آن أويرز حارسة السجون البريطانية : عدد السجناء المسلمين تضاعف

04-08-2007

آن أويرز حارسة السجون البريطانية : عدد السجناء المسلمين تضاعف

آن اويرز ليست بالتأكيد اسماً مشهوراً في بريطانيا لكنها بالتأكيد المرأة الأكثر حضوراً في سجون صاحبة الجلالة بصفتها رئيسة المفتشين في هذه السجون, والحارس الاداري والقانوني لحقوق السجناء السياسية وحاجاتهم الانسانية, وقد نجحت في هذا الدور الى حد ان فرنسا اتخذت قبل ايام قراراً باستحداث هذه الوظيفة واقرار قانون مشابه للقانون البريطاني, من اجل حماية السجون الفرنسية من التجاوزات.

رشيدة داتي وزيرة العدل الفرنسية التي استقبلت آن اويرز في باريس ثم قصدت لندن للاطلاع على اوضاع السجون البريطانية تعترف: هذه المرأة اذهلتني, لقد أحدثت تغييراً نوعياً داخل السجون البريطانية التي تعتبر متقدمة جداً بالمقارنة مع السجون الفرنسية.
هذا التصريح له دلالاته لأنه يعكس اعترافاً صريحاً ومباشراً من مسؤول فرنسي بأن الانكلو ساكسون اكثر تقدماً على صعيد الحقوق الانسانية في هذا المجال, وانه يمكن الافادة من تجربتهم, علماً ان الفرنسيين يعتبرون سباقين ومتفوقين على سواهم من الاوروبيين وغير الاوروبيين في مجال حقوق الانسان. والاعتراف الفرنسي جاء متأخراً جداً, إذ ان هذا المنصب موجود في بريطانيا منذ العام 1981.
واللافت ان نظامي القضاء والعقوبات مختلفان في كل من بريطانيا وفرنسا, لكن البلدين يواجهان مشاكل مشابهة خصوصاً في ما يتعلق بأوضاع المساجين الاحداث, الذين يعانون امراضاً نفسية, وصلاحيات رئيسة المفتشين تشمل السجون العادية, ومراكز الاحداث المنحرفين, وأمكنة توقيف وترحيل الاجانب الذين يقيمون بصورة غير شرعية. وبالرغم من ان التعيين يتم من قبل وزارة الداخلية فان اويرز تتمتع بصلاحيات واسعة في ممارسة مهماتها واتخاذ المبادرات التي تراها مناسبة وغالباً ما تجد نفسها في نزاع مع الوزير.
وآن اويرز هي اول امرأة تتولى هذا المنصب, وقد أثار تعيينها ضجة قوية في حينه, اذ عرفت بحملاتها الناشطة في مجال حقوق الانسان وممارسة الضغوط على الحكومات من اجل تحسين الاوضاع على هذا الصعيد بصفتها مديرة منظمة «العدالة» التابعة للجنة القانونيين الدوليين التي تضم عدداً كبيراً من المحامين وثلاثماية قاضٍ, ونخبة من الجامعيين, وهي توصف بأنها «وجدان النظام القضائي» وقد اصطدمت مع جاك سترو لدى تسلمه وزارة الداخلية, بشأن قانون الهجرة والعقوبات الجديد, واتهمته بأنه تسرع في اصداره وسوف يسبب عواقب وخيمة, كما اعترضت على منح الحكومة الحق في تحديد فترة الاعتقال وفي تأخير اخلاء المتهمين, كما اسهمت في انشاء «لجنة مراجعة القضايا الجزائية» وذلك في اعقاب تنفيذ حكم الاعدام بدريك بنتلي وقد تبين لاحقاً ان أحد شركائه هو الذي ارتكب الجريمة التي دين بها.
وقد قيل في تعيين اويرز انه تطبيق للمبدأ الماكيافيللي «ابقِ حلفاءك واعداءك على مقربة منك», وكان يتوقع ان تتجدد الصدامات بينها وبين سترو لكن لحسن الحظ, اصبح سترو وزيراً للخارجية, وبذلك لم تعد في مواجهة مباشرة معه. لكن اويرز اصرت منذ البداية على انها ليست كما يصفها الاعلام «مراقبة منتقدة» بل انها «مراقبة مستقلة», وكان يؤخذ عليها انها وان كانت «مراقبة بناءة» فهي اعتراضية بصورة دائمة بخلاف الذين تولوا هذا المنصب قبلها كديفيد رانبوشام, وهو جنرال, او السير ستيفن تويم وهو قاض سابق. انها ليست «ابنة النظام» الا ا نها اعتبرت ان كونها من «الخوارج» ميزة لها, إذ ان ذلك يؤهلها لأن تنظر الى الامور بمنظور جديد.
لكن لندع آن نفسها تروي يومياتها. بأسلوب مبسط ومباشر, كتبت تقول: استيقظ عادة في الساعة السابعة صباحاً, استحم ثم ارتدي ثيابي, وهي على جانب من الاناقة والتي اقوم بشرائها من محال جون لويس والبحرية. احتسي القهوة, واغادر المنزل في الثامنة, وتستغرق رحلتي بالباص الى وزارة الداخلية عشر دقائق. الذين تولوا المنصب قبلي كانوا يستخدمون سيارة الا انني لا اجد حاجة لذلك.
في المكتب اطلع على رسائلي الالكترونية والبريد, وربما اكتب مسودة مقدمة تقرير يقيِّم الاوضاع في آخر سجن قمنا بتفتيشه. وكل يوم يختلف عن اليوم الآخر. اذا كان عليّ زيارة سجن ما, وهذا بمعدل مرتين في الشهر, فانني استقل اول قطار, يقصد الجهة التي يقع فيها, او اذهب عشية اليوم الذي يسبق الزيارة ذلك ان الحياة في السجن تبدأ باكراً. في السجن اسير على قدمي خمس ساعات متواصلة, ولذلك ارتدي حذاء مريحاً جداً جداً, من دون ان أتخلى عن مظهري الانيق. او اضع جزمة, لكنها ليست جزمة حمراء كجزمة مصلحة السجون في العصر الفيكتوري اليزابيت فراي التي كانت تختار هذا اللون كدلالة على تمردها.
غالباً ما تكون بوابة السجن مؤشراً على ما يجري في داخله. عندما قمت بأول زيارة لي في العام 2001 الى سجن دارتمور مع مفتش ومفتشة, وجدت على البواية لافتة كتب عليها «هالو يا سيدي. هالو ايتها الفتيات». انهم يعطونني دائماً مفتاحاً بحيث استطيع الذهاب الى اي مكان.
اجتمع الى فريق المفتشين الذين يمكثون هناك اسبوعاً كاملاً, ثم اتوجه الى أحد الاجنحة الذي يتم اختياره بصورة عشوائية كلياً. افتح الباب الموصد واسأل أحد السجناء اذا كان لا يمانع في ان نتبادل اطراف الحديث. اخبرهم من انا, واجلس على سريرهم او على المقعد واسالهم ماذا يجري بعض الفتيان الذين التقي بهم مستوحدون ومحبطون. انا بالنسبة اليهم كأمهم, وقد رووا لي مسائل شخصية للغاية.
بالنسبة إلي, لقاء المساجين هو امتياز, لانك تدخل عالماً موازياً, لأنه لم يتح لهم دخول المدارس والجامعات. هم اشخاص من عائلات محطمة, وقد تم استغلالهم ربما, وقد نشأوا غالباً في دور الرعاية, وكانت لديهم تجارب نحرص على ان لا يتعرض ابناؤنا لها. الاصغاء والمراقبة يشكلان الجزء الاكبر من التفتيش, وبقدر ما اشعر انني لا اشكل خطراً, بقدر ما اسمع وارى اكثر. لكنني لا ادعي انني تائهة, فأنا رئيسة المفتشين, وهذا منصب له صلاحياته و سلطاته واكثر من 30 بالمئة من توصياتنا يتم تنفيذها.
تضيف: اشعر بالحنق عندما اشاهد بعض الاوضاع في السجن. بعض المساجين يمضون 23 ساعة في زنزانتهم برفقة سجين آحر, والمرحاض لا حاجب له, ويجلس عليه أحد السجناء لتناول طعامه, في بعض سجون النساء ليس هناك خدمات صحية. انا لست غاضبة على الافراد, انا ناقمة على الوضع الذي يعني ان السجون والعاملين فيها غير قادرين على القيام بما ينبغي عليهم القيام به.
ومن المهم تضيف اويرز ان لا نفقد القدرة على الشعور بالصدمة. كنت مرة في سجن للاحداث عندما سمعت صراخ أحدهم كان الحراس قد رموه على الارض لارغامه على نزع ثيابه. عبرت عن قلقي. منذ ذلك الوقت لم يعد يتم اللجوء الى القوة وارداً خلال جولات التفتيش في سجون الاحداث. واخيراً كنت في سجن بعد فترة وجيزة على قطع حبل استخدمه سجين لشنق نفسه. كانت فرائص الحراس ما زالت ترتعد, وقد قال لي الحرس الذي قطع الحبل: نشكر الله على سكاكين السمك. هي سكاكين خاصة, مشحوذة على احد طرفيها. وغير مشحوذة على طرفها الآخر, وبالتالي لا تنحر رقبة الشخص وانت تقطع الحبل الذي يلفها.
عندما يخرج الرجال من السجن تكون زوجاتهم او صديقاتهم في انتظارهم. لكن ما من أحد ينتظر النساء, لأنهن يكن قد فقدن منازلهن, وكذلك اولادهن خلال فترة العقوبة ولذلك نحن في حاجة الى المزيد من البدائل للنساء في السجون. هؤلاء فقدن الاحترام الذاتي, ولذلك هن هناك . تكتب ايضاً: محافظ السجن يولم لنا دائماً, وعادة ما يكون الطعام سندويشات, وهكذا يتاح لي التحدث مع كبار المديرين. اعود بعد الغداء مع فريق المفتشين الى مكتب الحاكم وتوزع علينا شوكولاته (كيت كات) مع الشاي, ونحن نحاول تقييم وضع السجن. بعد يوم من التفتيش نشعر بالتعب والحاجة الى التخلص من التوتر. نحتسي كأساً من الشراب مع الطعام في الفندق الذي نقيم فيه ونتحدث مجدداً في الامر. اذا كنت في لندن, فانني اغادر مكتبي قرابة السادسة والنصف مساءً. غالباً ما يسألني البعض: ألا تخافين من ان تتعرض حياتك للخطر وانت تقومين بجولاتك التفتيشية في السجون؟ وأرد: في طريقي ينتابني خوف اكبر عندما اسير بمفردي ليلاً في طريقي الى منزلي. تزيد اويرز: انا طاهية معتدلة, وكذلك زوجي, لذلك نتناول طعامنا معاً مع كأس من الخمر, ثم نشاهد التلفزيون بين الساعة التاسعة والعاشرة. لكن حياتي ليست مملة ومختصرة. بمشاهدة التلفزيون, لأننا تذهب الى الحفلات الموسيقية او المسرح. كما اننا نمارس رياضة المشي في نهاية الاسبوع. اذهب الى الفراش في الحادية عشرة ليلاً, واغط في نوم عميق وكنت في البداية احلم كثيراً بالسجون, وما زلت احلم بها, لكن بدرجة اقل.
يبقى ان المفتشة الكبرى لا تملك سلطة إكراه او القدرة على فرض عقوبات, لكن لديها الحق بالتقدم بتوصيات خصوصاً في تقريرها السنوي الذي تعرضه وزارة الداخلية امام مجلس العموم. وغالباً ما تكون هذه التقارير ذات طابع نقدي إلا انها تتضمن اقتراحات عملية لتحسين الاوضاع, وغالباً ما يتم تبنّى 95% منها ويتأكد المفتشون من مدى تطبيق التدابير الجديدة فعلياً وتتراوح نسبة التطبيق عادة ما بين 70 و75 في المئة, ويعزى عدم تطبيق بقية التوصيات الى النقص في التمويل.
وفي أحد هذه التقارير قدر ان عدد الموقوفين من عناصر «القاعدة» قد يصل الى الف شخص خلال خمس سنوات, مما يشكل ضغطاً في السجون المكتظة بعدد نزلائها, وخطراً امنياً في الوقت ذاته.
ويلفت التقرير الى ان المتطرفين يتوزعون على مجموعات, كما كان الوضع في ايرلندا الشمالية حيث قتل تسعة وعشرون حارساً خلال الاضطرابات, كما انهم يستخدمون اقامتهم في السجن للتأثير على المساجين الآخرين الاصغر سناً والاعداد للمزيد من الاعتداءات في الخارج. ويتكهن التقرير ان تطويع هؤلاء الفتية سيكون اكبر مشكلة تواجهها البلاد خلال السنوات الاربع أو الخمس المقبلة, خصوصاً على ضوء المحاكمات الجارية حالياً للعناصر المتطرفة والتي سوف تسفر عن ارسال المئات منهم الى السجون.
وفي الواقع ينظر القضاء البريطاني في اربعين قضية من هذا النوع. الى جانب ذلك ذكرت المصادر الامنية البريطانية ان هناك الفي شخص قيد المراقبة للاشتباه بضلوعهم في عمليات ارهابية ويقول التقرير ان نظام السجون سيخضع بأسره لتغييرات جذرية لاستيعاب العدد المتنامي من الاشخاص المدانين بعمليات ارهابية, ومعروف ان سجن بلمارش الذي يسجن فيه الارهابيون عادة يغصّ بالمساجين الخطرين.
وكانت وزارة الداخلية البريطانية قد امرت باجراء تحقيق في بلمارش بعدما ضبط طارق الدور وهو من عناصر «القاعدة» والمسجون بتهمة انشاء شبكة «أون لاين» جهادية, وهو يبني موقعاً الكترونياً في الزنزانة, يحث فيه على القيام بهجومات ارهابية, وقد حصلت اشتباكات بين حراس السجن ومجموعات مؤيدة للقاعدة في داخله عندما رفض تسليم جهاز الكمبيوتر النقال خاصته الى سلطات السجن.
وفي هذا السجن مضى رئيس شبكة عملية تفجير 21/3 في لندن مختار سعيد ابراهيم فترة من الوقت في اواخر التسعينيات, ويعتقد انه قد تحول ارهابيا خلال تلك الفترة. وكذلك كان من نزلائه ريتشارد ريد الذي حاول تفجير طائرة عبر الاطلسي بواسطة متفجرات اخفاها في حذائه, ويعتقد ايضاً انه تحول الى ارهابي خلال اقامته فيه.
ويقول نائب رئيس جمعية حراس السجون ستيف غوف ان اكثرية نزلاء السجن هم من الشبان الغاضبين, والناقمين على المجتمع, وهم مهيأون لأن يصبحوا ارهابيين سواء كانوا بريطانيين او افارقة او من منطقة الكاريبي.
في الواقع تبدي آن اويرز قلقها من ان اقلية من هؤلاء السجناء, هم بصورة عامة من الشبان يتعرضون لضغوط قوية من بقية المساجين ليصبحوا ارهابيين. وتلاحظ أن عدد المساجين الذين يعتنقون الاسلام في تزايد, وان عدد المسلمين في السجون قد تضاعف عشر مرات خلال العامين الماضيين, وان عدد الذين يؤدون الصلاة يوم الجمعة في سجن وندورث وحده يزيد عن عدد المساجين في كل السجون البريطانية. مع ذلك تبقى المهمات الرئيسية لآن اويرز تحقيق الاهداف الاربعة الآتية:
­ تأمين سلامة الموقوفين.
­ احترام كرامتهم الانسانية.
­ اصلاحهم.
­ تأهيلهم للاندماج في المجتمع.
الى اي مدى نجحت آن في تحقيق هذه الاهداف؟
بالرغم من النجاحات التي حققتها في مجالات عدة فانه لا يبدو الى الآن انها توصلت الى حل مشكلة اكتظاظ السجون خصوصا سجون الاحداث, والى خفض عدد محاولات الانتحار, او الحاق السجناء الاذى بأنفسهم او لجوئهم الى العنف. اكثر من ذلك تبين ان 4 من اصل 5 منهم يطلق سراحهم, لا يلبثون ان يعودوا الى السجن مجدداً بعد اقل من عامين.


حسان كورية
المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...