نبكي حين يشيخ المقهى

17-05-2007

نبكي حين يشيخ المقهى

عادة ما تكون أسمهان،. صوتها يلعلع في المقهى وكركرة المياه في «الشيشة» أو «الجوزة» يشوش على تدفقه الماسي. «امتى حتعرف امتى.. اني بحبك انت»، ويتمايل المعلم، في العمق، كأنه سلطان. فوقه صورة لرجل وقور. غالباً، مؤسس المقهى، في عز شبابه قبل أن يشيخ أو يفارق الحياة. صورته الأيقونية تغلف الجو الشعبي بهالة من الجدية. هذا مقهى يحترم الأسلاف. «زينهم السماحي» شخصية اسامة أنور عكاشة في «ليالي الحلمية»، لعب مقهاه دوراً رئيساً في الأحداث، وحين شاخ و «خرّف» أبكى المشاهدين. نحن نبكي حين يشيخ المقهى وقادته.. هذه إحدى صور المقهى الدرامي. مقهى الشاشة الذي يكثف حياة المقهى الواقعي في دقائق سينمائية أو تلفزيونية.

يحشد المخرج كل شيء في الكادر. تبدو الصورة غنية. كأنها صور عدّة لمقاهٍ عدّة في آن: النادل الطريف الذي يلقي النكات ليرطب قسوة قصة تُحبَك على كراسي المقهى، بائعة الجرائد أو أوراق الحظ المتغاوية، المجذوب فاقد الادراك الذي يسرح خارج المدخل ويلقي رسائله التي يعتبر منها الابطال، الأطفال المتسولون، وبالطبع الأدوات والاكسسوارات مثل الشيشة وطاولة النرد وأوراق اللعب والفناجين... وحين يحتدم النقاش، وتستعر الأحقاد، قد يتطاير الخشب ويتناثر الزجاج وتسيل المشاريب على الأرض. هذه أرضية فتوات، وديكور المقهى الأكثر ملائمة لمؤثرات صوتية وصورية تظهر شدة هؤلاء الفتوات. لكن هل يبالغ المخرج؟ هل، في تكثيفه مكونات المشهد، يشرك شيئاً من خياله متجاوزاً الواقع؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تقتضي خبرة ميدانية بمقاهي القاهرة. حواريها والنواصي والساحات تشغلها المقاهي بالمئات. التكثيف الإبداعي ليس شطحة خيال أو تفنن مخرج. بوسع زائر شارع طلعت حرب، أن يمشي الى عطفة ضيقة، خلف مقهى «غروبّي»، ليواجه مقهى «الأفتر إيت» عند مدخل «الديسكو» الذي يحمل الاسم ذاته . بضعة امتار مربعة، يحتشد فيها كم هائل من الحكايات والطرفات والشخصيات ذات السمات الدرامية الجاهزة للالتقاط من قبل خيال أي مبدع. الشباب يتصرفون مع المكان كأنه المحطة الرئيسة التي ينطلقون منها الى حانات او مطاعم او شركات وسط البلد. «هنا نتجمع، نطمئن الى كوننا ما زلنا في خير. نعرف من منا تم اعتقاله ومن هاجر ومن اكتُئِب ومن حصل على سبوبة (رزق من شغل عابر) ومن أحب من ومن هجر من...». مقهى «الأفتر إيت» وحكاياته قد تستعصي على مخرج يستسهل نقل مقهى مثل الحرافيش، على سبيل المثال، إلى الشاشة. هذا موضب ورصين ومفاتيحه معروفة، وذاك صاخب ومتغير ومعترك مجنون يحتاج إلى جهوزية وخبرة خاصتين لنقله الى الشاشة. لكن، في الحالتين، يبقى المقهى صورة رئيسة في الأفلام والسينما. مشهد يحتمل أكثر بكثير من صورة انتقالية يرتاح فيها المخرج بين... مشهدين!.

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...