القابض على الماء بيد واحدة

22-04-2020

القابض على الماء بيد واحدة

الجمل ـ قصة: يارا انبيعة

لم يعد يشعر حتى بآلام يده، الآلام و التخدر وصل إلى حدود عليا فهو لم يعد كما السابق عند أطراف أصابعه، امتدّ حتى جاوز المرفق، لم يستطع أن يصمت عن مخاوفه من خسارة يده، فقال لزوجته ريما: لا اعرف لماذا تراودني الشكوك أنّ هذا الطبيب قد أخطأ! الجميع ذكر لي أن عمليّتي بسيطة و قد تكون هذه الجراحة سهلة بيد طبيب مختص.اهدأ يا محمود، أجابته ريما، لا تنسَ أنّ الطبيب أكد بساطة موقفك، لمَ لا نثق به؟. أعتقد أنّك ستكون أفضل مع مرور الوقت.

و مع مرور الوقت..لم يكن أفضل! لم تصدق نبوءات ريما التي طالما اعتمدها محمود لنفسه مرجعاً لشفائه النفسي الذي ينسيه أي ألم ينتابه و أي مشكلة تعترضه في قريتهما الغريبة هذه الخارجة عن قانون الطبيعة، لم يكن أفضل فقد اضطر لبتر يده، يده التي تحكّم بها التعفّن بعد مراعاة غير صائبة من الطبيب الذي لم ينكفئ في شرح و استفاضة الكلام حول معجزاته الطبية و اجتراحاته العلمية، اما الجميع يطربه في ذلك تصفيقهم الحاد و دويهم الكبير، بالطبع فهذا التصفيق و الدويّ طالما كان مشكلة البشرية عبر كل العصور. إنه يخفض صوت الحقيقة بشكل لا يكاد يسمع بين الضجيج و هيستيريا الطبول الفارغة.

تناهى إلى أذن محمود ما يوحي بأن الطبيب هذا لص! سرق شهادته الطبية من جامعات شرق أوروبا التي قد تمنحها لغزال ثري و تمنعها عن متعلم فقير بكل بساطة، أراد أن يلاحق الأمر، حسناً! يده تستحق ذلك بالطبع، فكر قليلاً، ثم فكّر قليلاً أخرى، و تبسّم، محمود المجنون سيخرج إلى هذا العالم ليقاضي الطبيب، هه سيخرج إلى بلدته التي تنوح فيها فتاة تدّعي أنها تقول الشعر و تلاقي تصفيقاً، سيخرج إلى البلدة التي عُيّن فيها قاضي القضاة رجلٌ كان يسرق من والده و هو بذلك شهير، إلى قريةٍ يستلم مذياعها من لا يحسن القراءة و الكتابة أصلاً، بل يظنّ أنّه يحسن ذلك فوق خيبته! سيبكي مظلوميته أمام أستاذ المدرسة، المتحرش الذي تغويه الشاعرة البائسة ذاتها، يجب أن يشهّر بهذا الطبيب! لا يجب أن تمرّ فعلته هكذا! تقاطعه ريما قائلة: " و المختار يا محمود ؟ما بتعرف انه عمّه ؟ زوج أمّه ؟ "

ثمّ ما كل هذا التشاؤم يا محمود؟ الناس تريد أن تعيش! بيدين او بدون يدين، بآذان أو بدون، بذائقة أو بلا ذائقة، بعلم أو بدونه، بشهادات او بغباوة، بتكافؤ أو سرقة، هذه التفاصيل لا تعتبر مهمة للمجتمعات التي تريد أن تنجو، ليس همّها كتب التاريخ و ما ستسجّله يا محمود! هل تريد لابنك أن يعيش او ان يقضي حياته يكتب التاريخ لحفيدك؟ ثمّ إننّا نستطيع أن ندخل التاريخ بوسائل أخرى! على العموم أرجوك يا محمود أريد إنهاء النقاش ، أخرج و احضر بعض الماء للبيت، يقوم الرجل وقفة واحدة دون اتكاء و يهم أن يفتح الباب للخروج، تناديه: تخرج بلا دلو؟ و بيد واحدة و ستجلب الماء؟ فأجابها: سأقبض على الماء بيد واحدة فأنا من قرية يستطيع أي أحد فيها أن يقوم بأي شيء، أنا من قرية خاضت أعتى المعارك وحققت كثيرا من الإنتصارات،  لكنها نسيت شيئاً صغيرا جداً و مهما جدا.. نسيت ان تجلب اللوحة الكبيرة على باب مشفى الامراض العقلية لتضعها في المطار.. و خرج.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...