إميل سيوران: رسالة في التحلّل

27-06-2020

إميل سيوران: رسالة في التحلّل

يصدر قريباً عن منشورات الجمل، كتاب رسالة في التحلّل للكاتب الروماني إميل سيوران، ترجمة آدم فتحي، وهذا مقطع منه:

«سألتحق باليأس الأسود ضدّ روحي،

وأصبح لنفسي عدوًّا.»

ريتشارد الثالث

جينيالوجيا التعصُّب[1]

ليس مِنْ فِكْرَةٍ إلاّ وهي مُحايِدةٌ أصْلاً أو ينبغي لها أن تكون. إلاّ أنّ الإنسان ينفخ فيها الروح ويبثُّها نزواته ولوثاته، فإذا هي، وقد تدنّست وتحوّلت إلى عقيدة، تتغلغلُ في الزمن وتتّخذ هيئة الحدَث: يكتمل العبور من المنطق إلى الصَّرَع. هكذا تُولَدُ الإيديولوجيّات والمذاهب والمهازل الدمويّة.

 

عُبّاد أوثانٍ بالغريزة نحن، نُحَوِّلُ كُلّ ما نحلم به أو نرى فيه مصلحةً لنا إلى مُطلَق. ليس التاريخ سوى مَوْكِبِ مُطلقاتٍ زائفة. سلسلةِ معابد منصوبةٍ من أجل ذرائع. امتهانٍ للفكر أمام ما هو بعيد الاحتمال.

يظلّ الإنسانُ عَبْدًا للدين حتى حين يبتعد عنه. يُنهِكُ نفسَهُ في نَحْتِ صُوَرٍ زائفة عن الآلهة ويتبنّاها بعد ذلك بحماسة. حاجتُه إلى الوهم والميثولوجيا تنتصر على البداهة والسخف. قُدْرَتُه على العبادة مسؤولةٌ عن كلّ جرائمه: كُلُّ من يُحِبُّ إلَهًا حُبًّا أعمى يُرغم الآخرين على حبِّه في انتظار أن يُبيدهم إذا رفَضُوا. ليس من تعصُّبٍ أو تبشير أو تعنُّتٍ إيديولوجيّ إلاّ وهو ينمُّ عن قاعٍ بهيميٍّ للحماسة. ما إن يفقد الإنسان قُدْرَتَهُ على اللّامُبالاة حتى يصبح قاتلاً افتراضيًّا. ما إن يحوّل فكرته إلى إله حتى تَفُوقَ التبعاتُ الحصر.

لا نَقْتُلُ إلاّ باسمِ إلهٍ أو باسم نُسَخِه المُزوَّرة. وما الإفراطاتُ التي يتسبّب فيها الإلهُ العقلُ أو فكرةُ الأمّةِ أو الطبقةِ أو العِرْقِ إلاّ فروعٌ من تجاوزات محاكم التفتيش أو الإصلاح الدينيّ.

تُبدِعُ مراحلُ الحماسة في إتيانِ المآثر الدمويّة: لم يكن للقدّيسة تيريزا[2] بُدٌّ من أن تعاصر المحارق ولم يكن للوثر بُدٌّ من أن يعايش مذبحة الفلاّحين.[3] خلالَ النوبات الصوفيّة تكون آهاتُ الضحايا موازيةً لآهات النشوة.

لا تزدهر المشانق والزنزانات والسجون إلاّ في ظلّ عقيدة. في ظلّ تلك الحاجة إلى الإيمان التي لوَّثَت العقل إلى الأبد.

كم يبدو الشيطان باهِتًا بالقياس إلى الشخص الذي يمتلك الحقيقة، حقيقَته.

نحن نظلم أمثال نيرون وتيبريوس[4] فهُمْ لم يخترعوا البتّة مفهومَ الهرطوقيّ: إنّهم لم يكونوا سوى حالِمِينَ مُنْحَطِّينَ يتسلّون بالمجازر. المجرمون الحقيقيّون هم أولئك الذين ينشئون أورتودكسيّات على الصعيد الدينيّ أو السياسيّ، ويميّزون بين المؤمن والمنشقّ.

 

تُراقُ الدماء ما إن نرفض الإقرار بأنّ من طبيعة الأفكار أن يَحُلَّ بعضُها مَحَلَّ بعض. تحت كلّ قرارٍ حازمٍ يُشْهَرُ خنجر. العيونُ الملتهبة تُنذِر بالقتل. لم يَحْدُث قَطُّ للعقل المتردّد المُصاب بالهمليتيّة[5] أن يكون خبيثًا: يَكْمُنُ مبدأ الشرّ في ضغط الإرادة، في عدم القدرة على الهدوئيّة[6]، في جنون العظمة البروميثيوسيّ الذي يصيب عِرْقًا يَموتُ طلبًا لمَثَلٍ أَعْلَى، وينفجر تحت وطأة قناعاته. ولأنّه يستطيب العبَثَ بالشكّ والكسل وهُمَا رذيلتان أنْبَلُ من كُلِّ فضائلِه، فإنّه يختارُ السيرَ في طريق الهلاك، في التاريخ، في هذا الخليط البذيء من التفاهة والقيامة... حيث تتكاثرُ الأفكارُ اليقينيّة: تخلّصوا منها، تخلّصوا من نتائجها خاصّةً، تُعِيدُوا بِناءَ الفردوس.

هل السقوطُ إلاّ الركض خلفَ حقيقةٍ والجَزْمُ بالعثور عليها؟ هل السقوطُ إلاّ الشّغَفُ بعقيدةٍ والإقامةُ فيها؟ عَنْ ذلكَ ينْتجُ التعصُّبُ، تلك العاهةُ الرئيسيّةُ التي تجعلُ الإنسانَ ميّالاً إلى النجاعة والنّبوءة والرعب، ذاك الجذامُ الغنائيُّ الذي يُلوِّثُ الأرواحَ ويخضِعُها ويسحقها أو ينشّطها، فلا ينجو منه إلاّ الشكّاكون (أو الكسالَى والفنّانُون)، لأنّهم لا يقترحون شيئًا، لأنّهم كمحسنين حقيقيّن للإنسانيّة، يدمّرون ما فيها من تَحَيُّزٍ ويُفسِدونَ ما لديها من هذيان.

أشعر بالأمان قُرْبَ بِيرُّو[7] أكثر ممّا أشعر به قُرْب القدّيس بولس.[8]والسببُ أنّ حِكمةً ممزوجةً بالدعابة ألْطَفُ من قداسةٍ لا كابِحَ لجماحِها. داخِلَ كلّ رُوحٍ مُضطرمة نعثر على الحيوان المفترس متنكّرًا. ولن نُبالِغَ في الاحتماء من مخالبِ نَبِيّ مهما فعَلْنَا. لذلك عليكم متى رفع صوتَه، وليكن باسم السماء أو المدينة أو أيّ تعلّة أخرى، أن تبتعدوا عنه: إنّه غولُ عُزْلتكم الذي لا يغفر لكم أن تعيشوا أدنَى من حقائقِهِ وغضَباتِه. هيستيرياهُ هي كلّ ما يملك، وهو يريد أن يقاسمكم إيّاها، أن يفرضها عليكم فيمسخكم. الشخصُ المسكون بعقيدةٍ والذي لا يسعى إلى تعميمها على الآخرين ظاهرةٌ غريبة عن هذه الأرض، حيث الهوسُ بالخلاص يجعل الحياةَ لا تُطاق.

تأمّلُوا فيما حولَكم: في كُلِّ مكانٍ يَرَقاتٌ تعظ، مؤسّسةٌ تتمخّضُ عن مهمّةٍ تبشيريّة، بلديّاتٌ لها مُطْلَقُها الخاصُّ شأنها في ذلك شأن المعابد، شأن الإدارة بقوانينها. ميتافيزِيقَا في مُتناوَلِ القِرَدة. الكُلُّ يسعى جاهِدًا لمُعالجةِ حياةِ الكُلّ، حتّى الشحّاذون والمرضى المزمنون. أرصفةُ العالم ومستشفياتُه تَفِيضُ بالمُصلِحين. رغبةُ الواحِدِ في أن يُصبح مصدرًا للأحداث تُصيبُه بما يُشبه الاختلالَ العقليّ أو اللعنةَ المرغوبَ فيها. هوذا المجتمع: جحيمٌ من المُخَلِّصين كان ديوجين يبحث فيها بفانوسه عن إنسان غير مُكترث...

يكفيني أن أسمع أحدهم يتحدّث بصدق عن المَثَل الأعلى والمستقبل والفلسفة، يكفيني أن أسمعه يقول «نحن» بنبرة الواثق ويَذْكُرُ «الآخرين» باعتباره الناطقَ باسمهم، كي أعتبِرَهُ عدُوّي. إنّه في نظري طاغيةٌ لم يتحقّق وجلاَّدٌ لم يكتمل، يستحقّ الكراهيةَ بقدر ما يستحقُّها الطغاةُ والجلاَّدُون من الدرجة الأولى. وذلك لأنّ من طبيعةِ كُلِّ إيمانٍ أن يمارس شكلاً من الرعب، يزداد إرعابًا بقدر ما يتولّى أمرَهُ «الأنقياء». نحترزُ من الماكرين والأوغاد والمحتالين على الرغم من أنّنا لا نستطيع أن ننسب إليهم أيًّا من الهزّات التاريخيّة الكبرى. إنّهم لا يؤمنون بشيء ومن ثمّ فإنّهم لا يُفتّشون في قلوبكم ونواياكم، بل يتركونكم لِلاَمُبالاتِكم ويأسكم أو لاَجَدْواكُم. إنّ البشريّة مدينةٌ لهم بفترات الازدهار القليلة التي عرفتها. هؤلاء هم الذين يُنقِذُون الشعوب التي يعذّبها المتعصّبون ويخرّبها «المثاليّون». خلَوْا من العقيدة فإذا هم لا يملكون سوى نزواتٍ ومصالح، رذائل سهلة المراس يمكن تحمُّلُها ألفَ مرّة أكثر من الخراب الذي يُحْدِثُه الاستبدادُ باسم المبادئ، لأنّ أمراضَ الحياة كلّها ناجمةٌ عن «تصوُّرٍ للحياة».

يَحْسُنُ برجل السياسة الكامل أن يعمّق معرفته بالسفسطائيّين القُدامَى وأن يتلقّى دُروسًا في الغناء، وفي الفساد...

أمّا المتعصّبُ فإنّه غير قابل للإفساد: إذَا كان في وسعه أن يَقتُلَ من أجل فكرة فإنّ في وسعهِ أيضًا أن يُعرِّض نفسَهُ للقتْلِ من أجلها. إنّه غُولٌ في الحالتين طاغيةً كانَ أم شهيدًا.

ليس أخطر من أولئك الذين عانوا من أجل عقيدة: لذلك يتمّ تجنيدُ أكبَر المُضْطَهِدين من بين الشهداء الذين لم تُقطَع رؤوسهم.

لا تُخفِّفُ المُعاناةُ من شهيّةِ القوّة بقدر ما تحفّزُها. من ثَمَّ يرتاحُ العقلُ في رفْقة مغرورٍ أكثر ممّا يرتاح في رفقة شهيد. ولا يُقرِفُه شيءٌ كما يُقرِفُه مشهدُ الموتِ من أجل فكرة. إنّه يَضِيقُ ذرعًا بالرائع والدمويّ، فيحلم بسأمٍ ريفِيٍّ في حجم الكون، بتاريخٍ يَبْلُغُ من الرّكود حَدَّ أن يرتسم فيه الشكُّ كحَدَثٍ والأملُ كمصيبة...

النبيُّ المُضادّ
داخِلَ كلّ إنسانٍ يغفُو نبيٌّ متى استيقظَ انضافَ شيءٌ من االشرّ إلى العالم... تَرَسَّخَ جُنونُ التبشيرِ فينا حتّى بات ينبثق من أعماقٍ تَجْهَلُها غريزةُ البقاء.

 

كُلٌّ ينتظر لحظتَهُ لاقتراح شيءٍ، أيِّ شيء. لِكُلٍّ صوتٌ وهذا يكفي كي ندفع غاليًا ثمنَ كونِنا لسنا صُمًّا ولاَ بُكْمًا...

 

كُلٌّ يُنفِقُ سخاءَه الإجراميّ بدايةً من المُعدمِ وُصولاً إلى المُتكبّر. كلٌّ يُوزِّعُ وصفاتِ السعادة. كلٌّ يريد التحكّم في خُطَى الكلّ. فإذَا الحياةُ المشتركةُ لا تُحْتَملُ وإذا الحياةُ مع الذات أقلّ قابليّةً للاحتمال: يزدادُ انشغالُنا بشؤوننا حين لا نتدخّل في شؤون الاخرين فنُحوِّلُ «الأنا» إلى دين، أو نُنْكِرُها كما يفعلُ حَوارِيٌّ متراجع: نحن ضحايا اللعبة الكونيّة...

 

ليس لِوَفْرَةِ الحُلول المُقتَرَحة على مسائل الكينونة ما يُضاهِيها سوى عُقْمِها. التاريخ: مَصْنَعٌ يدويّ للمُثُل العليا، ميثولوجيا متقلِّبةُ المزاج، هيَجانُ الحشود والأفراد، إحجامٌ عن تصَوُّرِ الواقع كما هو، ظَمأ قاتلٌ إلى الأوهام...

 

يكمنُ مصدرُ أفعالنا في نُزوعٍ لاَ واعٍ إلى اعتبار أنفسنا محْوَرَ الزمن وسببَه ونتيجتَه. كبرياؤُنا ورُدودُ أفعالنا تُحوِّلُ قطعةَ اللحم والوعي التي هي نحنُ إلى كوكب. لو أحْسَنّا تقديرَ موقعنا في العالم، لو تعذّر الفصلُ بين أن نقارن وأن نعيش، لسحَقَنا اكتشافُ ضآلةِ حُضورِنا. لكنْ أن نحيا يعني أن نعمَى عن أبعادنا الخاصّة.

 

وإذا صَحَّ أنّ أفعالَنا كُلَّها بدايةً من التنفّس وُصولاً إلى تأسيس الإمبراطوريّات أو إنشاء الأنظمة الميتافيزيقيّة، متفرّعةٌ عن وهْمٍ حول أهميّتنا، فإنّ ذلك يصحّ أكثر في شأن غريزتنا النبويّة.

 

مَنْ ذَا الذي تراه يحاول وهو على بيّنةٍ تَامّةٍ من تفاهته الخاصّة، أن يكون فعّالاً وأن ينتصب كمُخَلِّص؟

 

حنينٌ إلى عالمٍ بلا «مثَلٍ أعلى»، إلى احتضارٍ بلا عقيدة، إلى أبديّة بلا حياة، ذاك هو الفردوس. لكنّنا لن نستطيع أن نُوجَدَ لثانيةٍ واحدة دون أن نخدع أنفُسنا: النبيُّ الذي في كلٍّ منّا هو حقًّا بذرةُ الجنون التي تتيح لنا الازدهار في فراغنا.

 

يَجدُرُ بالإنسان الواعي بشكل مثاليٍّ ومن ثمّ العاديّ بشكلٍ مثاليّ، ألاّ يكون له أيُّ ملاذٍ خارِجَ اللاشيء الذي يكمن فيه.

 

أتخيّل أنّي أسمعه يقول: «صُرِفتُ عن الغايةِ وعن كلّ غايةٍ فلم أعد أحتفظ من رغباتي وخيباتي إلاّ بمنطوقِها. صمدتُ في وجه غوايةِ الإتمام فهَزَمْتُ الفِكر، كما هَزَمْتُ الحياة عن طريق الاشمئزاز من البحث فيها عن حَلّ.

 

مشهدُ الإنسان: باعِثٌ على القيء. الحبُّ: لِقاءُ لُعابَيْن. المشاعرُ كلّها تستمدّ مُطْلَقَهَا من بؤس الغُدَد. (في السابق كانت لي «ذات». الآن لم أعد سوى موضوع. أُتْخِمُ نفسي بعقاقير العزلة. عقاقيرُ العالَمِ كانت أضعفَ من أن تَجْعلَنِي أنساه. لقد قتلتُ النبيَّ فِيَّ فكيف يَظَلُّ لي مكانٌ بين البشر؟)

[1] كلّ الهوامش المثبتة في هذا الكتاب من اقتراح المترجم.

 

[2] القديسة تيريزا الأفيليّة Thérèse d'Ávila (1515-1582): الراهبة الكرمليّة الإسبانيّة. ضايقتها محاكم التفتيش بسبب مواقفها وخاصّة بسبب «كتاب الحياة»، لكنّ عملها الأشهر يظلّ «القصر الباطنيّ».

[3] مارتن لوثر Martin Luther (1483-1546): اللاهوتيّ الألمانيّ رائد عصر الإصلاح الدينيّ في أوروبّا. ثار الفلاّحون في ألمانيا بتأثير من عِظاته واغتنم بعضهم الفرصة لسرقة البيوت وقتل رجال الدين، فغضب لوثر وكتب داعيًا إلى معاملة المتمرّدين كما تُعامَلُ «الكلاب المسعورة»، وهو ما تمّ في معركة فرانكن هوسن سنة 1525.

[4] تيبيريوس Tibère ou Tiberius (42 ق م – 37 ب م): الإمبراطور الرومانيّ الثاني (سيكون نيرون الإمبراطور الخامس والأخير).

[5] نسبةً إلى هاملت: بطل مسرحيّة شكسبير. رمز التردّد والرغبات المتناقضة والتمزّق بين العزم والإحجام تحت وطأة تأنيب الضمير.

[6] الهدوئيّة Quiétisme: حركة روحانيّة تُنسب أساسًا إلى الراهب الإسبانيّ ميغال دو مولينوس (1628-1696)، وتهدف إلى نوع من السكينة السالبة.

[7] بيرّو أو بيرون Pyrrhon (حوالي 365-275 ق م): الفيلسوف اليوناني الشكّاك مؤسّس المدرسة الريبيّة التي تحمل اسمه.

[8] بولس الطرسوسي Saint Paul (بدايات القرن الأوّل للميلاد - حوالي 68 م): من مواليد طرسوس. أحد بناة المسيحيّة الأساسيّين بما تركه من رسائل وما أقامه من كنائس.

 

 

آفاق فلسفية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...