ذكرى العلي: من مخابر الفيزياء إلى الرسم في الكنائس

02-11-2019

ذكرى العلي: من مخابر الفيزياء إلى الرسم في الكنائس

حين غادرت ذكرى العلي مسقط رأسها، دير الزور، عام 2012، لم تكن تبدّل منزلاً أو مدينة فحسب. لقد كانت تغيّر، وهي تصل إلى العاصمة، شكل حياتها وخط سير مستقبلها بالكامل، بعد أن منعتها الحرب من استئناف دراستها الجامعية وتحصيل شهادة الفيزياء. لتغدو اليوم أصغر الحرفيين الذين يرسمون الأيقونة البيزنطية في سوريا.


لم تكن ذكرى تعرف الكثير عن الحرفة الفنية التراثية التي تمارسها اليوم بحبّ كبير. تعرفت إلى بعض دلالاتها، ورمزيتها التاريخية والدينية، ضمن ورشة تعليمية لإحدى المنظمات التي تُعنى بالتراث في «خان الزجاج القديم» في حي باب شرقي، قبل عامين. من هناك بدأت رحلة الصبية مع فنّ الأيقونة البيزنطية. وهو فن كنسيّ روحاني، انتشر في القرن الثاني للميلاد، منطلقاً من فكرة تجسيد الصورة المقدسة للسيد المسيح، ووالدته مريم العذراء، وللقديسين والقديسات. في بعض الأحيان، تكون الأيقونة نصاً كاملاً مصوّراً بالخطوط والألوان.

مع اشتعال الحرب فيها، نزحت ذكرى (30 عاماً)، عن دير الزور، وهي على مقاعد التخرج. في دمشق، راحت تبحث عن هوية جديدة لفتاة سُلبت كل شيء إلّا حبها الطفولي للرسم والألوان. واجهت الشابة وضعاً معقّداً بعض الشيء، لأن كلية العلوم في دير الزور احترقت بالكامل، ومع أن ذكرى كانت على استعداد لإعادة السنة الرابعة بأكملها، غير أن محاولات استكمال الدراسة في دمشق اصطدمت بكثير من العوائق البيروقراطية والمادية. وبعد محاولات عديدة ويائسة، تخلّت عن الدراسة الجامعية نهائياً، وانتقلت إلى العمل، بالتوازي مع اتّباع دورات الرسم والفنون.تقول ذكرى : «لم تكن ممارسة فنٍّ محسوب على ديانة مختلفة مشكلة لدي. على العكس، في كل مرة أرسم فيها الأيقونات، أشعر بروحي تنساب بين ألوانها وخطوطها. مشكلتي الحقيقية كانت مع المحيط، وبالتحديد مع عائلتي المسلمة الملتزمة، التي لم تتقبل الفكرة إلّا بشقّ الأنفس. لكي أكون صادقة سأقول إنهم استسلموا».

تصرّ الفتاة وهي تتنقل اليوم بين الكنائس، لتخطّ الأيقونات فوق جدرانها، على ترسيخ فكرة أن «الاختلاف لا يولّد الخصومة». وأن التعمّق بديانة أخرى «لا يُنقص من إسلامها شيئاً»، بل يملأ فراغات وعيها، ويوسّع مدارات فهمها لإيمانها، كما أنه أصبح وسيلة لشرح ذاتها للآخرين. وفي ظل ما قاسته طوال السنوات الماضية، ترى ذكرى أن «الأيقونة كانت فرصة مثالية لتجسيد الآلام، ونزف الجراح بالألوان». اليوم، وبعد أن أُطيحت أحلامها المرتبطة بعلم الفيزياء، بات لدى الشابة حلمٌ جديد، وهو المحافظة على فن الأيقونة، الإرث الثمين، و«نقله إلى من يستحق».

 

 


الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...