إسرائيل عدوة إسرائيل الأشرس

19-09-2019

إسرائيل عدوة إسرائيل الأشرس

الجمل ـ *بقلم جيلاد آتزمون ـ ترجمة رنده القاسم:


العبرة المستقاة من المأزق الإسرائيلي السياسي الحالي مفادها أن إسرائيل تنهار من الداخل و تتحلل إلى عناصر لا يمكن أن تتوحد.

و لم يعد يقصد بالانقسام ذاك اليومي الحاصل بين الاشكنازي و  اليهود العرب (سفارديم)، بل  هو انقسام إيديولوجي و ديني و روحي و سياسي و اثني و ثقافي. و لا هو انقسام بين اليسار و اليمين، فاليهود الإسرائيليون في صف اليمين سياسيا حتى و لو تظاهروا أنهم يساريون. و رغم أن بعضا من أكثر الأصوات الذكية انتقادا لسياسات إسرائيل و الأصولية اليهودية  هي أصوات إسرائيلية (مثل جدعون ليفي ، شلومو ساند، إسرائيل شامير و غيرهم)، فإنه لا  يوجد يسار سياسي إسرائيلي.و السياسات الإسرائيلية تنقسم بين الكثير من الناخبين اليمينيين المتطرفين و العديد من الصقور العاديين. 

و فعليا حزب القائمة العربية المشتركة هو الحزب اليساري الوحيد في الكنيست الإسرائيلي، و يجب ألا يكون الأمر مفاجئا أبدا، فاليسار اليهودي، كما كنت أقول على مدار سنوات كثيرة ، عبارة تجمع لفظين متناقضين، فاليهودية شكل من الانتساب القبلي ، و اليسار عالمي... و القبلي و العالمي كما الزيت و الماء لا يمكن أن يختلطا.

و الشيء المميز بالانقسام السياسي الإسرائيلي هو أن الإسرائيليين متحدون، أكثر من أي وقت مضى، في معتقداتهم القومية و أولوية علاماتهم اليهودية...... لماذا إذن، و مع كون الإسرائيليين متحدين هكذا، لا يستطيع أحد تشكيل حكومة في ما يسمى "دولة يهودية"؟ 

أفيغادور ليبرمان، الذي كان سابقا حليفا قويا لنيتينياهو و هو نفسه يهودي قومي متطرف، نقب في الورطة السياسية الإسرائيلية و قال بأن الانتخابات قد أقرت حتى الآن : "وصلت مقاعد كتلة اليهودية الحريدية و اليهود المسيانيون إلى 61-62 " ، و أضاف ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" :"إذا لم تصل نسبة التصويت إلى 70% على الأقل في غوش دان و شارون فإنه سيتم تأسيس حكومة هالاخاه".....و بشكل أساسي يقول ليبرمان أنه في حال لم يشارك الإسرائيليون العلمانيون في تل أبيب في الانتخابات، فعليهم أن يتوقعوا العيش في دولة هالاخاه تحت الجناح اليميني المتطرف لحكومة نيتيناهو. 

و يبدو أن ليبرمان يملك المفتاح لاستقرار إسرائيل السياسي، و رغم أنه و نيتينياهو توأمان إيديولوجيا  فيما يتعلق بالأمن الإسرائيلي و القضايا القومية، فإن الاثنين خصمان لدودان يقاتلا بعضهما البعض  بشكل عدواني.و لقد أدرك نيتينياهو، منذ بضع  سنوات،  أن غياب حكومة جناح يميني متطرف قوية يعني توقع  إمضاء بعض الوقت خلف قضبان السجن، المغامرة التي أضحت شائعة بالنسبة لشخصيات سياسية إسرائيلية بارزة.

و شركاء نيتينياهو الطبيعيون هم الأحزاب اليمينية المتطرفة و الأرثوذوكسية.  إيديولوجياً، يجب أن يشعر ليبرمان بالارتياح ضمن هذا الائتلاف السياسي، غير أنه اتخذ قرارا سياسيا حاسما و جوهريا من أجل بقائه السياسي. فمنذ مدة قصيرة أدرك أن قاعدته السياسية الرئيسية تتمثل  بالمهاجرين اليهود من الإتحاد السوفييتي السابق، و الكثير منهم بالكاد يهود و هم عرضة لإرهاب حاخامي مستمر، و يعتبرون الأحزاب اليهودية الأرثوذوكسية عدوهم الأساسي. و الكثير من أولئك اليهود الروس و الأوكرانيين يملكون مواقف سياسية يمينية متطرفة و لكنهم أيضا ينظرون إلى الحاخامات كتهديد لوجودهم.

نظريا، يستطيع ليبرمان تنظيم ائتلاف كبير موحد يرأسه نيتينياهو، و ينضم إليه ائتلاف  أزرق أبيض (كَحُول لَڤَان) بأحزابه الثلاثة اليمينية ، و حزب ليبرمان نفسه و ربما أيضا حزب العمل. ائتلاف كهذا يمكنه الحصول على ثمانين مقعدا في الكنيست، ما يكفي لإبقاء حكومة قوية ، و لكن هذا الائتلاف قد يرفض منح الحصانة ل نيتينياهو.و نيتينياهو يراهن عوضا عن ذلك بحكومة دينية ضعيفة يمينية متطرفة، حكومة قد لا تبقى طويلا،  و لكنها ستبذل المزيد من الوقت من أجل بقاء رئيس الوزراء خارج السجن.و يشكل هذا الصراع في قلب السياسات الإسرائيلية نافذة على الدولة اليهودية و مخاوفها. إسرائيل تغدو بشكل سريع دولة يهودية أرثوذوكسية،  و اليهود الأرثوذكس في إسرائيل هم المجموعة الأكثر نموا فيها، و هم أيضا المجموعة الأفقر، إذ يعيش 45% منهم تحت خط الفقر في تجمعات منعزلة. و عادة يتوقع المرء بأن الفقير يساند اليسار، غير أن يهود التوراة الإسرائيليين قوميون شرسون و يمنحون دعمهم علنا لبينيامين نيتينياهو و حزبه.مؤخرا حذر البروفيسور دان بين دايفيد ، من جامعة تل أبيب، بأن إسرائيل ستتوقف عن الحياة خلال جيلين.

و أشار إلى معدل الولادة المرتفع بشكل مذهل بين اليهود الأرثوذكس المتطرفين، و توقع بأنهم، وفقا للاتجاهات الحالية، سوف يشكلون 49% من سكان إسرائيل مع حلول عام 2065، و سوف تسيطر أحزاب أرثوذوكسية متطرفة على الكنيست خلال جيل أو أقل.

و يتوقع بين دايفيد بأن اعتمادهم على نظام الإعانة  الإسرائيلي سيؤدي إلى انحدار سريع في الاقتصاد الإسرائيلي. و هذا الأذى الاقتصادي سيزداد سوءا مع رفض  معظم المدارس الحاخامية  إدخال المواد الأساسية في الغرب،  مثل الرياضيات و العلوم و الإنكليزي، إلى جوهر مناهجها التعليمية. و بناء على ذلك، فإن إسرائيل تُعَلم نسبة متزايدة من سكانها بطريقة لا تتواكب مع الاحتياجات التقنية لمجتمع غارق في صراع من أجل البقاء. 

و الصورة التي أمامنا فريدة جدا:  إسرائيل تصبح أكثر يهودية و أصولية في روحها القومية و الدينية، و بنفس الوقت تغدو مقسمة في كل شيء؛ فالمهاجرون الروس يرون أنه من المستحيل العيش مع أرثوذوكس متطرفين  و العكس صحيح، و المناطق العلمانية في تل أبيب تسعى لكي ترى مدنها كامتداد لنيويورك، و اليسار الإسرائيلي أصبح أشبه بمجموعة من المثليين و قد أبعد  نفسه فعليا عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. المستوطنون اليهود ملتزمون بفكرة "حل الدولتين اليهوديتين"، و يريدون أن يروا الضفة الغربية و قد أضحت أرضا يهودية. و اليهود الأرثوذوكس بالكاد معنيين بأي من هذه القضايا السياسية، ويدركون جيدا أن مستقبل الدولة اليهودية ينتمي لهم، و كل ما يحتاجون فعله الاحتفاظ بأقلية يهودية علمانية منتجة لتخدم  كبقرتهم الحلابة. و على رأس كل ذلك نرى صراع  "بيبي" من أجل البقاء ما يهدد بالتصعيد في أي لحظة و التحول إلى صراع عالمي.و في ضوء كل ذلك، يبدو الفلسطينيون نسبيا في شكل جيد، فهم ببساطة يحتاجون البقاء، و يبدو أن إسرائيل هي عدوة إسرائيل الأشرس.


*كاتب و سياسي و ناشط و موسيقي ولد في إسرائيل و يعيش الآن في لندن.

عن موقع Information Clearing House

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...