتجن إلى معاملة خاصة».

وإذا كانت المعاملة الخاصة بالنسبة إلى أولئك الشباب مرفوضة بسبب ما يقال عن المساواة، فإنهم في الوقت نفسه يؤكدون أن الواجب يحتم عليهم أن يتخلوا عن مقعدهم مثلاً في الباص أو المترو لتجلس عليه سيدة عجوز.

يقول أحدهم: «الرأفة ومراعاة السيدات المتقدمات في السن شيء ومطالبتنا بالعودة إلى زمن يوسف بك وهبي وأمينة رزق الرتيب وتعاملاته غير الملائمة لعصرنا شيء آخر، وعموماً أنا جنتلمان برجولتي وثقتي في نفسي وحمايتي لخطيبتي أو زوجتي، أما ما عدا ذلك فليس موجوداً في الألفية الثالثة».

وحين تسأل مجموعة مشابهة من الفتيات عن النموذج الأمثل لـ «الجنتلمان» تتراوح الردود بين تامر حسني لـ «روشنته» وأحمد عز لـ «وسامته» وسامي يوسف لـ «التزامه». أما الجنتلمان الذي يفتح باب السيارة ويدع شريكته تمر أمامه ويمد يد العون إلى من تحتاجه فيمكن العثور عليه في أفلام زمان وحكايات الجدات.

أمينة خيري

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...