صيد السمك على ضفتي الفرات

30-10-2007

صيد السمك على ضفتي الفرات

«أجمل ما في الصيد أنه يعلمك الصبر»، يقول عبد الإله عبارته هذه ثم يعود ليجلس على ضفة النهر بعد أن يرمي صنارته في المياه، ليظل يترقب ما قد يجود به «الفرات» عليه.

عبد الإله ( 24 سنة ) عامل بناء في محافظة دير الزور (450 كلم عن دمشق)، يمضي ساعات طوالاً على شاطئ النهر يصطاد السمك بعد الانتهاء من عمله الصباحي، ليس برفقته أحد سوى مذياع صغير الحجم نادراً ما يستخدمه، خشية أن يخيف صوته الأسماك التي «تنفر من الأصوات المرتفعة وتقترب حيث الهدوء والطعام».

على مسافة ليست بعيدة من عبد الإله، يركن شبان آخرون دراجاتهم قريباً من حيث يجلسون في ظل نبات «الزل»، الذي يكثر على ضفاف الفرات (يبلغ طول النهر2940 كلم، منها 680 كلم في سورية).

«الصيد ينشط في هذه الأوقات من السنة المتزامنة مع فصل الخريف»، يقول سامر (19 سنة) وهو يرفع صنارته التي اهتزت لتخبـره أن شيئاً قد علق بها، لكن يخيب ظن سامر عند اكتشافه أن هذا الشيء ليس سوى أفعى مائية فيعيدها إلى النهر، ويعلّق على الأمر قائلاً: «الصيد لا يتوقف على المهارة فقط وإنما يحتاج إلى القليل من الحظ».

إلا أن زميله سلام يضحك ساخراً من كلام جاره، لأنه يعتبر أن الصيد يتطلب مهارة عالية لا تتوافر في أي شخص، يقول: «ليس كل من ألقى بصنارته أصبح صياداً!».

صيد السمك مارسه الإنسان منذ استقرار الحضارات الأولى على ضفاف الانهر، وقد تكون مشاغل العصر الحديث خفضت من اهتمام أبناء المنطقة بالصيد، لكن ذلك لا ينفي أن الولع بالصيد يتجدد بين الفينة والأخرى، خصوصاً في أوساط الشباب، اذ تبدو المنافسة عاملاً يزيد من صبر الصيادين اليافعين، فهي تدفعهم لتحمل ساعات طويلة بانتظار صيد ثمين يفاخرون به بين أقرانهم. ويتحدث شاب أمام زملائه عن سمكة اصطادها البارحة بلغ وزنها 11 كيلوغراماً وهي من نوع «الكرب»، فيقاطعه آخر ليقول ان أول «شبوط» اصطاده عندما كان في العاشرة من عمره، كان وزنه يزيد عن ذلك!

و «الشبوط» و «الكرب» من أنواع الأسماك الفراتية، التي يسهب شبان هذه المنطقة في الحديث عنها، سواء التي حالفهم الحظ بصيدها أم تلك التي سمعوا عنها من ذويهم الأكبر سناً حين كان منسوب النهر أعلى من حالته الراهنة بكثير.

الحديث عن أنواع السمك يجر نقاشاً حول أخلاقيات الصيد، يقول عثمان (24 سنة): «الأسماك الصغيرة التي تعلق بصنارتي أعيدها فوراً إلى النهر». ويلوم عثمان وآخرون الصيادين الذين يستخدمون وسائل غير مشروعة في الصيد، ويتناقل الشبان خبر وفاة أحدهم الذي استعمل الكهرباء لقتل الأسماك فقتل معها، ثم ينتقل بهم الحديث إلى ضرورة أن يحترم كل واحد مكان زميله على الشاطئ، فالمتعارف عليه أن لكل صياد مكاناً ينظفه من أوساخ قد تعلق بالصنارة أو شبك الصيد.

هؤلاء الشبان الذين يعيشون في المناطق المجاورة للنهر تربطهم علاقة قوية بكل ما ينتمي إلى الفرات. صالح (27 سنة) من أهالي دير الزور وهو مقيم ويعمل في إحدى دول الخليج، اختار أن تكون إجازته السنوية في مدينته الأصلية، مع عائلته التي تملك منزلاً مجاوراً للنهر، يقول صالح: «أنا لا أجيد الصيد لكنني أحاول»، يصمت وهو يراقب سمكة تحوم حول الطعم ثم يقول: «يكفي أن تراقب هذه المخلوقات الصغيرة لتعرف أن الشبان ليسوا وحدهم الذين يسعون باستمرار نحو رزقهم... وقد يخطئون الهدف أحياناً فيقعون فريسة للطعم».

وبينما يرتاد بعض الشبان الشاطئ ليمارسوا الصيد هواية يملأون بها أوقات فراغهم، يلقي آخرون شباكهم أو صنارتهم إلى الفرات بحثاً عن وسيلة لكسب العيش أو لتحسين مستوى الدخل، بالحصول على المال من خلال بيع السمك، فالهواية ليست الدافع الوحيد وراء كل صنارة، يقول أيمن: «أفضل أن أجلس لأصطاد السمك بدل أن أقضي وقتي أمام التلفاز»، يضحك شاب آخر حين تسأله عما يدفعه للصيد ليقول: «هروباً من زوجتي التي لا تتوقف عن التذمر من وضعنا الاقتصادي، فكثير من هؤلاء الشبان يتخذون الصيد مهنةً يسعون من خلالها لكسب قوتهم، منهم عثمان الذي يبيع كيلو السمك بسعر حوالى 100 ليرة سورية (أي ما يقارب دولارين أميركيين)، ويرجع الشاب سبب ممارسته الصيد إلى البطالة التي يعاني منها: «لو كنت موظفاً لما رأيتني هنا».

وفي الحديث عن الصيد يلاحظ غياب العنصر الأنثوي عن هذا التقليد الفراتي، وتعتبر آلاء أن مجرد التفكير بمشاركة إخوتها الذكور أي رحلة صيد أمر لا يتقبله المجتمع إطلاقاً، بيد أن إحدى الجدات ترفض هذا الوصف، وتعتبر أن لا ضير في أن تكون هناك صيادات ماهرات، لكن الأمر يتطلب جرأة، ليس فقط في مواجهة الصنارة بل بالوقوف في وجه من أصبح يعتبر أبسط الأمور عيباً، تقول الجدة: «من زمان كان الوضع مختلفاً، كنا نمضي ساعات طويلة نصطاد من دون حرج، فقد كنا نقتسم النهر ضفة لنا وأخرى للذكور».

لينا الجودي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...