أدوار المرأة الفلسطينية فيما بين 1930و 1940

07-07-2007

أدوار المرأة الفلسطينية فيما بين 1930و 1940

من ضمن فعاليات معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، في الفترة من (12 – 4 الى 22-4-2007)، كانت الندوة التي قدمت فيها الدكتورة فيحاء عبدالهادي، الموضوع البحثي المهم، بعنوان: «المرأة الفلسطينية والذاكرة»، عن أدوار المرأة الفلسطينية في الثلاثينات والأربعينات ومساهمتها السياسية في تلك الفترة. وهو عمل وجهد قامت به ادارة المرأة في وزارة التخطيط والتعاون الدولي الفلسطينية التي تولت تدريب أكثر من 20 باحثة، وتزويدهن بالمعدات الضرورية لهذا العمل الميداني.

عرضت د. فيحاء لمنهجية البحث وآلياته الذي اعتمد على «المنظور النسوي للتاريخ الشفوي، بحثاً عن دور المرأة، وخصوصاً الريفية في الثلاثينات وسدّ جوانب النقص المعلوماتي عن تلك الفترة، والاستقصاء عن حقيقة وجود منظمتين نسائيتين سريتين وهما الإطار الذي يحمل اسم «رفيقات القسام»، والإطار المعروف بجمعية «زهرة الأقحوان» في الثلاثينات والأربعينات، وكذلك إلقاء الضوء على نضال المرأة ما قبل 1948، باعتبارها فترة مهملة في التاريخ المدوَّن. وتطرقت الى الصعوبات العملية التي واجهت اجراء البحث، وخصوصاً صعوبة استنطاق المرأة، ثم التغلب على هذه الصعوبات من خلال منهجية البحث القائمة على الإصغاء الواعي، واتباع مبدأ المشاركة والملاحظة والصبر، لزرع الثقة في نفوس الروايات. تعلمت الباحثات «الاستماع الى صوتي المرأة المتناقضين: صوتها الذي تدربت عليه طويلاً، وصوتها الخفي، الذي تعلمت على كبحه طويلاً، ومحاولة قراءة الصوت الخفي، وغربلة ما بين الصوتين». وقد استخدمت الباحثات مختلف الوسائل ومنها قراءة لغة الجسد، وملاحظة الانفعالات التي تصاحبها في الوقت نفسه الذي كان يتم فيه تسجيل الأحاديث.

وقد شمل البحث مقابلات مع (155) راوياً وراوية، ممن عاصروا تلك الفترة، معظمهم من النساء، وأعمارهم ما فوق (55) و 75) عاماً، في مختلف المناطق الفلسطينية ومناطق الشتات.

قدمت د. فيحاء للحضور جوانب مهمة مما جاء في أقوال الروايات، اللواتي تحدثن بصدق وشفافية، والتي دلت على وجود مساهمة فعلية قامت بها المرأة في مساعدة الثوار وخصوصاً المرأة الريفية، والتي أكدت على وجود نساء عملن مع الشيخ «عز الدين القسام» في سرية مطلقة ضمن منظمة «رفيقات القسام» التي ذكرها التاريخ الفلسطيني المدوَن، وكيفية التثبت منها. وكشف التاريخ الشفوي عن مساهمة المرأة ضمن هذا الإطار في العمل على إخفاء السلاح، وتوصيله مع التموين الغذائي لرجال المقاومة في الجبال على الدابة، وكذلك نقل الرسائل السرية من وإلى المقاومين، والقيام بمهمات الاستطلاع، واعطاء الإشارة للقيام بالعمليات العسكرية، واخفاء رجال المقاومة عن الانكليز وتسهيل تهريبهم، وابتكار مختلف الوسائل في هذه الأعمال. وقد ذكرت الراويات وبعض الرواة الشهود على تلك الفترة أسماء بعض هؤلاء منهن: «أم علي من الفالوجة، وفاطمة غزال (أول شهيدة) في تلك الفترة، ورقية الحوري، وخزنة الخطيب، ونايفة الزبن، وسعاد من قضاء عكا، وواحدة من صفد، وغريبة الشيخة، والحاجة عائشة أبو غيدا الشوكانية» (ص 27 – ج1).

وعرضت الدكتورة فيحاء ما قامت به الباحثات بهدف التقصي ومعرفة الحقيقة عن وجود المنظمة السرية الأخرى «زهرة الأقحوان»، التي ذكرها التاريخ المدوَن، لمعرفة ماهية هذه المنظمة السرية وحقيقة وجودها، والذي أكدته المقابلات الشفوية. وتبين أن مؤسستها هي «مهيبة خورشيد» التي تحدثت عنها د. فيحاء في محاضرتها بإسهاب نظراً لما أثبتته المقابلات من مساهمتها الثمينة في التاريخ الفلسطيني، في تأسيسها لهذه المنظمة السرية، الى جانب ما تتمتع به شخصيتها من زخم، كونها أيضاً فنانة لها أعمال في الرسم والنحت، حيث عرضت د. فيحاء بعضاً منه، بالإضافة الى اجادتها العزف على الكمان لأشهر الموسيقيين العالميين، وهي التي صممت شعار جمعية «زهرة الأقحوان» السرية، التي سجل البحث ما قالته عنها إنها كانت «جمعية نسائية اجتماعية الطابع، تهتم بالوحدة بين الأديان، وتساعد الطلبة الفقراء في شكل غير مباشر». ثم تحدثت عن «تحولها للعمل العسكري بعد حادثة مقتل طفل فلسطيني بريء أمام عينيها» (ص 44، ج2). (تحدثت الراوية بالتفصيل عن ظروف حادثة مقتل الطفل أمام عينيها، الصفحات (60 – 61). وعن التسمية قالت راوية أخرى: «للدلالة على الحياة والجمال والديمومة، لعلاقتها بكتاب قرأته مؤسسة الجمعية، يشير الى الزهرة القرمزية في الثورة الفرنسية، إضافة الى ارتباطه بزهرة الأقحوان الموجودة بكثرة في فلسطين». وعن شعار الجمعية قالت: «إن الشعار كان قد نُفذ في الهند، بتعليمات من «غاندي»، وهو من تصميم المؤسسة «مهيبة خورشيد» (ص 45، ج 2). وعن نشاطات هذه المنظمة أظهرت أقوال الراويات أنها «كانت تجمع التبرعات وتشتري السلاح وتعمل على ارساله للثوار في أماكنهم (ص 45، ج 2). وذكرت راويات عاصرنها أنها «كانت تتعرف على احتياجات رجال المقاومة» و «تقوم بالتدريب على السلاح» (ص 47، ج 2)، وكذلك «توعية النساء والتمريض والنشاط العسكري» ( ص 57، د 2). وتبين أن لهذه المنظمة صلة بالمناضل «عبدالقادر الحسيني».

وقد عثرت الباحثات خلال هذا العمل على ورقة خطية تحمل القسم الذي أقسمته عضوات جمعية «زهرة الأقحوان» السرية هذه، وهو «أشهد بشرفي وديني وملتي على موالاة مبدئي وبذل الغالي والنفيس في سبيل الخير والمساعدة لكل محتاج وضعيف، أشهدت رب العالمين على ما ذكرت»، الموقعات من عضوات الجمعية: «صبحية عوض، خديجة كيلاني، مديحة البطة، نجمة عكاشة، ميسر ضاهر، سنية إراني، فايزة شلوان، مبرة خالد. اليوم الخميس الواقع في 20 شباط من عام 1947 الموافق 24 محرم» (ص 48 – ج 2). وقد لاحظ البحث أن هناك الكثير ممن أثبت البحث عضويتهن في هذه الجمعية أنكرن ذلك، وقد فسَر ذلك «برغبتهن في الحفاظ على القسم الذي قطعنه على أنفسهن والمحافظة على تنظيمهن السري، طيلة حياتهن». (ص 49 – ج2). وأظهر البحث انضمام بعض الرجال لجمعية «زهرة الأقحوان»، الذين لم يعلموا في البداية عن رئاسة امرأة لها.

وقد أظهر البحث المساهمة السياسية المنظمة للمرأة الفلسطينية، من خلال تأسيس الجمعيات والاتحادات، والقيام بالمظاهرات، والتي تخللتها الاصطدامات المباشرة مع الشرطة البريطانية، وكذلك جمع التبرعات للمقاومة، والانفاق على أسر الشهداء وإحصاء عائلاتهم، والقيام بتنظيم دورات التدريب على التمريض والاسعاف، وحمل السلاح، وارسال المتدربات لجبهات القتال، وتوزيع المهمات على الأعضاء، والاشتراك في المؤتمرات التي كانت تعقد سواء في فلسطين أم في القاهرة أم في بيروت.

وكشف البحث ما أحدثه قرار التقسيم على نشاط المرأة الفلسطينية، وكذلك تأثير بيان «أرنست بيفن» الذي أعلن فيه فتح أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية، سلباً وايجاباً، وتحدّيها له، والتصدي لمحاولات بيع الأراضي لليهود.

وأظهرت المقابلات الشفوية عن وجود مساهمات سياسية من خلال كتابة المقالات، كالراوية «وداد الأيوبي» التي كانت تكتب في البداية باسم مستعار «بنت الحرام»، ثم باسمها الحقيقي في صحيفة «الجهاد» التي خصصت لها زاوية أسبوعية بعنوان «أحاديث الاثنين»، وصحيفة «الشعب» وصحيفة «القدس» التي كانت تنشر لها مقالاً يومياً في زاوية «حديث الشعب»، الى مساهماتها في التأليف المسرحي المدرسي. وكذلك مقالات لمهيبة خورشيد، وكانت تنشر في صحيفتي «الدفاع» و «فلسطين». وقد تبين أن الكثير من النساء اللواتي كن يعملن بالتدريس، كن يؤلفن المسرحيات المدرسية التي تحض على المقاومة، والحفاظ على الأرض، وأن الكثير من النساء المتعلمات كانت لهن مساهمات في التحريض السياسي بإلقاء الخطب الحماسية والتي تتخللها أبيات شعرية تحض على المقاومة، من أمثال عصام عبدالهادي، وسميرة أبو غزالة، وكتابات سميرة عزام وغيرهن، حيث أكدت المقابلات الشفوية وجود أعداد كبيرة من النساء اللواتي ساهمن بمختلف أشكال النضال السياسي، ولكن الذاكرة احتفظت بأسماء البارزات منهن في تلك الفترة.

وقد رافق هذا النضال للشعب الفلسطيني ككل، تغيرات في القيم والعادات الاجتماعية، والنظرة للمرأة التي أكسبتها المساهمة السياسية والممارسة الفعلية جرأة ومكانة وفرض احترامها، فعلى الرغم من التزمت الاجتماعي، فرضت ظروف النضال، السماح لها بالخروج من البيت من دون أن تضطر لتفسير مغزى ذلك الخروج، والتخلي عن غطاء الوجه، وما لبثت أن تخلت المرأة الفلسطينية عن الحجاب كلياً في الأربعينات.

من خلال البحث يلاحظ استغراب تلك الأجيال السابقة، من عمليات فصل المرأة عن السياق العام، وهو ما دلت عليه المقابلات الشفوية، منها على سبيل المثال: «على طول أنت عم بتسألوا بتركزوا على المرأة لوحدها بس، المرأة كانت تشارك مع الرجال دائماً» ( ص 267 – ج2). أيضاً: «لا أعتقد أنه في سنة (53) كان هناك صحافة نسائية بكل معنى الكلمة، كانت هناك أقلام نسائية تكتب في الصحف والمجلات» (ص 275 – ج2). إنها النظرة الدونية للمرأة التي تعمل على عزلها والتي أخذت تزداد مع التراجع الثقافي العام، وفي اعتقادي أن قلة عدد الحضور لهذه الندوة المهمة يدخل ضمن هذا السياق كونها تحت عنوان «المرأة الفلسطينية والذاكرة».

إن كل من يقرأ تاريخ فلسطين الشفوي في هذا البحث المهم، سيلحظ القيم الإيجابية التي كانت يتحلى بها المجتمع الفلسطيني، المتمثلة بالتسامح بين الأديان، واحترام الآخر، وكذلك الفهم والإدراك للفرق بين اليهودية كأحد الأديان التي وجدت على أرض فلسطين، وبين الصهيونية كحركة سياسية عنصرية، ومدى الانضباط والجدية والحفاظ على السرية في النضال الوطني، وحيث لم يكن للتعصب والتطرف الديني مكان في ذلك الزمن من تاريخ الشعب الفلسطيني.

وقد وقعت الدكتورة فيحاء كتابها الذي يضم هذا البحث الميداني، وهو عبارة عن جزئين، الأول بعنوان «أدوار المرأة الفلسطينية في الثلاثينات، المساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية» والثاني بعنوان «أدوار المرأة الفلسطينية في الأربعينات، المساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية»، وهما باكورة أعمال المركز في مجال البحوث والوثائق حول المرأة الفلسطينية.

رئيفة شبلاق

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...